قضايا وآراء

قراءة في نص (لحظة عريّك..) للشاعرة ضحى بوترعة/ جوتيار تمر

البعيدة الغور في الذات الانسانية، لان يلامس في (لحظة) بعدا زمنيا قابلا للمشاهدة، للتأمل والتوقف عنده، هذه الزمنية التي اعطت للعنوان وفيما بعد للنص قيمة دلالية انتجت هنا التوجيه المباشر بالكاف الملحقة بالفعل الاساسي في العنوان وفيما بعد في النص، وهذا ما يميز النص ويجيب عن التساؤلات المسبقة التي ارفقناها كمدخل للنص، فاللحظة هي الشاهدة، الدالة على التوقف والتأمل، و(عريك) توجيه عياني الى ملموس /مادي، وليس توجيها الى خيال خصب يخلق تهيأت او صور يستحضرها من المخيال الفرويدي.

تتوحد فيك زوبعة الدّم المغترب

فتشتاق لبياض الموت

لم تكن بحجم الغيمة المنشطرة

الى جسدين

ولا بحجم النار التي تحفظ

أسرار الشّمس

تفيض بك لحظة النزف المبلل

بماء الإحتراق

 

يتجسد الدم المغترب في النص منذ الوهلة كقيمة تبرز الوحدة الدلالية فيه، حيث تتجلى فيه وحدة النسق الشعري، ومن ثم وحدة التزواج بين النص والشاعرة، وبين الشاعرة والاخر، هذا التزواج بعيد عن الشبقية الماجنة، ومنتمي الى الالتحام الروحي المادي كدلالة على ان المعنى المعجمي للكلمات في القصيدة الواحدة تحرك في الكلمات المتواترة مجموعة من الدلالات الجانبية التي تمييز محاور الدلالة الشعرية السائدة من جانب وتلك الكلمات التي تنهض بدور الروابط، او التي لها طبيعة السوابق واللواحق من جانب اخر، وهذا ما نراه واضحا في التلاحق الظاهر في  المعاني، والمتحد بالسوابق اللفظية، لتشكل معا رؤية تتشكل منها المنحة الشعرية في النص، فمن( فيك) الى (بك) تتخذ القصيدة هذا التلاحم العميق، لتصير في النهاية الى ماء، ولعل مدلول الماء يتخذ في جوانيته تعددية تلبس ثوب الخصوبة والاحياء في وقت واحد.

 

عريك رصيف الأسئلة

رصيف من مرّ عاريا من شبق الحواس المشردة في كل صوب تحتفظ القصيدة هنا بكل دلالاتها الخاصة،باعتبار النص بلاغا كلاميا عاديا، ولكنه في الوقت نفسه يحظى بمعاني اضافية متكاملة، ومن التوتر بين هذين القطبين الدلالة العادية والدلالة الإضافية تخلق خاصية الشعر في علاقة النص بمدلوله، وكذلك العلاقة القائمة بين الشاعرة والشعر، والشاعرة والبراني، المتوسم في (من مر)، والشاعرة والاخر المتوهج في الجواني لديها، الغير متاح آنيا، رغم الازدواجية التي نراها في التوجيه بالكاف المباشرة الى الاخر، و(كل صوب)، الدالة على عدم التمكين من الاخر.

 

 

 

 

 

 

 

كن كي أكون فيك سيفا

يقطع عنق الظلام

حرائق الظل في جسدي.....

وكن صوت الماء عاليا حين يسقط

في ضلع الكلام

في الطين ذاكرة تقف ضدك

وتسقط في شبقية الماء خلف

الحجر......

وأبجدية الأنثى في قبلة المشهد

في العتبة.....

 ما يجعل من امكانية تعددية التأويل في النص ايضا، هي اللغة التي لاتقف عند حاجز معين، فتظل راكدة، منتظرة فرجا يأتيها، او فسحة تنفذ منها الى الجانب الاخر، هنا نلامس لغة متحدة بالاخر، ف(كن)، (لكي) تعيدنا الى ما ذهبنا اليه سابقا في قول الغير متاح لا على المستوى المكاني انما الغير متاح لقسرية طفيلية، وهذا ما يجعل النص في قمة التوهج الوجداني، بحيث يخلق من العناصر الاساسية مادة لخلق سلالة تنتهج هذا التوحد الروحي المادي، فنجد في الكلمات (الاحتراق_في المقطع الاول_ عنق الظلام-صوت الماء –ضلع الكلام- الطين ووو..) دلالات تستعير العناصر  الاساسية الوجودية  على المضمار الكوني،  من الروح والمادة والماء والنار بالاضافة الى الزمنية المتقدة والمكانية الطينية الخصبة، كلها تبرهن على المعين الذي تنهل منه الشاعرة مادتها الرخامية هذه، من اجل الوصول الى اللحظة القائمة على التوحد التام بين هذه العناصر .

 

تعرف أن الخروج من الحبر والحب مقصلة

مثلك تحتجزه الصورة المهمّشة في السديم

كن ماشئت....

خروج العري من قميص التوجس

دخول العتبة.....

لتعرف صوت التوتر بغرف همها من وريد اللقاء هناك بئر للتأمل في صورة الموت...

وبئر للبكاء.........

 

لعل من نافل القول بان الشعر ذو طبيعية ازدواجية، وتنبع هذه الازدواجية من تتابع الكلمات، التي لاتتساوى معانيها بالضرورة مع حاصل جميع اجزائه المكونة له،على اعتبار ان تركيب المعاني من علامات مستقلة هي عملية تختلف عن عملية بناء معنى العلامة من عناصر مختلفة وظيفيا، اننا نواجه في الشعر خاصية جوهرية حين نجد النص الواحد يطرح اكثر من تأويل، كما نجد تأويل النموذج عند مستوى معين ليس فقط حلا شعريا آحادي الدلالة، بل عديدا من الدلالات المتكافئة الوثيقة الصلة بعضها ببعض، وتبرز هذه الآلية الدلالية في قصيدة ضحى، باعتبار لايمكن فهم معانيها  بمجرد التأويل الواحد، واستبعاد الاحتمالية القائمة في النص، بالاخص في استعاراتها الدقيقة، والتي وظفت بشكل يتناسب ورؤية الشاعرة تجاه ذاتها وذات الاخر، وهذا ما يتجسد بالأخص في هذه الاستعارة العميقة الدلالة (قميص)، حيث اية قراءة لها بدون اخذ جميع الاعتبارات المؤدية الى هذه الاستعارة تذهب سدى، لكون القميص نفسه ذا ايحاء خاص، ومتبوع هنـا بكلمات تشكل اكثر من رؤية جانبية واخرى صميمة للكلمة نفسها، فاللقاء، والموت، والبكاء، كلها مؤثرات خارجية وداخلية على المضامين الروؤية التي تتشكل منها، حيث الذات الشاعرة تناضل من اجل تغير  مسارات التوجس النابع جراء صراع الذات مع الذات، ومن ثم صراعها من اجل الحفاظ على مكنونها القائم في جوانيات الاخر، ومن ثم تلاحمها الروحي المادي .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1419 الاحد 06/06/2010)

 

في المثقف اليوم