قضايا وآراء

وِلادَةُ الإمَامِ الحُسَيّنِ(ع)... نَهضَةٌ مُتَجَدِدَةٌ / محمّد جواد سنبه

كما أنّها تشمل أيضاً جميع الرساليين، الذين انتهجوا خطّ الإصلاح وفق منهجية المعصوم ومرجعيّته. وعندما نحتفل بالمولد الأغر للإمام الحسين(ع)، فإننا نستحضر في أذهاننا وفي ذواتنا، ثوّرة الكيان الصالح، بوجه جميع الكيانات المختلّة، عقائدياً وساوكياً ومنهجياً. هذه الحرارة التي تتّقد في أعماق الرساليين الأحرار، الذين وعت عقولهم بإدراك تام، أنّ الحسيّن أكثر من مجرد وليد، استبشر بمولده محمد وعلي وفاطمة عليهم افضل الصلاة والسلام. فولادة الإمام الحسيّن(ع)، ولادة قضيّة متّصلة بصميم واقع المسلمين، إنّنا نتلمّس هذا المعنى من نبوءة الرسول(ص) بمصير الحسيّن(ع). هذه النبوءة ليست تراجيديا مؤلمة مفتعلة، القصد منها إثارة شجون المناصرين لاستدرار عطفهم، بلّ أنّها الفهم الواقعي لأحداث التاريخ، وتحذير الأمّة من مغبّة الانزلاق في مهاوي الفتنة.

كم طوى التاريخ الإنساني سيَر ومواقف أبناء أنبياء، ورسالات سابقة، لأنّ تجربتهم كانت تعيش محدوديّة الزمان والمكان، وبعد انتهاء مهمتهم، اختفى أثرهم إلى الأبد، وحتى لم يصلنا من تجاربهم تلك، شيء يذكر. بينما نستشعر بذكر الحسيّن(ع)، أزيز الثوّرة وعنفوان الإصلاح، وشباب التحدي في كلّ حين. يحسّ الثوّار بحرارة النهضة الحسيّنيّة في مولد الإمام، وفي سيرة حياته وفي ثوّرته، وأحسب أنْ لا يجانبني المنطق إذا ما قلت، أنّ الأحرار يحسّون بألق الثوّرة، كلما طرق أسماعهم أسم حسيّن. الحسين(ع) عاش تجربة ثرّة وهو ينهل الدروس من أمّه الزهراء(ع)، التي علمته إعطاء قوته للمحتاجين، وحتى بعدم الاحتفاظ بشيء منه، ليسدّ أقلّ الرمق، أو ليطفيء بعض ظائرة الجوع، ليس ذلك فحسب، وإنّما إعطاء القوت مشفوع بشرط صارم أيضاً، هو:(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً). وعلى مدى سبع سنوات ونيّف من الزمن، تعلّم من بيّن ما تعلّم من جدّه المصطفى(ص)، الأخلاق الرسالية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، إنّها مسؤولية الرحمة بالآخر وقبوله وان اختلف قبلياً وقومياً ودينياً وعرقياً.

وتعلّم من بيّن ما تعلّم من أبيه المرتضى(ع) على مدار ست وثلاثين سنة، خشية الله، والعدل بين الناس، والصبر على الحق وان قلّ سالكيه. كما عاش في تلك السنين المؤلمة، مؤامرة حبّ السلطة والثروة، والتنازل عن الدّين لصالح الدّنيا. وعاش محنة خلافة أخيه الحسن(ع)، زهاء عشر سنوات، والحسن(ع) وبقية المؤمنين من شيعة علي يعانون من القهر وقطع الأرزاق، فضلاً عن شتم باب مدينة العلم(ع)، على منابر المسلمين. اجل منابر المسلمين وليس غيرهم، متناسين أنّهم أصبحوا مسلمين، بفضل جدّه وأبيه(ع).

إنّ جميع الرسالات السماويّة، وضعت مشروع المحافظة على كيانها، وتأمين سرّ ديمومتها من خلال التضحية بأعزّ أبنائها، فطريق الحقّ بحاجة إلى المضحّين، ليبقى طريقاً متميزاً واضحاً، وتلك هي سنّة الشهادة في الأوّلين والآخرين، وهذه السنّة لاينفك التاريخ عن مبارحتها على الإطلاق. فأينما توجد قضية حقّ، نجد بجنبها دماء واشلاء حرّاسها، ومثلما هم وقود الثوّرة فهم أيضاً حرّاس معالمها وسدنة مبادئها.             

لقد عاش الحسيّن(ع) حالة انهيار الأمّة، ورأى قابليتها على التنكّر لقيم القرآن. أمّة انحرفت عن المسار الرسالي، الذي خُطط لأنْ تسير عليه لتكون:(خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). أمّة ارتضت لنفسها أنْ تستمرئ الباطل، وتترزق على الوشاية وتستغلّ الضعيف. أمّة تترهل من كثرة أكل السحت. وياليت أنّ هذه الأمّة تفيء إلى رشدها، وتنهض لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، لكنّها مع الأسف، سابرة في غيّها تغوص كلّ يوم، في مستنقع الضياع والهزيمة، حتى أنّها أصبحت تسمي المستعمر مخلّصاً، والمحتلّ محرراً، وجيوش الغزاة قوّات صديقة، والمفسد رمزاً، ومن يسرق قوتها قائداً. من أجل كلّ ذلك ينتظر الرساليّون الأحرار، بولهٍ شغوف إحياء أيّ من ذكرى ولادتك أو استشهادك يا أبا الأحرار، حتى يستعينوا على أمرهم، بشيء من الصبر يتعلموه منك سيدي.

 

  محمّد جواد سنبه

[email protected]

كاتب وباحث عراقي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1458 الخميس 15/07/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم