قضايا وآراء

يوميات من عتق (3)

الذين غالبا ما يكونون من القرى المجاورة. والجميع يعتبر العرس مهرجانا إحتفالياً عاما لكل افراد القرية . وابناء عتق  معروفون بطيبتهم وتواضعهم، يعيشون حياتهم البسيطة ، ولاشك ان هذا التواضع يجعل كل شيء من حولهم متواضعاً حتى في الأفراح..

 

 في بداية عمله في عتق عام 1979،  دُعي ابو ظفر الى عرس شقيق موظف يعمل معه في مستشفى عتق المركزي ولبى هذه الدعوة  . ومن العادات هناك، ان يكون ترتيب الضيوف حسب درجات الإستضافة، فمن يكون من خارج القرية يتم تجليسه في الداخل ويسمونه ( نقع المقعد) وبإعتبار ابو ظفر ضيف يحضر لإول مرة ، فقد تمً تجليسه في الركن الداخلي ثم يأتي بعده الضيوف الآخرين القادمين من القرى المجاورة، اما اهل القرية،يكون مكانهم عند المدخل .

وعلى الغداء، يقدم اهل العريس لكل خمسة او ستة اشخاص صحن كبير   فيه رز وعليه قطع  لحم  . وفي الصحن المخصص لإبي ظفر والجالسين معه  وُضع  امام ابو ظفر بالضبط قلب وظهر الخروف ويسمونها شمة الضيف (الدخيل). رفع ابو ظفر القلب وحاول ان يقظمه، لكنه لم يستطع لأن القلب كان غير مطبوخ جيدا  (وهذه طريقتهم في الطبخ)، فأبعده عنه . قام احد الجالسين معه على المائدة بإعادته امام ابو ظفر، وابو ظفر يبعده عنه و تكررت هذه العملية عدة مرات، بعدها قال احد الجالسين على المائدة . ” دكتور من عاداتنا ان نضع قلب الخروف امام الضيف  وهو  يقوم  بتقطيعه  وتوزيعه على الجالسين معه على المائدة . ” إعتذر ابو ظفر لأنه يجهل عاداتهم  وسارع  بتقطيع القلب وتوزيعه على الجالسين معه على مائدة الغداء .

 

 

بعد أن إلتحقتُ بابي ظفر في تموز 1979، روى لي هذه المفارقة  اللطيفة فأخذت فكرة عن بعض التقاليد هناك . وفي إحدى المرات دُعيتُ وابو ظفر الى عرس في منطقة الجابية القريبة من عتق . إعتذر ابو ظفر عن الحضور لأنه لا يستطيع ترك المستشفى وهو الطبيب الوحيد في المنطقة، فطلب مني ان انوب عنه ، وكانت فرصة جميلة لي للتعرف على عادات المنطقة في الأعراس . ذهبت مع ظفر ويسار ورافقتني ام محمود والفقيد ابو رياض .

 

بدأ  تجمع الأقرباء والضيوف في بيت اهل العروسة  لتناول الغداء .، جلستُ وام محمود وبعض ضيوف اهل العروسة على الأرض ووُضع امامنا صحن كبير فيه رز وعليه قطع لحم .   وكالمعتاد وبإعتباري الضيف لهذا العرس، وضع امامي قلب الخروف . ومن المعلومة التي عرفتها من ابو ظفر، باشرت بتقطيع القلب وقمتُ بتوزيعه على الجالسين معي على المائدة . إستغربت الحاضرات من  اهل العروسة لمعرفتي بعاداتهم  وقلن : ” والله زوجة الدكتور تعرف تقاليدنا !    إنهن لا يعرفن بأني اجهل ذلك لولاما رواه لي ابو ظفر .

بعد تناول الغداء ، طلبتُ  أن ارى العروسة، فأخذتني امها الى غرفة مجاورة للغرفة التي تناولنا فيها الغداء حيث كانت العروسة تجلس لمفردها وهي مغطاة من رأسها الى اخمص قدميها بغطاء يحجبها عن الحاضرين  .  جلستُ بجانبها ، لكنها لم تكشف عن وجهها .  بعدها قلتُ لها : ”   جئتُ من عتق و من غير الممكن ان احضر عرسك ولا اراك ِ  ! ” وإستجابت لطلبي فرفعت غطاء وجهها قليلاً يسمح لي برؤية وجهها قليلاً . فقد كانت شابة جميلة بدون مكياج وشعر رأسها مغطى بالكامل بالحناء بحيث لايرى المرء شعرة واحدة  تتدلى على جبهتها . وبعد اقل من دقيقة، أعادت الغطاء على وجهها  وهذا يعني بأنه لا يمكن لأي احد ان يراها  قبل ان يراها العريس في  ليلة الدخلة .

 وعند المساء يتوجه الضيوف واهل القرية الى قاعة كبيرة خارج المنزل (عادة ما تُقام فيها افراح  اهل القرية) . تمشي العروسة  من منزل اهلها  بالحناء، وهي   مغطاة بالكامل، الى مكان حضور المدعوات  وتُجلًس في ركن من القاعة، ويبدأ الحفل بالاهازيج اليمنية الراقصة  ولشبوة اهازيج خاصة بالزفاف تتغنى بالحب وبالفرح  وتتباهى النسوة بالعروسة والعريس وتقوم بعض النسوة من الحاضرات بالرقص ويسموه (الشرح - البرع  - السمرة) .  بعدها تقوم إحدى النسوة بإعلان (الجباء- ألرفده) ومعناها العون والمساهمة   مرددة : ” رفدتك (جباك) يا حريو من فلان ابن فلان مبلغ … “  ومن حسن حظي كان في حقيبتي مبلغ على ما اذكر ثلاثة دنانير   فسارعت بتقديمه ، لكني شعرت بالخجل حين رددت المرأة “ رفدة  من زوجة الدكتورمبلغ ….. ”

 بعدها يغادر المدعوون وتُزف العروسة الى بيت زوجها  بحنتها  وحين سألت : ” لماذا لا تغتسل قبل ذهابها الى بيت الزوجية “، قالوا : ” انها العادات بأن تغتسل في بيت زوجها... ” كانت النسوة يرددن الأهازيج :

                                  ساري على ساري بسم الله الرحمن

                                  ساري على ساري بخزي بكِ الشيطان

                                  ساري على ساري مهرة وأخذها حصان

                                  العروسة عمود البيت يلي تحيوها

                                     إدعوا لها بالخير يلي تحبوها

   

                                    بنتنا جاهل داخل المحجبة

                                    رحًبوا بها ألف يا مرحبا

               

 

                                حلا حلا يستاهل

                               عاد صغير جاهل “       

                                                          

 وللمرة الثانية حضرت عرساً في مدينة نصاب ، يبدو أنهم يتبعون  التقاليد نفسها مع بعض التغيير . فقبل ان تُزف العروسة الى بيت زوجها، تجلس بجانب العريس كاشفة وجهها،و لاتتكلم معه طيلة الوقت . " ويسمون هذه الاحتفالية بالمخدرة "، تقوم فنانة يمنية بإنشاد الأغاني اليمنية الراقصة وتقوم والدة العريس واخواته بالرقص . في ذلك العرس أثار إنتباهي الى الفنانة  التي تُنشد الأهازيج كانت  بين الحين والحين تقول شعراً فيه  نفس سياسي بعدها فهمتُ انها تقصد الوحدة اليمنية  ولازلت اذكر منه :

                                   ياعدن قولي لصنعاء لو تشتي دا نضالي

                                  لا تقولي  دا رجعي ولا دا شمالي 

 

 ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1491 الاربعاء 18/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم