قضايا وآراء

قراءة في نص "عينانا".. نزفك الأخير ..!! للشاعرة هيام مصطفى قبلان

بالابحار في بحر الظلمات على سفن قراصنة العصور الوسطى، الا ان نزفك الاخير، يجعل من بصيص امل بالوصول الى البر الثاني موجودا، فقوة التلاحم تبرز من خلالها، وهذه القوة تتسم برمزيتها الصوفية جوهر القصيد .

 

عرشي ... وتاجي ملك بهاك

سريري نبتة على شرفة " أريدو"،

... قلاع في محراب دمك ...

" أنكي" يا ربّ حكمتي

فحيح ثعبان المساء،، لعاب على

مفصل القلب

أتلفّع بهواك .. أنّات نبتت في رحم عرسي

 الاستعارة هنا تشهد التحاما ممشوقا بين الذات الشاعرة، والاسطورة،والذات الاخر، فالياء في (عرشي، تاجي،سريري، حكمتي،عرسي) تفضي بدلالاتها الى الذات الشاعرة، التي استعانة بالاسطورة المتمثلة بالميثولوجيا السومرية القديمة، الخصبة بدلالاتها ومعانيها، وموروثاتها، سواء على المستوى الفكري والديني، ام العاطفي الوجداني،وهنا لم تقف عند الذات الشاعرة في هذا الالتحام بالاشارة فقط، انما احييت الاصل في الميثولوجيا حيث الثعبان، هنا يرسم مسار المساء بشقين الاول منه الاشارة الى كونها انهت مسيرة كلكامش الخلودية، والثاني انها ترتبط هنا بالمساء الدال على مباعث الخصوبة حيث الليل لكم سكنا، وما يجعلني اهذب الى هذا المنحنى هو الختمة (عرسي) وهنا يتم التلاحم الثلاثي الذات الشاعرة، والميثولوجيا الرامزة، والذات الاخر .

 

ها أنت .." جلجاميش" يا زغب حلمي

أستقيل من سرّي،، من سلطاني

من سهدي ... بنصرك .... !

أعلّق على صدغ اللوعة زنبقة فجرك

عباءات ظلّي تحمّلني الغياب

طير بنى عشّه في نسغي

اعتقني من سمّ غابات الشوق

اصنع لي من وعدك ......

... سريرا خشبيا،، وعرشا،،

 

تستكين اللغة هنا لكنها لاتغير من مسارها الالتحامي، فهي تسخر هذا المسار لايصال المكنون الداخلي الى الاخر بشكل يستحيل عليه الرفض،اذا ما وعى الامر من الاصل،اللغة في هذا المقطع تنسج من الحلم مسارا لسرير خشبي وعرش، اما لماذا الخشبي، فالامر له دلالاته لان الخشب ليس كالحديد في امتصاصه لتغيرات المحيط، ثم الخشب يمكن له الاحتفاظ بالماء المنبثق للخصب، و(الياء) التي تبقى هنا تعبر عن الذات الشاعرة، نفسها التي تستعين بالرمزية الدالة من اجل اثبات الاخر في النص بشكل يتناسب وقيمة الاخر في الذات الشاعرة، وما يشدني في هذا المقطع كثيرا هو الاشتغال على التأثيث التأصيل التمكين، فالطير والعش، والنسغ، والعتق، كلها دلالات تشير الى هذا التمكين في الذات، والاستيطان، لكسر قوافل الشوق، ولاتمام الالتحام .

 

" جلجاميش" يا سحر أنايّ

فرّ الطير،،وتلوّى ثعبان خصمي

هربت جنيّة عشقك،،،

هبني .. هدية مجدي ..أعطّر جفنك

أمسّد شعرك،، ألفّ بزمرد ملكوتي

وشاح خصرك ... و هيّء ملمس نصلك

" عينانا"،،، الآتية أنا،، من نزفك الأخير

من عناقيد كرمك

ايقاع لرقصة فجرك الباكي

نبض ... تكوّر ... فوق

... سريري ... !!!!

التوتر الوجداني، والجدلي، والانفعالي، هنا يبلغة في اوجه، وكأن شاعرتنا الرقيقة ايقنت ماهية التوظيف الرمزي لأسطورة ك(كلكامش) فاستحضار الاسطورة بتفاصيلها، ومن ثم معرفة مصير انكيدو، ومن ثم مصير العشبة، ودور الثعبان، وما آل اليه كاكامش نفسه، كلها استحضارات لها دورها الفعال في توجيه الذات الشاعرة، وتحريكها وفق حركة اشبه ما تكون بدائرية، وكأن الكاميرا تتجول لتصل الى البداية التي هي في الاصل نهاية، فتتحول النبرة هنا الى مناجاة، مناداة شفيفة، حاملة لوجيعة الحتمية، لذا نجدها تركن الى الحزن في نبرتها لاحظوا معي هذه النبرة هنا (هبني ...امسد..وهيء..)، هذه النبرة تختلف تماما عن البداية التي وجدتها تمتلئ ارادة وعزيمة، ولكن كأن الحتمية في النهاية تفرض كينونتها وسطوتها، فتأتي النبرة واعية بذلك وتحاول ان تلم ما تبقى لها وتحافظ عليه، من اجل الاستمرارية، حتى وان كانت تعيش حالة ادمان على البكاء، فالسرير هنا يكفي لاضفاء الروح على معاني البقاء، وهو الاصل في الالتحام الثلاثي في النص.

 

 

 

 

في المثقف اليوم