قضايا وآراء

القواعد الفنية في الرسم.. بين حرية التعبير وضرورات التنظيم الجمالي / حكمت مهدي جبار

معينة من اقلام وفرش وأصباغ ومواد اخرى لتنفيذ ذلك العمل على قماشة أو ورق او صفائح خشب أوزجاج او حتى سطوح الجدران.فهو فن تشكيل لمواد معينة على سطح مستو ببعدين طول (length) وعرض (width) يؤدي غرضا فنيا ومتعة جمالية فضلا عن الأرتواء الفكري.

أن الرسام شخص يجمع ما بين اللون والشكل والنسيج والخط كعناصر بناء اللوحة ليعبر عن استجابته الذاتية لتجربته الشخصية , وذلك امر جوهري في كل عمل فني وهو القصد الذي ينشده الرسام من حيث التركيز فيه وقراره في التعامل مع العناصر الفنية التي سيستخدمها , او بمعنى آخر طريقته في الرسم أي اسلوبه. والعناصر الرئيسية لبناء اللوحة التشكيلية  النقطة , الخط , الأتجاه , الشكل , الحجم , القيمة , النسيج , اللون , كلها تشكل مفردات اساسية في انجاز العمل الفني وان جمع تلك العناصر بشكل متقن ومضبوط انما يدل على اعطاء المنجز التشكيلي معناه حتى ان المتلقي اذي يطلع على اللوحة يدرك بطريقة ما ان هناك لوحة محكمة ورصينة قائمة على عناصر اساسية قبل ان يتذوقها لاسيما اذا كان من اصحاب الذوق الرفيع. اذ ان في فن الرسم تكون العلاقة بين الوحدة والمعنى قوية .

ان من بديهيات صناعة اللوحة الفنية اتشكيلية هوان تقوم على اساس (نظام) جمالي ورغم ان فن الرسم لا يتحقق الا بوجود حرية مطلقة للذهن والفكر ولكن اثناء التنفيذ يجب ان تكون هناك بأمور يمكن تسميتها بالشروط الفنية داخل العمل الفني وألا فأن اللوحة ستكون مهلهلة فوضوية مترهلة الى الحد الذي قد يضيع فيها الرسام او لايعرف ماذا يفعل , لذلك يقول الناقد الأنكليزي الكبير(1) نوثان نوبلرnouthan nobler :- لايمكن الفصل بين عناصر اللوحة الفنية كنظام قائم ويصعب فصل هذا النظام عن المضمون الكلي للعمل اذ ان لكل عنصر في اللوحة مكانه فالمعنى التعبيري للشكل الأزرق في لوحة ما انما يتحقق بفضل وضعه بطريقة خاصة لذلك اللون.  أي لايمكن وضع اللون بطريقة اعتباطية حتى مع تلك الأساليب ألأشد تمردا على الشكل التي تدعوا الى تحرر الشكل من شكلانيته, ويعطي اللوحة اقصى  حريتها . وهنا قد يشترك المتلقي مع الرسام في أن ان يتفق معه في وضع اللون او الخط أو الشكل او النقطة في هذا المكان او ذاك من اللوحة ..

ان في الكثير من اللوحات الفنية قد نجد ان جوانبها التعبيرية (مضامينها)محدودة,فما الذي تثيره فينا لوحة لاتتضمن سوى شكل لمزهرية حتى نستجيب لها ؟ وهنا نجد ان المزهرية ليست رمزا ولا تعبر الا كونها مزهرية فقط .ولكن المثير هنا هو طريقة تنفيذ رسم المزهرية . هل اعتمد الرسام على جمع عناصر اللوحة مثل الخط والاتجاه والشكل الى ماغير ذلك من عناصر فنية ؟ أن الرسام قبل ان يبدأ العمل يقوم بأختيارات من بين احتمالات كثصيرة اثناء عمله .وعندما يشرع بالعمل فأن بعض تلك الأختيارات يتوقف على أمكانية التنفيذ أي يضع في ذهنه بأن هل يمكن وضع كل الاختيارات في اللوحة بشكل صحيح ؟ وهل يمكن وضع هذا الشكل دون الشكل الآخر ؟ أو وضع لون في أقصى الزاوية أم في منتصفها؟

ان التنظيم الجمالي الذي يسعى اليه الرسام قابل للتطور والتحديث بوسائل متعددة يكتشفها الرسام نفسه وخاصة مع اذا ما كان الرسام مبدعا موهوبا.أن استخدام القواعد الفنية في تنفيذ وأنجاز اللوحة استخداما مقنعا يثمر عن انجاز اكاديمي مدرسي صرف ولكن احيانا الألتزام بتلك القواعد كأسس تنظيمية جمالية للعمل الفني لن تضمن صنع لوحة فنية متكاملة .

(2)لذلك نرى بعض الرسامين يغالون في الألتزام الصارم بتلك القواعد فيستسلمون لها مطيعين لضوابطها الأكاديمية مما يؤدي ذلك بالفنان ان يبقى رساما بلا حرية . فليس بالضرورة التزام الرسام بقواعد اللوحة الأكاديمية لوحدها ان تضمن انجاز لوحة جيدة مثلما لايضمن من يمتلك اللغة فقط ان يتمكن من كتابة قصة او قصيدة شعرية.فهناك من تمرد على تلك القواعد فأبدع أو من تحدى الشكل  التقليدي فحقق لوحة جميلة مستوفية لشروطها الفنية .

اننا هنا لانقصد ان يتجاوز الرسام قواعد العمل الفني المدرسية والأكاديمية كالمنظور وقواعد الظل والضوء والنسب ووضع الألوان انما نقول ان الوحدة الجمالية للوحة لاتتحقق الا اذا تلائمت اجزاءها في نظام معين من شأنه ان يدهشنا فيجبرنا على ان نقول عنه جميلا سيما لو كان الرسام حاذقا في استخدام العغناصر التنظيمية من حيث الأثارة وتجاوز المألوف بأتجاه خلق الجديد اذ (ان المعنى في الفنون البصرية يستقى من التنظيم الجمالي ) وبما ان الرسم هو واحد من الفنون البصرية واذا ما اردنا فهمه يجب ان نفهم اسسه التنظيمية . وأن محاولة فهم الرسم انما هو سعيا لفهم العالم من حولنا لاسيما اللوحات المثيرة للأنتباه التي ستسفز المشاهد وكأنها تدعوها ان يشاركها مضمونها ومشكلتها التي تعالجها وتتعامل معها. يقول نوثان نوبلر في ذلك ان الحاجة الى الفهم الى استنباط المعنى من العالم حولنا مرادفة للحاجة الى الأثارة فالأنسان في سعيه يتوق الى التحدي .انه بحاجة الى مشكلات يحلها وبحاجة الى الأحساس بالمشاركة في بيئته ومجتمعه.

ومهما امتلك الرسام من قواعد انجاز اللوحة الفنية  سواء التزم بها ليبقى على نفسه رساما اكاديميا مدرسيا او تمرد عليها باحثا عن آفاق جديدة سعيا نحو تحقيق فن ابعد من حدود الواقع بحثا عن الحقيقة فأنه يجب ان يدرك مدى حاجته للمشاهد (المتلقي) المتمثلة بتقديم عمل يقتنع به المشاهد . وعادة ما يبحث المشاهد عن اشياء يفهمها تبدو له منظمة . لكن الرسام الحاذق المبدع يجب ان يعلم ان ذلك المشاهد قد يمل من مشاهدة اشياء متكررة حتى لو كان يفهمها فيذهب الرسام بأتجاه استفزاز المشاهد حتى لو تجرأ وتحرش بأسس التنظيم الجمالي للعمل شريطة عدم الأساءة الى الذوق وأهانة القواعد الفنية . وهنا فأن العمل الفني يجب ان يمتلك تحديا قادرا على اثارة اهتمام المشاهد الذي يقف ينظر الى ذلك العمل بحيث يرى فيه شيئا جديدا مثيرا وممتعا حتى لو اعتبره تجاوزا على قواعد وشروط فن الرسم. لذلك نعود ونقول ان اللوحة رغم خضوعها لقواعد التنظيسم الجمالي والشروط الفنية فأنها قابلة للتطور . وهذه المهمة يقوم بها الفنان بأمتلاكه الانجاز المبدع والقدرة على اثارة اهتمام المشاهد كما مر بنا قبل قليل.ان من الحسن ان يضمن الرسام المبدع شيئا من التعقيد او الغموض في لوحته في اطار التزامه بقواعد التنظيم الجمالي في الرسم أو لنسمها صعوبة .لماذا ؟ لكي يشرك الناظر في عملية التقصي عن معنى يشعر أنه موجود مع الرسام ويشاركه افكاره .وذلك هو الشيء العظيم والغاية الاساسية للرسام وللفن بشكل عام ,عندما تتوحد ولو بالحد الأدنى رؤى الرسام والمشاهد في استكناه عالم الرسم واللوحة لنطلاقا من اهمية الوحدة والتعقيد في ذهن الانسان او كما يطلق عليها وحدة التنوع.

ان الحكم على الاثر الفني (اللوحة) انما يعتمد على مهارة الفنان في استدراج المشاهد وسحبه بأتجاه المساهمة في فهم اللوحة في الجمع بين عناصر عمله في كل موحد على اساس الأثارة والتنوع والكشف عن الجديد سعيا لخلق وعي ورؤية وشعور نحو تعزيز ارادة الحياة وزحزحتها وأثارة حيويتها شريطة ان ينطلق كل ذلك من احترام اسس التنظيم الجمالي وقواعد العمل الفني على ان لاتبقى تلك الشروط كضوابط صارمة جامدة . 

 

 

مصادر 

   1 – حوار الرؤية     دار المأمون  بغداد

    2 – مقالة في مجلة الموقف الثقافي   حزيران  1999 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1483 الثلاثاء 10/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم