قضايا وآراء

الثقافة الموسيقية الموؤدة؟؟؟

وفي رواية (الزمن الحديدي) للكاتب عبد الهادي الفرطوسي يلجا البطل المغني بطل الرواية (جودة الساير) إلى الموسيقى بواسطة النفخ في آلته البدائية (الشبابة) ليبعث الروح في (عباد الآلة) الذين اعتصرت آلة العمل أجسادهم مستخلصة منها كل العواطف والمشاعر وكل ذائقة للفن والغناء والموسيقى لتصيرهم آلات منتجة فقط.

ولا ينتطح عنزان بحرقة قائلينما تثيره أغاني فيروز الصباح من بهجة وفرح وأمل وحب العمل والإقدام عليه في صباح يوم جديد مطهرة روح الإنسان العراقي من صدأ كوابيس يوم وليل سابق ليل ربما يكون محملا بالخوف والرعب واليأس والمعاناة في عراق جاوز أنينه وحزنه المدى.

ارقب مندهشا حركات طفل عمره اقل من عام واحد وهو يحاول إن يرقص محركا ساقيه  وأصابع يديه عندما يسمع أغاني فيروز الصباح.

أنها التفاتة جميلة من الكاتبة (عاليه طالب) إن تدعوا إلى نشر وترسيخ الثقافة والذائقة الموسيقية البناءة، هذا الفن الرفيع الذي يمتلك سحر إعادة تنظيم وترتيب خلايا مخ الإنسان ليكون منتجا ومبدعا ومتوازنا ومقبلا على حب الحياة وحب أخيه الإنسان ونبذ كل ما يعكر صفو الحياة وجمالها وتكاملها فالغناء والموسيقى هما غنى الروح وغنى النفس الحية.

 بمرارة كبيرة نربحرقة قائلينذكريات (ألجوبي) هذه الرقصة الجماعية الجميلة التي كان يؤديها آبائنا وأجدادنا قرب أضرحة الأئمة وفي المقابر وفي الحدائق أيام الأعياد وخصوصا في (الدخول) أو عيد (نوروز) عيد الربيع الذي كان موسما للقاء وغزل العشاق في الريف والمدينة،وكذلك الحفلات البهيجة والعفوية والبريئة والمجانية ألتي تستمر حتى الصباح في حفلات الإعراس و(الختان) التي يحيها أبناء المحلة بهذه المناسبات، حيث (ألمطبك) و(الربابة) و(الدر ابك) و(الطبول) والمطربين المعروفين في كل حي بلا ضافة إلى استدعاء الغجريات للرقص والغناء في بعض الأفراح.

إن هذه الفعاليات اختفت تحت ظروف مختلفة ولم تبقى سوى خيال ذكريات حلوة في رؤوس كبار السن. وهم يحنون إليها بحرقة قائلين :- الله ما أجمل أيام زمان!!

لا نستغرب حنين الناس لتلك الأجواء التي أصبحت مجرد ذكربالضرورة رجل برامج كاملة لبعض الإذاعات ومحطات التلفزيون المحلية في بعض المحافظات بعد إن تصادر الإذاعة المركزية لتبث ما لا يعقل، لا من حيث صحة ما يستند إليه من روايات دينية أو علمية وكلها تدعو إلى تحريم أو كراهة سماع الموسيقى والغناء على وجه الإطلاق وكل الغرابة تكمن في إن هؤلاء يستشهدون بأقوال علماء ليثبتوا ضرر الموسيقى على إلا نسان وخصوصا الأم والجنين وما إليه،ولا أظن إن بنا حاجة أن نذكر موقف العلم الذي يقف بقوة مع فوائد الاستماع إلى الموسيقى وفائدتها في معالجة الكآبة والشد العصبي والنفسي، وفائدتها حتى للحيوان والنبات والمساعدة على معافاته وسرعة نموه إلا إذا كانت هذه الموسيقى من النوع الصاخب والنشاز فهذا أمر آخر حيث تتحول هنا إلى وصف الصخب والضجيج وتخرج من وصف الموسيقى والغناء وبذلك تكون ضارة فعلا.

ويسرني إن انقل لكديانتكم الإسلام؟ دار بين احد الأصدقاء وبين احد الأفاضل من المعممين وهو ليس بالضرورة رجل دين بل أصبح الكثير منهم رجال سياسة برداء دين وليس هذا مهما ولكن المهم انه يتحدث بدافع ديني  كما يروي الصديق:-

 (فبعد السلام وردديانتكم الإسلام؟منه، فاجأني الشيخ بالسؤال التالي:-

-     رجاءا هل أنت مسلم؟؟

-     كلا شيخنا أنا اسمي (سعيد).

-     عفوا ما اقصده هل ديانتكم الإسلام؟؟

-     نعم شيخنا والحمد لله ولكن لماذا هذا السؤال؟؟

يا أخي كيف تكون مسلما وتسمع الموسيقى والأغاني من خلال المذياع الذي أراه بجانبكم  !!!؟؟؟)

 وقد روى لنا شاهد عيان من احد المحافظات انه شاهد لافتة طويلة عريضة مكتوب عليها باللون الأحمر معلقة في شارع عام تَقول وتِقوّل احد الأئمة الأطهار (ع) ما معناه إن من يستمع للغناء كأنما طعن صدر رسول الله!!!

وهنا يثار سؤال هل استقبل أهل المدينة وهم يحملون الدفوف منشدين (طلع البدر علينا من ثنايات الوداع....)  هل كانت هذه الدفوف والأناشيد سكاكين ومدي لطعن رسول الله(ص) أم مظاهر فرح وبهجة استقبلوا بها رسول الله على مشارف مدينتهم وهو متوجه إليهم وأصحابه من مكة في هجرته المعروفة وهل استنكر رسول الله(ص) فعلتهم هذه أم إن هذا الفعل استقبل من قبل رسول الله وأصحابه بالارتياح والاستحسان، وعدم وجود تصريح أو تلميح في كتب الروايات يشير إلى عكس ذلك؟؟؟

فماذا سيكون رد فعل من يأخذ بمقولة الطعن هذه،حينما يسمع موسيقى وأغنية من مذياع السيارة مثلا أو من جهاز تسجيل فردا ما؟؟ أو حينما يسمع احد أفراد عائلته وهو يستمتع بسماع أغنية أم موسيقى ؟؟؟

هل سيقبل أن يطعن رسول الله(ص) أمام ناظريه وهو ساكت أم انه سيرد الطعنة إلى صدر المستمع ليفوز بالجنة خالدا فيها!!!!؟؟؟

ففي مثل هذه الأجواء هل احد الشباب مكانا للموسيقى والغناء؟؟؟ فقد صورت احد الفضائيات احد الشباب في الناصرية منزويا في منطقة نائية ليطلق لصوته في الغناء بعيدا عن سيف المنع والتحريم والتجريم، الناصرية مدينة الشعر والموسيقى والغناء والعلم والفن؟؟؟

 المشكلة هنا إن كل من هب ودب اخذ  يعطي لنفسه تبني النصوص والمقولات وهو غير مؤهل من الناحية الدينية والعلمية لتأويل وتبني ونشر هذه النصوص أو المقولات خصوصا وان هذه الأحاديث والمقولات ليس بمستوى واحد من المصداقية والكل يعلم هناك منحول ومنقول وهناك مدسوس وهناك ما قيل  بحق حدث أو واقعة بعينها وفي زمن ووقت معين فهل انك عندما تطلب من احدهم إن يغلق موسيقى أو منبه (موبايله) وهو في مجلس الفاتحة يعني انك حرمت الموسيقى والغناء؟؟ وهل يعني طلبك من احدهم غلق مذياعه وهو في قاعة المكتبة انك حرمت سماع الغناء والموسيقى؟؟ أم إن لكل حدث وحادث وزمن حديث يجب أن لا يكون مطلقا على ما سواه ولما قبله وما بعده وهنا مشكلة أخرى لا يريد البعض أن يدركها ألا وهي تاريخية الفعل والقول والحكم وعدم صلاحيته لكل مكان وزمان إن صح هذا القول أصلا.

 إن صفة إطلاق الكراهة أو التحريم، فنحن نتفق جميعا يجب إن تكون الموسيقى والغناء غير جارحة للذوق العام،وان لا تكون باعثا للتحلل والإباحية  والعدمية والضياع، بل إننا مع المضمون والشكل الفني الايجابي البناء لأننا عمليا نضع مفاضلة حتى في اختيار صوت معين من أصوات مرتلي وقراء القرآن فهناك من يفضل عبد الباسط وهناك من يفضل الشعيشع أو الشيخ عنتر...الخ،ألا نسال أنفسنا لماذا هذا الاختيار والمفاضلة خصوصا وان المضمون واحد وهو قول الله تعالى؟؟؟

وهنا فإننا نريد إن نقول للأستاذة الفاضلة (عاليه طالب) إن الثقافة الموسيقية والغنائية ليست مفقودة بل من السجايا عميقة الجذور في ذات الإنسان  وخصوصا إلا نسان العراقي عبر التاريخ وليس هناك اصدق برهانا من مواويل و أبوذيات - حضيري وداخل حسن وحسين نعمه... ومئات بل آلاف الأسماء من المطربين والمنشدين والعازفين في وسط وجنوب وغرب وشرق وشمال الوطن وتنوع هائل في الألحان والرقصات والدبكات وآلات العزف ألمطبك والربابة والجوزة والدر ابك والناي و..و في الجبال والصحارى والوديان والسهول والاهوار في الريف وفي المدينة - بل هي في واقع الأمر موؤدة في ظل سيادة تيار العنف والتزمت والتباس التفسير بعد إن زج العديد من الجهلة أنوفهم في أمور الدين والدنيا ولبسوا لبوس العارفين والمرشدين والمفسرين في ظل (الفوضى الخلاقة) مما  نشر حالة الالتباس والفوضى واحتباس الوضوح والاتزان والمعقولية، ووضع المعنى والنص في غير محله ، وأوكل الأمر والنهي إلى غير أهله!!!!.

إن اغلب أفراد المجتمع العراقي تعيش حالة من التصحر الذوقي بسبب ا فول الفن الرفيع وانتعاش سوق (الفن) الهابط في زمن الديكتاتورية، ومجتمعنا يعيش الآن حالة من التجريف للذوق الفني الرفيع من قبل قطعان الجهلة اللذين لا يعرفون غير التحريم والتجريم في ظل (الديمقراطية)!!!!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1078  الاحد  14/06/2009)

 

في المثقف اليوم