قضايا وآراء

قضية تحريم فن الرسم في الاسلام (2) / حكمت مهدي جبار

وكذلك الدعوات التشجيعية وما كنوا يغدقونه من هدايا ومكافآة لفناني البناء نظرا لحب اولئك الحكام في تشييد المباني وتزيينها ارضاء لعواطفهم الدينية او الرغبة في تخليد اسمائهم. (1) وبعد انتشار الأستشراق في اوربا وقيام الكثير من المسشرقين بدراسة الآثار والفنون الجميلة الأسلامية انبرى مؤرخو هذه الفنون الى تقسيمها مطبقين عليها القواعد العلمية الاوربية في ترتيب الاثار فجعلوا اقساما خاصة بالعمارة واخرى للرسم البارز (الريليف) وثالثة للتصوير واخرى للنقش والزخرفة . وقد اكتشف هؤلاء المؤرخون من خلال التمعن في فن العمارة الاسلامية وزخارفها وصورها و الكتابة على الاواني والرسم على الاقمشة وكذلك النقوش على اغلفة الكتب . ان الفنان المسلم ابتعد عن رسم جسم الانسان فترة طويلة من الزمن مكتفيا برسم النباتات والحيوانات والطيور . الا ان تطور وعي المسلم بأتجاه اكتشاف الاشياء اضافة الى(2) ازدهار الاسلام لاسيما في بغداد كعبة العلم والثقافة والمعرفة بدأ الفنان المسلم يتحرر من تلك الفنون المقولبة بقالب ثابت واحد جامد. وكانت البداية ولأول مرة هي عندما قام احد الفنانين وهو فارسي برسم اشكال آدمية على جدران احد قصور الخليفة العباسي مستوحاة من قصة يوسف وما جرى له مع زليخة حسب ما جاء في السورة الكريمة .اضافة الى قيام الرسام برسم صور توضيحية على اغلفة وأوراق الكتب.وهكذا امتد فن رسم الاشكال الآدمية في جميع الكتب الاسلامية الفقهية والقصصية والتأريخية وغيرها لتكون بمثابة وسائل ايضاح لما تحتويه الكتب.مثل قصص الف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والاغاني ومقامات الحريري التي رسمها اول فنان عراقي مسلم ابدع في هذا المجال كأول فنان تشكيلي وهو( يحيي بن محمود الواسطي) . والحقيقة ورغم بعض التحفظات حول هذا الموضوع فأن الفنان المسلم هو اشد ابداعا وتوهجا في الرؤى والافكار من الفنان الغربي , ذلك لأنه أي (الفنان المسلم) هو سليل خزين هائل من الافكار والرؤى الفنية التي وقفت وراءها تلك الطاقة الروحانية العظيمة المستلة من عظمة الاسلام ورؤاه في مختلف صور الحياة .الا ان اشكالية سوء الفهم لدى الجانب الفقهي الديني حالت دون تدفق تلك الابداعات حيث اثيرت الكثير من الأسئلة والوقوف على تفسيرات لنصوص ادت الى الحد من تلك الابداعات . وذلك قد ادى الى ان يكون الفنان المسلم فنانا (قلقا) الى حد ما ازاء الوازع الديني وهواجس الحلال والحرام ..وهكذا لجأ اغلب الفنانون العرب المسلمون الى فن التجريد .ابتعادا عن الاشكالات وليس هو هروب من فن الرسم في تمثل الاشياء في رسم الاشكال الآدمية البورتريتات (رسم جسم الانسان) . وهذا هو الذي دعى بعض مؤرخي الفن التشكيلي بالقول :ان مسميات اساليب الفن الحديث كلها جاءت من الغرب ومنها الفن التجريدي , ناسين او متناسين ان الذي اسس الفن التجريدي هم المسلمون الذي تمثل في انواع الزخارف والرقش العربي والخط ورسم الشكال الهندسية وليس(موندريان) ولا( بول كلي) ولا (جاكسون بولوك) مع تقديرنا لهم كفنانين كبار. اذن هنا نتفق ان الاسلام لم يحرم الرسم كونه فنا انسانيا بريئا يؤدي اغراض اجتماعية وذوقية جميلة, انما غير مستحب خشية التقرب من افكار وهواجس قد تجعل الانسان يتقرب الى المحرمات والدنو من الحدود المحرمة في الخلق والتصوير والابداع الألهي الذي ليس من حق الانسان التقرب اليه الا ضمن حدود معينة .فصار لدى الفنان المسلم الملتزم شعور بكراهية تصوير الكائنات الحية فضلا عن عدم وثوق العلاقة بين الدين الاسلامي وفن الرسم وكل الفنون قاطبة , حيث ان الاسلام لم يستخدم الفن(3) في الطقوس الدينية او نشر العقيدة كما استخدمته الاديان الاخرى ولاسيما الديانة القديمة في وادي الرافدين والديانة المصرية القديمة والبوذية واليونانية والصينية . فتماثيل الآلهة وصورها واماكن العبادة وادواتها كانت اهم مظاهر الفن منذ البداية وقد قيل ان الفن تعبير عن فكرة دينية في الانسان او بواسطته . وان (الفن والدين توأمان) منذ البداية وهذا كله لايصدق على الفن الاسلامي . حقا ان المساجد من اهم مظاهر العمارة الاسلامية ولكن شأنها في الاسلام لم يصل الى الشأن العظيم الذي كان للمعابد عند قدماء العراقيين وقدماء المصريين والاغريق والبوذيين والصينيين او الذي كان للكنائس في المسيحية على حد قول الاستاذ كونل kounel) ) – فالمسلم يصلي اينما يشاء وليس للمساجد ما للكنائس من جو خاص فالمساجد لا تضم شيئا من التماثيل الدينية او اللوحات الزيتية الفنية التي تسجل احداث التأريخ الاسلامي . والمحراب في المسجد منحن (كيرف) او حنية مقوسة تبين اتجاه القبلة وليس فيه أي صورة تمثال . والامام في الصلاة لا يرتدي الملابس ذات الألوان المتعددة او الزخارف الفاخرة ولا يمسك هو وأعوانه بالمباخر والادوات الدينية التي يتجلى فيها جمال الفن ودقة الصناعة . وهذا كله ناتج عن طبيعة الاسلام وعن كراهية التصوير وتجنب الترف في المجتمع الاسلامي في فجر الاسلام. صحيح ان اللوحات الاوربية غنية في النضوج والقدرة على التعبير الجمالي الروحي في الحياة والطييعة وعلى تصوير التضحيات البشرية في سبيل الدين والوطن والمثل العليا .فعندما نتجول في قاعات العروض الفنية للوحات الغربية نرى كيف استطاع الفنان ان يبعث في اعماق النفس الشعور بحنان الامومة او بعظم التضحية في سبيل المبدأ او بهول العواصف في البر والبحرالا اننا نجد نفس الروعة وقمة الجمال في الفن الاسلامي اذا مااردنا ان نسمي المنجز الابداعي التشكيلي الاسلامي (اللوحة) حيث سحر الزخرفة اللامتناهي والخيال في بناء الاشكال التجريدية والثراء في الألوان حيث اصاب فيها الفنان المسلم وابدع ايما ابداع . متمكنا من الجانب الحرفي المهاري في اتقان عمله الزخرفي الذي لم يقل شأنا عن انطباعيات(مونيه) وواقعيات (كوربيه) وتزويقات (راممرانت) وتجريدات(بيكاسو) وغيرهم ..ولكثرة استخدام الفنان المسلم للزخرفة والتجريد فتميزوا بها فصارت لهم صفة ظاهرة اشار اليها بعض المفكرون والمحللون والنقاد وهي (ان الفنان المسلم يكره الفراغ) في اللوحة الفنية النابع من اعتقاده بأن الفراغ يسمح للشيطان بالتسلل الى النفوس وذلك ما نراه اثناء اداء صلاة الجماعة عندما يدعوا الامام الى التساوي ورص الصفوف فضلا عن ملء السجاجيد بالزخارف وتغطية المساحات او السطوح وينفر من تركها بدون زينة او زخرفة ..وطبيعي ان كراهية الفراغ عند الفنان المسلم دعتهم الى الاقبال على تكرار الزخارف تكرارا وصفه الغربيين (لانهائي ) وأرادوا ان يلتمسوا له التفسيرات في روح الدين الاسلامي وطبيعة الصحراء التي نشأ فيها العرب.

 

حكمت مهدي جبار......أكاديمي تشكيلي

 

................

للموضوع تتمة ..

1 – الزخرفة في الفنون الاسلامية...خالد حسين – 1983 بغداد

2 - نفس المصدر..

3 – الفن الاسلامي ...جورج مارسيه.. georg marseh ترجمة عفيف بهنسي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1474 الاحد 01/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم