قضايا وآراء

فـي قـراءة الـشعـر فـيـض مـن الـعـشـق قراءة في ديوان "قمر الأطلس" للشاعر عبد السلام بوحجر

افـتـتـن قـلـمـي وأطلقته هو الآخر هائما متولها مع العشق، لا يفتري كذبا في هذه الورقة الـغرامية .

دون مقدمة وإهداء، عـشـقـت الـلاحـقـيـن الـمـصاحـبـيـن الـمتممين، وهـما عـتـبـتـان معشوقتان الأولى لوحة، والـثـانـيـة عـنوان .

لـوحـة الـغـلا ف : لوحة توحي إليك مباشرة بالشموخ في قمم الأطلس، وكلما ارتفعت متسلقا الدرجات إلا واقتربت نسبيا من القـمـر الذي لا تذيب أشعته ثلوج الجبل، أحس الأطلس بالبرودة فنسجت له الروعة حايكا مغربيا، ينساب من القمة إلى السفح شاهدا على عمق الصلة وميرا ث الحضارة، مع الـنظرات إلى الزي تنتشي، و ُتـغـرى الأيادي للمس القماش، في حين يشرد الخيال أمام زهاء الألوان . في تقـليد ا لـصـنعـة زخرفة بسيطة، تـلـبّـس الـحـسـن بالـبـسـاطـة و أفضيا على الـغلا ف أناقة عالية توحي بالسر الكامن خلف الـحايك … فُـتح الـنطاقان، وبقيت الـثنيات لينة والطيات عريضة . في سواد ظلمة الأفق، بزغ القمر الأزرق مشعا نوره ومكسرا ضبا ب الغـبـش ليضيء الكلمات …

عـنـوا ن الـديـوا ن: ” قمر الأطلس” اسمان قمر وأطلس، بينهما إضافة خلعت الـتنكيرعن الأول بحكم شهادة الثاني، أطلس موطنه الـمغرب، إنه الملك الذي أعجب به المؤرخ “هيرودوتس ” كما أثبتت كتب الـتاريخ الإغريقية القديمة، وألف أفلاطون قصة أطلس في ثلاثية أكد قيمتها سقراط رغم غرابتها. ونحن أحفاد الـجنس الأطلسي، تغنينا به في أناشيد الـتحرير و الاستـقلال. تمت استعارة اسم أطلس لتسميات كثيرة، فـنـسـمع رقصةالأطلس، عرس الأطلس و… و…و…. ولما لا قمر الأطلس.

تناولت الديوان عاشقا، بقراءة محدودة، لا متشبعة ومعمقة، وهذا ما أتركه لذوي الاختصاص من النقاد المحترمين . قرأ ت الديوان متذوقا ومتمتعا، حاولت الإمساك بخيوط هذا الإبداع الفني فوجهت صحني المقعرفي اتجاه ” قمر الأطلس” حسب ما يلي :

ـ عـدة درجات جهة المغرب الشرقي .

ـ مقدار الذبذبة بالكم .

ـ التردد معلوم .

ـ الاستقطاب يتم عموديا بمعدل الـترميز والـتصويب .

ضبطت الكـل، فبدأ ت الصور تتزاحم آخذة موقعها للبث بالواضح طوا ل مدة الإرسال من القمر الفني الإبداعي إلى رقعة هذه الورقة، التي تتغيا في توا ضع الـبوح تحت ا ستفزاز وضغط العشق المضمخ بعبق الـتوهج و أ ريج الجما ل .

دون سبر الأغوار للبحث عن مخابئ الدرر، ولا الغوص في الأحشاء والدواخل للاتقاط الجواهر، القيمة الجمالية تعانقني، تطفو وتغوص على إيقاع مفـتعـل عنوة، ترقص عليه الكلمة سافرة غير مقنعة، سهلة المنال . كعاشق أعوم في عري الكـلمات، أ قرأ عيون الـقصائد وأتأملها في ود و تعاطف، أنظر إلـيها وكأني أشعرها بأن لديها نفس و روح، يشرد الخيا ل أمامها لأنها نازعة إلى الإغراء بطبعها، ماسكة بنسبها العريق، أحقق فيها الـنظر فـتطبق القـصيدة جفـنـيـها متحاشية نظراتي في حشمة و وقار.

سمحت لنفسي بالاسترسال في القراءة وفـقـدت الـسيطرة على مشاعري بإلهام من الوحي الخفي والهاتف الداخلي . سكـنني هـوس قض مضجعي لأ قرأ الـديوان و أعـيد قراءته، لا لأ فيض الحديث عـنه بالـتـفـصـيلات الزائدة، وإنما لأتـلـذذ سـر المتعة الحاضرة في الموازنة بين الأصل و الصورة، والتسلسل المنظم و الترابط المنطقي .

طبعا يـشـعـر الشـاعـر بما لا يـشـعـر بـه الـقارئ، فهـو مرهف الحس، لماح الإحساس، دقـيـق الشعـور، وصاحب الـديوان كذلك، لـكـنه يـتـصـيـد اللفـظ الجذا ب ليدخـل القارئ في خيمة الشعـر ويرحل به إلى عالمه .

تأنق في أسلوبه دون قيد او تكـلف، اختار ألـفـاظه مؤثـثـة في حسنات الشعرو مواطن الجـمال . يقدم النغم العذب الخلاب بنفس صافية و روح مشرقة و تمازج منسجم، وبـكل هذا وتلك، إذا أنشد

أعجب، وإذا غنى أطرب . يزداد شعره حلاوة ومتعة وعشقا حين يشدو بصوته و يصدح بقصائده …

مع ولادة القصيدة قال: ” … أكون في لحظات فرح مزيجة بـلحظات عذاب داخلي أترجمها بالتغني…” وهذا ما تلمسه في قصـائـده من حـيـث الإيـقـاع المتنوع الذي يخـاطب أذن السامع أو القارئ في تجاوب فني و موسيقي، وكأن الشاعر يغـنـي ويـكـتـب .

يرشح شعر ديوانه عامة بمعان تمت إلى الذوق الإبداعي والفني بصلة تغري الروح بما هو عميق و أصيل من الشعر، كما تحـث الموهبة الإبداعية و الفنية للاقتراب من القارئ . تحمل الشاعر عبء المعاني في الأداء بثقة في القريحة الـتي لا تخون، وبخبرة في الأسلوب الذي لا يعوق، وباستجابة وجدانـيـة يركب الـبحور كي يخاطب الروح، و يعزف بأنامل الشعور والإحساس على أوتار الوجدان، وحين تستهويك قراءة ديـوانـه، تولد فيك عشق الـكلمة وسحر الصورة الشعرية .

حاولت فك شفرة القصائد، و ساء لتها لتبوح لي أيـن أ ضع تـشـطـيـبـاتي، لكنها رفضت في تعنت، وجهرت بالكلام السري … من أشعاره تفوح رائحة الغناء والـطرب، والدليل ما تؤكده بعض العناوين كرمز قاطع، وهذه الشبكة الإسمية كمشير واضح : ( الرباب ـ أغنية ـ نشيد ـ عـرس ـ إيقاع ـ قيثارة) .

بصدق المعاناة و روح حرة متمردة على كـل الـقـيـود، عشقت مكونات المضمون الشعري في الأبـيـات و السطور، في المقطعات والقصائد، ولابأ س من الإشارة و التلميح لا التعمق و التحليل .

” قـمـر الأطـلـس ” ديوان شعري يتكون من ثلاثة أبواب شعرية متفاوتة القصائد وهي :

ـ الباب الأول بعنوان ” طقوس الروح ” وهـو مطلع الديوان، قوامه أربع قصائد، من خلالها يتضح أ ن الشاعر مأخوذ بسحر الـقصيدة حتى البكاء و حسرة الموت، بل إلى أقصى درجات العذاب و الذوبان في الصدى مع الاحتراق .. وقـال : … ” تلك أنهارنا سوف لا تنتهي

ولهذا نسميه ما نشتهي ” ص (60)

سميته زير القصائد بدون منازع، مع أسماء في قصيدة ” بلاغة الرباب” أمضى إلى الإغماء … و تركها تنام في حراسة القمر… ومع عائشة في قصيدة ” أوراق عاشق الرحيل” انحنى إليها سلاما، وقدم لها باقة من القصائد بلون الصراع منغمسة في مداد الـجياع، لأنها ترقص في قلبه كشعاع القمر…ومع المرأة العاشقة في قصيدة ” سفـر آخر ” مشت القصيدة إلى قلبه على حبل الجنون فرآها وراء الصمت تمسك بالماء كالقمر … ومع التي قالت في قصيدة ” قـالـت”… جرى ما يلي :

” و قصد ت مرآتي…أرى وجهي أنا

فرأ يت وجهك أنت كالبدر التمام ” ص (25)

(.. )

” أتـغـيـب يا قـمـر الـربـيع وأنـت من

نورتني و سكـنـت فـي أغلـى مقام ” ص (26)

ـ الباب الثاني بعنوان ” دفاتر الوطن ” وهو صلب الديوان، عدد قصائده سبعة . ” أغنية الشما ل” قصيدة غنى فيها الشاعرلأرض الشمـا ل، و ربع الحسيمة، و والديه و سحر حياته، و لعبد الكريم الخطابي، الشهم العظيم الذي جعل الحق بدرا، و إلى كل هؤلاء أهدى اللازمة التالية : ” إليك اليوم أهدي كلامي ” ص (36) .

مع أم أسعد في قصيدة ” نشيد الولادة بين الحلم والحصار ” علمته الكثير، فوهبها حياته، وحين أراد قلبه أن يهفو، أصر على غزل وردة الفجر الجديد قصيدة في شكل زهرة، أو جمرة، أو عبرة، أو ثورة، و ناداها أم أسعد، الحمامة التي تعلن حبها للعاشقين، وأنا أحدهم …

أردت أن أتـعـمـد إغـفا ل الـجـانـب المسرحي للشاعر، لكن بعض الـتساؤلات المباشرة وغـيـر المباشرة تفضي بالعشاق إلى السر والسبب حتى لا يجب العجب، غاب عن الـقصيدة مدة ليحضر في المسرح، دائما على درب الاحتراق، برر الغياب بالكتابة في المسرح الشعري، فجاد بأعمال فنية معشوقة متعددة كمسرحية ” ملحمة القمر الأزرق ” و التي نال بها جائزة وزارة الـثـقـافـة.

جاءت قصيدة ” تحت راية الحـضور دائما” لا للعودة والمصالحة، وإنما لتأكيد الحضور الدائم فقال:

” لأب عـرفـتـه دروب الـنـزيـف

تارة يـخـتـفـي في هـدوء الكلام العـمـيـق

و أ خـرى

يـفجـر أشواقـه

فـي حـقـول الـصـدام الـعـنيـف . ” ص (51)

اعترف بصدق العاشق في قـصيدة ” ما قبل الغناء ” و أشعل بأعماقه سرا وغماما، وعلى بحر الرمل سقاه جمال ـ الذي أهـداه القصيدة ـ كأس الأمل من الأغاني الجميلة، وقبل الغناء تبقى لديه نعيمة قـصـيـدة تنادي اللحن صديقا، والصوت صباحا، فتصبح بذلك أغنية يجدها بعد العذا ب و الظلام … و يهديها إلى جمال متسائلا عن الغياب .

” أين أنت الآن يا نبع الخيال ؟

أيها الصوت الذي كان إذا غنى ومال

لأعـاصير الجما ل

يخطف الدمعة من أبراجها

يـرسم باللحـن خـدودا

و قدودا… ” ص (63)

في قصيدة “عـبـور” حبك لغزا حول رجل را ئع الخطوة، يحمل شمعة، و بـجـبـيـنـه يـشـعـل و ينـيـر الدرب إلى كهـف الـعـاشـقـيـن، إنها الإشارة إلى الشعر و الشاعر .

” قـمـر الأطلس” هو عنوان الديوان، هو صورة الغلاف، وهو القصيدة منها تلامس الروح الآلام والجمار، و يصيح القـلب عن الشاعـر اللسان .

” اجمل عالم يا أصدقاء

هو الذي لم نكتشفه

هو الذي نبنيه بالرفض . ” ص (69)

(..)

أذهب بعيدا .. من هناك انطلق النشيد …

سار الشهيد إلى الشهيد

في وحشة الليل الطويل ” ص (70)

يقر الشاعرأن القصيدة امرأة مروعة تدفعه و تختفي، وتعشقه وترفضه، ثم تبتعد في المستحيل، وحين يحاصر… يزيد في الاشتعال، ينشد الحرية و العيش كما يريد، دون أن يهجر السر و يقول :

” فالحلم نبراسي و عكازي هوالإيمان كي لا أ نحني ” ص (74)

” لن نركب السفن الصغيرة والكبيرة

كي نمر إلى مرافئ غيرنا

لا … لن ندق اليوم أجراس الرحيل

كي نستريح على ضفاف المستحيل … ! ” ص (78)

في قصيدة ” إيقاع من أ جـل الإنـسـان ” عشقت الشكوى كي أقاسم الشاعر همومه بكـل المصادر القصرية : منع، إسكات، إخماد، وعلى شكل إيقاع الـتحدي و المقاومة يتم الفرار إلى العدل مع نهاية زمن الخوف والحذرفي الأرض خيمة الجميع وقال :

” فـأرانـي مـسـافـرا كـنـسـيـم إذا عـبـر

أو شـاهـدا و شـاهـدا بـدمـي أرسـم الـقـمـر.” ص (82)

ـ الـبـا ب الـثـالـث بـعـنوان : ” دفـاتر المنفى ” و هو ختم الديوان، مجمله ثلاث قصائد وهي : “حوار باريس ” قصيدة من خلالها عاد الشاعر إلينا يغني للفجر الجديد، يغزل الآلام شعرا، و يحيا شقاءه في غنائه و حياته في قصيدته، يغني لكل الفقراء الـحفاة العراة، وطنه الإنسان في كل الجهات، في باريس بلد الوعود والمقابلات، حاور ذلك الذي أ تـى من بلاد الشرق، يختفي وراء كلماته، دعاه للعودة إلى الوطن الغالي فرفض، بدعوى أ نـه لا يـرى أحلام شعبه الحر إلا في الجريدة، ولـكـن .. بضمير يتألم ألـم الأشقـياء و الأبـرياء، يكـبرالـنضا ل في القـلب حبا، ويتطلع المغترب للغد المشرق والنصر الذي تصنعه الأيادي مهما طال الزمان .

” عرس سـرايـيـفـو ” قصيدة مأساة تصنع الملامح، حكاية زوج من علي ومـديحة، ثـنـائـي في تحد و صمود، بكلام مضمخ بدم الورود، أراد الزوج بناء الـعـش، لكن الـحـلم بـعـيـد بـعـد الـخـطـيـبـيـن الحبـيـبـيـن اللـذيـن يـ …حـ … ـلـ … ـمـ … ـان حلما متقطعا ونكسرا يؤول إلى آيات الاستشهاد، فسقط العريس الشهيد متوهجا في نفوس المومنين و صدور العشاقين .

على أ وتار قـصيـدة ” أسرا ر قـيـثـارة الـمـنـفى ” عزف لـذلك الـذي يـقـيـم خارج وطنه باستـخـفـاف .. أجاز في حـقـه أقـصى دروب الـتـشـبـيه، هو كذلك الذي خان ملته، وحين يدون المنفي دفاتره، يخا ل ويتصور دائما الموعـد والعودة إلى القمر، ألا وهو الوطن الحبيب . فقا ل الشاعر : ” خـلـت نـفـسـي مـسـتـلـقـيـا فـي سـريـر عـلـى الـقـمـر

(..) كـل حـبـي رغـم الـنـوى فـاذهـبـي بـي إلـى الـقـمـر” ص (111)

انصهرت القصائد بعضها في بعض رقيقة شفافة، العصية منها نادرة و قليلة، أبدع الشاعرفي سبك الأسلوب و تطويعه، فأ ثث السطر الشعري بالكلمات الجميـلـة حتى غـدا ـ الـسـطـر ـ وكأنه رف كتب لمادة واحدة .

” كم كنت أرغب في لقائه من زمان

من زمان في لقائه كنت أرغب .. ” ص (40)

وكذلك :

” وتـفـيـض عـلـيـه الـجـراح بـعـمـق

بـعـمـق عـلـيـه الجراح تـفـيـض ” ص (52)

قصائد الـديـوان غـنـائـية بكـل المقومات، الإيقاع و النبض يشهدان بشعرية الكلمات، ورهفة الإيماءات تفضي على النغم الموسيقي طلاوة، وكثيرا ما وجدت ذاتي في عشقي وأنا اقرا وأضرب باليد إما على الطاولة او على الكتاب نفسه .. قرأت و قرأت .. ثم أعدت القراءة بفيض من العشق الذي لم يكن نزوة عابرة بقدر ما يكون من خلاله تـقـصـي الـصـنـعـة الـشـاعـرة المغرية بالألحان المندلقة ماء من جيوب الحجر، بات العاشق يردد الأسطر، وكأنه الـناسك المتعبد، وبكل هذا وذاك، أزعم ان هذه الورقة لم تحط بكل ما تتطلبه القراءة العاشقة من تذوق ومتعة، لا تأويلا وتحليلا .

و أخيرا بهمس اللذة، ولهيب الرغبة مع شهوة العشق، أخذت من الديوان كلمات ملونة لأرسم بها لوحة تحت ضوء القمر في فرحة زرقاء، ها هي المرأة السمراء بيد بيضاء، تمد الرسالة الحمراء، فيها أسرار خضراء، وللقراء فيما يعشقون متعة …

 

محمد زريـويـل/ المغرب

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1413 الاثنين 24/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم