قضايا وآراء

رؤية في نص (حافية بين لون ووتر ... !) للشاعرة هيام مصطفى قبلان

خاصة عند من يتذوق الكلمة ويعي دائما بأن بين الكلمة والذات الشاعرة علاقة جدلية مستمرة لاتتوقف عند حدود الظاهر، حافية / عارية، ويمكن ان تكون اعمق منها، بين المكانية المفروضة لاقامة الجدلية،لون غور في البصرية، ووتر اطلالة على السمعية .

تعرّش على جنح ليلي

احدودب الوقت ...

احتال على رمشي

ظلّ ينزف شقائق نعمان

يتورّد الماء اشتعالا

تتساقط الأصابع على الأصابع

... في اللاشيء ...

الفعل والفاعل في قعر البدء، وماذا بعد، الاتيان بالتمكين، والاعتراف به في مغبة البدء، والاغتراف من الزمنية، زمنية توالت بحيث لم تترك مجالا للظن او التخييل، انما تواترت كتأكيد فعل اساس في عملية البدء، ومن اجل توظيف التأكيد استعانت الذات هنا دلالات وصفية وتشبيهية لتكمل الرؤية، ودهي استعارات وتشبيهات تحيلنا الى مديات التحمل رغم تهافت اللاشيء نفسه على الشيء كله، وهي عبارة ان اتسمت بالرؤية الوجودية الماحصة، الا انها تفيض جوانيا بالكثير من الصوفية الباحثة دائما عن التوحد والثنائية الواحدة في الاصل وهي التي تبعث العتب ان حارت .

تشاكسني قدماي ... يشرئبّ الهمس

ويتلوى رمح المساء على نحر الحرف

لامس قشور الوجع ..يا عاشق

حزن السيّدة ....!

استمرارية للثنائية القائمة في البدء، لكنها تلبس هنا ثوبا اكثر جرأة في المباشرة، حيث التوجيه اصبح ضرورة من اكل فتح الباب امام الاهم في الرؤية والتي لايمكن ان يتأخر، فالباب اصبح مفتوحا، والتصريح قائم، ب(ياء) النداء التي كانت المفتاح، و(السيدة) الباب .

حافية ترفرف ايقاعاتي على لون الوتر

يشهق الفراغ ... نتباكى ... يتراقص عطر الأرجوان

سمّني بكلّ الأسماء التي عرفت

لي مقعد في مشتهى ليلك

 احدى دلالات الروعة تكمن في هذا اللعب المجني على التضادات، التي تكشف بدورها عن حالة التوتر والانفعال الحاصلة داخل الذات الشاعرة، والتي دائما ما تحاول البحث عن مناطق الجمال للتخفيف، وكأن هيام الشاعرة، تنقل لنا مشاهد اوبرا فوق خشبة مسرح تسلط الاضواء كلها على بقعة واحدة، وهي نتاجات الكلمة هنا (حافية / يشهق / نتباكى / يتراقص /مشتهى ...)،ولاعجب ان تؤدي هيام مهمتها بجدارة، وهي التي تملك مقومات الغوص في الجواني لا منها فحسب، بل تتعدى الجوانية الذاتية الى الابعد، لنراها تبيح لنا هنا صور عارمة، واخرى مهمشة تنتظر دورها، فخوارق اللاشعور هي الاخرى تنتظر دورها في التحرك، لتسد معا معاني الفراغ القائمة جراء ايحاءات تتسم بالتعددية من حيث المنشأ والدلالة نفسها، فالعطر، والليل صورتان لحسية قائمة، وللذات الحاضرة مقعد امامي، بل مقعد ضمن مقعد .

لك أن تحتويني، لأعود غزالة تهادت

على مرج،، على ساحل،، على غيمة

لم تشبه قمرا توضّأ على جديلة الرّيح

لم تصعد على فنن حلمك الى السّماء

هناك حيث يخلعون أحذيتهم ....

يستعطفون الرّب، ويتكوّر الكرز ..خجلا

تحت حفيف أنفاسهم،، يتناثر الضوء تبرا

تعود اللغة الى المباشرة، ما يعني بأن الغوص اصبح ممكنا اكثر، لذا فاننا امام ما بعد الدخول،وهنا يرتكز التصوير بشقيه البلاغي والشعري على الداخل/ الجواني، ضمن استعارات برانية / خارجية، لكون الحس دائما يحتاج الى ما قد لامسه صوريا او ملامسة حقيقية لاستعاب الحدث او التشبيه او التصوير المشهدي الدرامي، فعملية الاحتواء المطروحة والتي تدل على الاختيارية ايضا، تحلينا الى واقع اخر، حيث يغلب عليه الرؤى الصوفية، العميقة التي تعتمد على التكثيف اللغوي لاستعاب مضامينها، خاصة ان الكاميرا انتقلت بحركية مفاجأة الى التقاطات تضمن للروحية الجدلية مسارا ضمن التخييل الحاصل بين السماء وعملية التكوير، وبينه هو والاختيار الضمني الذي سيؤدي بالتالي الى انقاطع حسي الى روحي تام .

   

امتشقني وارسمني على تلال كنعان

أيقونة تنساب منّي، من نشيج احتمائك بي

أنهمر على أحداق صداك، وأناك

يتلولب عرش (فينيس) فوق ركام الوقت

تنجلي الرؤية،، كنّا يوما هناك من عصير الروح

اختمرت لذّة الشّهب،، أتقفّز بين رحيقك

... بزنبق من احتراق تعفّر بالسراب .. !

 الثانية عادت في الفعل البدء، وتواترت، لكنها هنا اتخذت المكانية كمسار لعليمة الختمة، التي تفرضها قوانين البدء، وجاءت المكانية بارزة تحمل دلالات عميقة لها جذور تاريخية، مما يعني امتداد الروح هذه في جذور الارض، وهي الصفة التي ستجبر الاخر على ان يكون تحت ظل المتأصلة، وهذا ما سنجده عرضيا يعلن من الشاعرة، لكن الرؤية تجبرنا على التأمل لان الصورة على وشك الاكتمال (احتمائك بي)، هي الدلالة الانسب لتصوير الحالة، والتي هي امتداد طبيعي (لي مقعد في مشتهى ليلك)، فبين الصورتين تكتمل المسافة الحاصلة في التجويف الزمكاني، وتصبح القصيدة ناضحة، لانها صورت الظل والمقعد ضمن دائرة واحدة تكاملية، فاضاف العرش والرؤى السمائية السابقة لمحات تبرز قوة المحاكاة الحاصلة بين الجواني والبراني لدى الذات الشاعرة، بالرغم من أن الدلالات التي ختمت بها القصيدة مربكة من حيث سياق النص .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1431 الجمعة 18/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم