قضايا وآراء

قضية تحريم فن الرسم والنحت في الأسلام / حكمت مهدي جبار

والمثقفين وأساتذة الجامعات من جهة وبين ورجال الدين وأهل الفقه من مختلف المذاهب من جهة اخرى..حتى صار الموضوع يؤرقنا سيما ونحن قد حصلنا على شهادة البكالوريوس كدرجة علمية جامعية لنا حق التمتع بكل ما تخوله لنا هذه الشهادة من حقوق وأمتيازات ..انقسم حملة هذه الشهادة الى ملل ونحل. فمنهم من ظل يعيش التردد نتيجة قلقه الروحي لاسيما الذين لديهم واعز ديني كبير . ومنهم من سار على خط محايد ومنهم من تجاوز كل ذلك وشق طريقه في فن الرسم والتصوير ليحصل من وراء ذلك على لقمة عيشه. أن هذه القضية قديمة وقد قامت على اشكاليات ثقافية اجتماعية فقهية .ولسنا في هذا المقال المختصران نتعرض لحديث طويل عن موقف الأسلام من فن الرسم (التصوير) لأنه موضوع واسع وكبير يحتاج لمناقشات مسهبة . ويكفي (1) (ان نشير الى ان القرآن الكريم  لم يأت فيه ما يحرم تصوير الكائنات الحية او عمل تماثيلها وان كان القول بتحريم التصوير في الاسلام وثيق الصلة ببعض الآيات القرآنية التي تنسب التصوير الى الله تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ......آية 11الأعراف) والله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم......11المؤمن) (وهو الله الخالق الباريء المصور له الاسماء الحسنى ........24الحشر) (وهو الذي يصوركم في الارحام ....6آل عمران).فأن هذه الايات الكريمة التي تذكر ان الله تعالى هو الخالق والمصور لايمكن انكار صلتها بفكرة النفور من مضاهاة الله وتلك هي الفكرة الواضحة في الاحاديث النبوية التي رواها اعلام المحدثين والتي تنص على تحريم التصوير ولكن كثيرا من الجدل العلمي والفقهي قد ثار حول هذا التحريم منذ فجر الاسلام حتى وقتنا هذا فقد اختلف الفقهاء ومنذ البداية في تفسير تلك الاحاديث وتحديد المقصود بالتحريم بل ذهب ابو علي الفارسي من فقهاء القرن الرابع الهجري الى ان تحريم التصوير مقيد فلا ينصرف الا من (صور الله تصوير الاجسام) فمن صنع غير ذلك (لم يستحق الغضب من الله والوعيد من المسلمين) والرأي السائد في ان كراهية التصوير في الاسلام يرجع الى عصر النبي محمد صلى (ص) وأن اساسها الحرص على الابتعاد عن اتلوثنية وعبادة الاصنام فضلا عن النفور من مضاهاة خلق الله وعن كراهية الترف والامور الكمالية في ذلك العصر الذي ساد فيه الزهد والتقشف والجهاد في سبيل الله وقد ادى اختلاف الفقهاء في تحديد المقصود بالتحريم الى ان قال بعض اعلام المفكرين في العصر الحديث كالشيخ محمد عبده بأن التحريم التصوير لم يكن مطلقا وان الصور والتماثيل مباحة متى أمن جانب العبادة والتعظيم الذي اختص بهما الله وهذا أمر طبيعي بين المسلمين الآن وبعد أن توطدت اركان الاسلام ورسخت دعائمه ولم يعد ثمة خطر من الوثنية التي كان النبي (ص) يخشى على ضعاف النفوس من العودة اليها.وهنا نتسائل مرة اخرى .هل حرم الاسلام فن الرسم (التصوير) ؟ لقد مرذكر بعض ما يتعلق بهذا الموضوع فبعد ظهور الاسلام استبعد الرسم والنحت ليصرف الناس عن عبادة الصور والاصنام (2)..فالنبي عند فتح مكة التي كانت مرتع الخيال الوثني أمر بتحطكيم التماثيل التي كان تعدادها 360ص2نما وازالة الؤرسوم منها بأستثناء لوحة واحدة لمريم العذراء فقد سترت بحجاب ثم ازيلت فيما بع وقد ورد في القرآن (يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) وقد نقل الرواة احاديث عن النبي تقول ان اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) (ان الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم احيوا ما خلقتم) (ان اشد الناس عذابا عندج الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ) (لاتدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير). يرى بعض المفسرين ان تلك النصوص الدينية لم يكن منعها للرسم والنحت عامة بل كان المقصود منها منع نحت الاشكال الانسانية وتصويرها فقط واجازت غيرها من الاشكال الحيوانية والنباتية فقد ورد في كتاب (جواهر البخاري) ان احد النحاتين استمر على النحت وبيعه للناس بعد انتشار الاسلام فذهب اليه الصحابي عبد الله بن عباس وامره بترك النحت  فأجابه النحات (انني انسان انما معيشتي من صنعة يدي) فعندها طلب ابن عباس منه ان يتجنب الاشكال الآدمية وله ما يريد من الاشكال الاخرى  ويقول (ابو علي مسكويه) مبررا عمل الصور والتماثيل لكونها اقرب للحواس في فهم الموهومات وادراك البمعقولات وتجسيد المحسوسات (ان الامثال انما تضرب فيما لا تدركه الحواس مما تدركه فأذا اخبر الانسان بما لم يدركه او حدث بما لم يشاهده وكان غريبا عنده طلب له مثالا من الحس فأذا عطى ذلك انس به وسكن اليه لألفه له).ان الفريق الذي لم يحرم الفن قد اعتمد على عدم ورود نص صريح في القرآن بتحريمه بل ذهب الى ابعد من ذلك فأجاز ممارسة الاعمال الفنية استنادا الى آيات في القرآن وأحاديث في السنة النبوية تشير الى عدم تحريمه ففي سرورة سبأ الآية 13 تذكر التماثيل والهياكل التي صنعت للنبي سليمان تقول الآية (ويعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) يركز هذا الفريق على عبارة (اعملوا آل داود شكرا) بمعنى ان الله تعالى قد اثنى على تلك الاعمال الفنية وشجع الفنانين في ذلك الزمان على العمل .وبعض المعاصرين من المفكرين يقولون ان اعداء الاسلام وحضارته لم يروق لهم ان تنهض الامة الاسلامية بفنونها وتراثها الثقافي الكبير فعملوا على تعزيز كل ما يقلل من شأن تلك الفنون العظيمة من خلال التشكيك بتلك الابداعات وأستغلال النصوص الدينية والاحاديث في تفسيرات الدين من الفن والصورة بأعتبارهما هوية الأمة في ترسيخ وجودها الحضاري والمعرفي والابداعي في كل المجالات ..لازال النزاع الفكري قائما حول الموضوع في أن يكون فن الرسم والنحت شاهد حضاري لنهوض الامة أم هو عمل محرم يتجاوز الشريعة ؟!

 

حكمت مهدي جبار ..اكاديمي تشكيلي

 

......................

1 – الزخرفة في الفنون الاسلامية - خالد حسين - معهد الفنون والصناعات الشعبية  - بغداد 1983 

2 -  آفاق الفن التشكيلي – عباس الصراف -

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1471 الاربعاء 28/07/2010)

 

في المثقف اليوم