قضايا وآراء

في الليلِ الذي هو ليلٌ.. سلامٌ عليك !

وتهيئ له المكان بغبطة في غرفتك بمنزل العائلة: فتطفئ الضوء العالي المتسلط، مضيئاً النور الجانبي الواهن الناعس.. ثم تسدلُ الستار فيأتي كشيخ حكيم أنضجته الأيام، ويبسطُ ظلاله الغامرة كجدٍ حنون.

تعدُّ ما ستقرأه, وتسترخي في سريرك حيث تحب قراءة الكتب, بعكس الصحف التي تقرؤها عادة في المكتب، فيما ترصد عيناك شاشة الإنترنت، أو على الطاولة في الصالون، فيما تتابع في التلفزيون نشرات الأخبار أو البرامج الحوارية والوثائقية.

* * *

وتقلق إذ يتأخر الليل –أحياناً- عن موعده، لأسباب تتعلق بدورة الفصول.. أو تتأخر أنت عن لقائه حينما يمتد العمل والارتباطات.

لكنكما تتلاقيان في النهاية ويسامح أحدكما الآخر كما يليق بصديقين طاعنين في المودة!

فأي أُنس وسكينة يكتنفانك حينما تحل هدأته؟

وأي ألقٍ وهَّاج يضيء نفسك في عتمته؟

وتعجَبُ –مُغضِباً- من أولئك الذين أساءوا له: كالثنويين الفرس الذين جعلوه معادلاً للشر، وكالكتّاب والشعراء الذين برموا به، وسألوه الرحيل والجلاء منذ: "إمريء القيس" وحتى "أبي القاسم الشابي"! سوى صديقكما "المتنبي" (أبو مُحَسَّد) الذي رأى فيه وله ما يوجب الشكر:

وكم لظلامِ الليلِ عندكَ من يدٍ

تُخبِّرُ أن "المانويةَ" تكذبُ!

وقاكَ ردى الأعداءِ تسري إليهمو

وزاركَ فيهِ ذو الدلالِ المحجَّبُ

ورغم أنك لا تسري إلى أعداء، ولا يزورك ذو دلالٍ، إلا أنك تعرف لليلِ "أيادٍ" أخرى.. وليس من شيمتك أن تنكر فضلاً لأحد عليك.

- فكيف بمن يمنحك "الصفاء" الذي يحتاجه ذهنك وبمن يهيء لك "الخلوة" بعد نهار صاخب حافل؟

- هل كنت تستطيع أن تقرأ –أعني القراءة المُعمَّقة- أو أن تتأمل على مهلِ، وتحلِّلَ وتركِّبَ وتكتبَ، بدونهما؟

- أظنك تعرف الجواب.. تعرفه من مكابدات "النهار" وواجباته، فيما "الليل" لك، ولك وحدك، تتجلَّى فيه ذاتك الجوَّانيةُ بصدق وبلا مراسم يُضطرك اليها "النهار" و "الآخرون".

- واسمح لي بسؤال أعرف أنك لن تجيب عليه: ألهذا السبب لا تتزوج؟

- أوَلم يحن الوقت؟ أم أنك تخشى أن يشاركك خلوتك الليلية أحد؟؟

لعلك ستقول: "حتى يأذن الله" أو "حتى تسنح الفرصة المناسبة" كما هو دأبك؟

- ألا تبالغ في هذا الأمر؟

يبدو أنني أثقلتُ عليك.. سأدعك إذن مع أليفك، لتنهي كتابة مقالتك، فقد أوشك الفجرُ أن ينفجر..

* * *

سـلامٌ عليــك..

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1442 الثلاثاء 29/06/2010)

 

في المثقف اليوم