قضايا وآراء

قراءة في قصيدة (مدائح للندى) للشاعرة ضحى بوترعة / جوتيار تمر

 المنبعث من جوانيات الذات الشاعرة، لترافق احدى سمات التصوف الروحي المتمثلة في مزج العنصرين معا (الطبيعة-الروح)، فمن خلالهما تتوسع افاق الذهن لديهم.

 

لا معنى لظلّي الذي لم يذق بعد بلاغة النّدى

كان يأس المدن يرغمني

على الوقوف طويلا

على أشجارها المسنّة

والحدائق في التأويل هي نفسها في الحصى

من القادم الآن..........

غير المطر المعرض للرّيح يستعيد بهجته

قبل أن يقبل الماء....

قبل إنتباه النهر........

تكتسب القصيدة هنا سمة الوظيفة الشعرية بفضل اسقاطها لمبدأ المماثلة من محور الاختيار على محور التأليف ونتج عن ذلك البنية المتوازية للقصيدة، فالذات الشاعرة تستعيد قوامها اللغوي من خلال هذا التجانس البعثوي بين التوظيف الدلالي (اللغوي)، والتصوير الداخلي الجواني، والياء في النص تبرز الجواني، لتجعله امام حقيقة الواقع، من خلال وصفية تتناسب والحالتين، الروحية والواقعية معا،فاللغة الواصفة تستعمل وحدات متماثلة بشكل متوالي،وذلك من خلال تشكيل تعابير مترادفة، وهذه المتواليات التي تحصرها حدود الكلمة في الشعر تعد مقيسة لها وهي تبني العلاقة المتابينة بين الشعر والشاعرة، لانها في الاصل اما ان تكون علاقة تساو في الزمن، او علاقة تدرج، وهذه العلاقة في اغلب الاحيان تعمل على ابراز معالم لسانية تعالج من خلالها الوظيفة الشعرية في علاقاتها مع الوظائف الاخرى، والصورة التي يمكن استقاء هذا كله منه تبرز في الصورة الصوتية التكرارية في نهاية المقطع هذا، وقد شكلت عناصر ثلاث المقطع هذا من خلال رسم بياني له، الاول الذات الشاعرة وهي تبرز من خلال (ظلي، يرغمني)، والثاني المكانية في (المدن)، والزمنية في (الآن، وقبل) .

 

أرى مشهدا يضم آخر تيهي

أرى مشهدا بنصف تجربة يبني غربته

يقول أن الليل لا يفتح أزرار الخطيئة

إذا لوثه الحبر......

و أن دمنا الآسن أقل احمرارا

 

في وجنتي القتيل

 

الاحظ هنا تأكيدا على ان الشعر يتسم بالتشديد على شكل الرسالة / حيث تتمتع الدلائل في حد ذاتها بثقل خاص، وتكتسب سمكا بنقلها من وضع الاحالة الشفافة على المحتوى او الذات الى وضع التميز الذاتي، من خلال استحضار مشهدي خارجي يمثل في تكوينه الداخل نفسه، مما يخلق للمماثلة هنا انبعاثا تواتريا اخرا، الشاعرة في رؤيتها الاستحضراية هذه تمثل الجانب الجانب المغترب فيها، وعندما تخرج من قوقعتها الذاتية تصطدم بواقع ليس الا امتداد فطري لغربتها الداخلية، مما خلق تيها ضمنيا واخرا ظاهريا، اوجب استحضار الاحمر كدلالة على ماهية النهاية الحتمية لمثل هذا التضاد بين المفهوم الحياتي والواقعي معاً.

 

أخرج من تقاليد الوهم...

وأردد دائما.......

أنني على حافة روحي أضيء الغسق هناك

أردد أيضا أن هذا الوقت الأعرج يمهلني

أحيانا أن أبتكر وطنا أكثر بهجة من الشهوة

أردد أن الشعراء يستأنسون بلغة سيدة

في العقد العاشر من الحزن

و لازلت أبحث عن فوائد الليل على العشاق و العائدين

من خسارات الوهم

أحاور نفسي ولا أراني

 

الشعرية الطاغية هنا تظهر مدى تأثر الشاعرة بالغربة الحاصلة فيها، من خلال موشور اللغة، ومن حيث البناء الشعري بحيث تستقطب عناصر بنائية على كل مستويات اللغة ابتداءً من شبكة الملامح المميزة الى ترصيف النص في مجموعة وتشغل العلاقة بين الدال والمدلول، كتعبير حقيقي على مفهوم ان القصيدة مجموع مركب بين اللغة والذات الشاعرة لايمكن تجزئتهما، وهذا ما يجعلنا نعيش هذه الحالة الغربوية بشكل تصاعدي، من خلال التوظيف اليومي الذاتي ضمن التشكيلات البنائية للقصيدة الحية هذه، والتي معالمها الدلالية توضح استمرارية الحالة ضمن الهيكل الواقعي الخاص والعام، فجاءت الختمة الشعرية باعثة على هذه الاستفهامية العميقة المستفزة لذهن المتلقي، الذي يجد نفسه في نهاية القصيدة امام مفترق الطرق، حيث يسترجع ذاكرته قبل الدخول وبعد الدخول، لكنه يفقد تفاصيلها الآنية ويفقد الكيفية التي خرج بها من القصيدة هذا ان كان قد استطاع الخروج اصلا.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1421 الثلاثاء 08/06/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم