قضايا وآراء

الفنون التشكيلية الأسلامية في القرن الثالث عشر الميلادي / حكمت مهدي جبار

في احتلال الأصقاع الأسلامية الواسعة. (1)حيث بدأ هولاكو منذ (616 هجرية - 1219 ميلادية)بغزو العالم الأسلامي . وأستمر بغزو البلدان حتى وصوله الى بغداد في صفر 656 هجرية – شباط 1256فدخل بغداد وفتك بأهلها وأستولى الخراب على المدينة .ومن هنا بدأت مرحلة سماها المؤرخون بالفترة المظلمة، نظرا لما قام به المغول من تدمير للثقافة العربية الأسلامية وحرق حضارة بغداد ومحاولة اطفاء نورها وتشويه فنونها الجميلة .وفي الوقت الذي انهارت فيه الدولة العربية الأسلامية سياسيا، المتمثلة بالعباسيين على يد هولاكو في (القرن الثالث عشر الميلادي) كان الغرب يعيش عصر النهضة في مختلف مجالات العلوم والفنون والآداب . وبرزت ابداعات (بترارك) bitrark في الشعر وبوكاشيوbukashu في الرسم .وتتابعت المنجزات الفنية في مجالات الرسم والنحت على أيدي جيوفاني سيمابوjuvani semabuo وجيوتوjuoto وليون باتستا البرتي l.b.albirte وفيليب برونشللي filib bronshili ولورنزو مدتشي lorinzou midtchi ودوناتللو donatillo  والجيبرتي aljibirti وبرونولسكي bronoliski ومايكل انجيلوmaichil injilo ودافنشي da finchi مرورا بعباقرة الفن الأوربي.الا ان رغم وقوع بغداد تحت وطأ الأحتلال فقد بقيت جذوة الفن مشتعلة وبقيت التماعات حضارتها مشعة من بين ركام الغزو .ففي تلك الفترة كانت الفنون بائنة للعيان . غير انها كانت فنونا ملتزمة بالحدود الأسلامية وضوابطها . فكان الفنان المسلم لايرسم على الطريقة اتي يرسم فيها الفنان الغربي من حيث مستلزمات اللوحة من قماش واصباغ زيتية وادوات نحت وغيرها، انما اعتمد على رسم الصور الصغيرة (ايقونات) لتستخدم كوسائل ايضاحية او تعريفات للكتب حيث ترسم تلك الصور على اغلفتها.فبرز في ذلك المجال التصوير العباسي والأندلسي والفاطمي والمملوكي والصفوي بمثابة تفسير وشرح لمضامين تلك الكتب والمخطوطات . وكانت اغلب تلك الرسومات واقعية توضح متون الكتب ان كان تأريخا او ادبا او علما .ومن تلك المخطوطات المصورة :- مقامات الحريري - خواص العقاقير- البيطرة - الحيل الميكانيكية -  كليلة ودمنة - وعجائب المخلوقات - ومنافع الحيوان - والحيوان - وجامع التواريخ -  والأغاني -  والشعوب المتوحشة -  ونعت الحيوان - ورسائل اخوان الصفا - ودعوة الأطباء - والترياق - والديارات - وقصة بياض ورياض - و(مصحف الصور )- و(مختار الحكم ومحاسن الكلم) - و الكواكب الثابتة - والموسيقى - و المواعظ السريانية -  وقانون الدنيا وعجائبها . وهكذا عرف فن الرسم في هذه الفترة بهذا الأسلوب وبالخصائص التالية:-

       كانت الرسومات عبارة عن منمنمات دقيقة  كما لو انها نسجت نسجا.

       اتسمت تلك الرسومات بالواقعية .

       عبرت عن خلجات النفس والهواجس الداخلية احيانا.

       صورت الرسومات التقاليد والعادات والازياء والحياة الأجتماعية لمرحلة تأريخية معينة .

       نقلت لنا المخترعات والمكتشفات والتخيلات والطموحات والتصورات رغم ما شبها في بعض الاحيان شيء من السذاجة.

لقد كانت تلك الرسومات رغم الفترة المعقدة التي كانت تعيشها البلاد الأسلامية والعربية تحت وطأ الأحتلال المغولي تحمل صفات محددة لكي تؤدي غرضها وتأثيرها على المشاهد آنذاك .ومن المدهش في ذلك ان في تلك الفترة لم تخلوا الساحة الفنية من (النقد الفني) رغم قلة عدد النقاد آنذاك وعدم نضوج الفكر النقدي الفني فيها،ومع ذلك فقد تناول اولئك النقاد تلك الرسومات بالنقد والتحليل . فهذا (محمد بن زكريا الرازي) (2)يتناول تلك الصور بالنقد قيكتب (اعلم ان النظر في الصورة الحسنة المليحة في الكتب اذا جمعت مع حسن صورته وصنعتها الألوان والأصباغ المذكورة والاعتدال في مقادير الصور وحسن الاشكال مما ينبغي وينقي الأخلاط السوداوية ويزيل الهموم الملازمة والكدورة عن الارواح لأن النفس تلطف وتشرف بالنظر فيها من الكدورة) وبرزت في هذا العصر ظاهرة فنية اخرى هي (الرسوم الجدارية) داخل الحمامات في المدن وكان يصور تلك الرسوم مصورون شعبيون. وأن تلك الرسوم والصور الفطرية الساذجة تستحق البحث والدراسة لأنها ظاهرة عامة منتشرة في جميع الحمامات ولأنها ظهرت على الرغم من تحريمها على لسان بعض أئمة المسلمين . وقد تناول بعض الكتاب القدماء ظاهرة رسوم الحمامات . فذكر (شهاب الدين الكوكباني) في كتاب (حقائق التمام في الكلام على ما يتعلق بالحمام ) يقول (ينبغي ان يكون مسلخ الحمام  أي مخلعه الذي تخلع فيه الثياب عن الابدان لطيف الصنعة واسع الفضاء وان تكون فيه (التصاوير) من الصور اللطيفة الانيقة كالاشجار والازهار والاشكال الحسنة والعجائب من الاسلحة ونحوها لأجل تحصيل الراحة للنظر فيها عند الأتكاء..) اما الطبيب الدمشقي (علي بن عبد الله الغزولي) الذي توفي  في 1261أي بعد سقوط بغداد بعشرة سنوات فقد تناول في كتابه (مفرج النفوس) صور الحمامات بمنظار فلسفي ونفسي وجمالي يلائم عصره ناقدا ومعللا :- (وتفكر في كون الحكماء المتقدمين الذين استخرجوا الحمام ما ذكر في مدد من السنين نظروا وعملوا وتيقنوا أن الانسان اذا دخلها تحلل من قواه الشيء الكثير فأتفقوا بحكمتهم وجالوابفكرؤتهم واستخرجوا بعقولهم ما يجبر ذلك سريعا فقرروا ان يرسموا صورا بأصباغ حسنة يوجب النظر اليها زيادة القوى والارواح وقسموا ذلك التصوير ثلاثة اقسام وذلك انهم علموا ان ارواح البدن ثلاثة اصناف : الحيوانية والنفسانية والطبيعية فجعلوا كل قسم من التصاوير سببا لتقوية قوة من القوى المذكورة والزيادة فيها اما الحيوانية فالقتال والحرب والملحمة وأما القوى النفسية فالعشق والتفكير في العاشق والمعشوق واما القوى الطبيعية فالبساتين وصور الاشجار والاثمار والاطيار وما اشبه ذلك ولهذا السبب اذا سألت المصور عن تصوير الحمام يذكر لك هذه الصفات ولا يعلم لها تعليلا وصارت جزءا من اجزاء الحمام الفاضل وما سبب عدم معرفته بذلك الا  بعد السنين وتقادم العهد فما خلق شيء سدى وما جعل شيء هدرا))  وكان اهتمام مؤلفي الكتب بالصور اهتماما بالغا فهم الذين يوجهون ويرشدون المصور فقد ذكر (ابن ابي اصيبعة) في كتابه (عيون الاخبار) :- ان (رشيد الدين الصوري) صاحب كتاب (الادوية) كان يصطحب معه مصورا يحمل الاصباغ على اختلافها وتنوعها ويتوجه معه الى المواضع  التي بها النبات مثل جبل لبنان وغيره من المواضع التي اختص كل منها بشيء من النبات فيشاهد النبات ويحققه ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه واغصانه واصوله ويصور بحسبها ويجتهد في محاكاتها ثم ان سلك في تصوير النبات مسلكا مفيدا .....الى آخر القول).

 

ان عمل ذلك المصور الاسلامي يذكرنا بطريقة التصوير لدى (الفنانين الانطباعيين) في اواخر القرن التاسع عشرفي اوربا، عند تصويرهم لمنظر الطبيعي فانهم لا يمكثون في رسمه اكثر من ساعة واحدة في اليوم ولعدة ايام حتى يكمكل المنظر لأ ن حركة ألارض تجعل االشمس متواصلة في انعكاسهاعلى الاشكال والاحجام بين ساعة وأخرى. ولأ ن اختلاف درجة اهتزاز الأثير بين فترة وأخرى  يؤدي الى فرو ق في درجات اللون .فلذلك لا تتشكل اللوحة عندهم الابعد ايام  عديدة.

لقد تركت مناداة بعض فقهاء الدين (بتحريم الرسم والنحت) اثرها على اختفاء كثير من الفنانتين تحت اسماء مستعارة حيث لم يجرؤوا على ذكر اسمائهم خوفا من عقاب المجتمع لهم كما ان كثيرا من صور المخطوطات قد اصابها التشويه والتلف نتيجة مسحها وحكها من قبل المتزمتين الذين لم يدركوا اهمية الادوار الفنية والتأريخية التي تلعبها تلك الصور. فلذلك وصلت الينا اثار فنية مستهلكة دون ان نعرف اسماء مبدعيها (3) . الا أن اعتقاد الفنانين المسلمين وحرصهم على ضرورة ابراز الفن الأسلامي على الساحة الفنية كجانب حضاري وثقافي ومعرفي جعلهم يتحدون الظروف ويكسرون حدود النظرة الضيقة للفن . فبرز فنانون مسلمون كان لهم شأن عظيم في الفنون التشكيلية في تلك العهود ليثبتوا انهم اصحاب نهضة عربية اسلامية تضاهي فنون النهضة الأوربية ان لم تكن تتفوق عليها.

ويعتبر (يحيي بن محمود الواسطي) أجرأ رسام (مصور) تمكن ان يكتب اسمه بصراحة في مخطوطات مقامات الحريري التي خطها وصور منمنماتها فهو لم يتحرج حتى من تصوير منمنمة مستهجنة (......) رغم الموانع الدينية والاجتماعية؟

وقد وردت اسماء رسامين عاصروا الواسطي يمثلون مدرسة بغداد للتصويردون ان نعرف شيئا عن نتاجهم الفني الا القثليل منهم (محمد بن فتوح الموصلي) و(محمد بن السعيد) و(أبي الفضل بن اسحاق) و (عبد الله بن عبد الله) و(ابن عزيز) و(عبد الجباربن علي النقاش) و(محمد بن ابي طالب البدري) (وشهاب الدين غازي بن عبد الرحمن الدمشقي) و(بدر الدين بن عبد الله) و(حمدان الخراط) و(عبد الحي) و(جنيد البغداداي) و(شمس الدين) و(ابن الدريهم الموصلي) و(الحسين بن عبد ارحمن) وغيرهم كثير..وقداستعانت (سمرقند) بقسم منهم في (رسم لوحات) لاتزال ماثلة هناك الى الآن ولكنها خلو من التوقيعات، وانما (اسلوبها الفني) يدل على انها لوحات تحمل طابع (مدرسة بغداد للتصوير) ويذكر (اوغو مونوزيه دي فلار) (oghou  mounozeah di flar ) في بحوثه عن الصور اتي تزين قصر (بالرمو) balirmou))  في جزيرة صقلية ابان الحكم الاسلامي بأن هذا الاسلوب الذي نقل من العراق بصفة مطلقة انما يعود في جزء منه الى فنانين مهاجرين جاءوا من بلاد ما بين النهرين).

اذن لم يقتصر عصر النهضة الفنية على الغرب، بل كان عصر نهضة فني كبير في الشرق ومنها الشرق العربي المسلم رغم ما اطلق البعض ان العرب المسلمون يعيشون عصر الفترة المظلمة في تلك القرون.. 

 

 .................

1 – تأريخ العراق ...العراق بين الأحتلالين امغولي والصفوي..مجموعة كتاب عراقيين.

2 – التصوير الاسلامي ومدارسه – جمال محمد محرز

3 – آفاق النقد التشكيلي ....عباس الصراف...1979   

    

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1486 الجمعة 13/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم