قضايا وآراء

العنصر الصوري (التخيلي) في الابداع التشكيلي ــ والأدبي / حكمت مهدي جبار

حدود الذهن والوعي فتؤدي الى الوهم والأبتعاد عن الواقع فأن العنصر الرئيس المتأثر بها والذي يعتبر منعكسا عيانيا بصريا هو (الصورة) 

  ان العنصر الصوري في التعبير الفني الادبي هو عنصر تخيلي . اي بمعنى ان يعمل الفنان او الكاتب على ايجاد علاقة بين شيئين هي علاقة غير حقيقية . ورغم ما يتداول في اذهان الناس من تعاريف لمفهوم الصورة بأنها هي الشيء المرئي بواسطة حاسة البصر ثم تفسيرها في طبقات الذهن. فأن تحديد مصطلحها لدى الباحثين في الفن والفكر والادب معقد ومتعدد المستويات . الا انه يمكن ان يقرب ويختزل الى نقطتين :

الأول : ان الصورة هي شيء يحاكيه الانسان ويتأمله ويعطي له اسما ويخزن في ذاكرته .

الثاني: هي عبارة عن مجموعة رموز وعلامات .

والاثنين يدلان على وجود الشيء (كصورة) موجودة بذاتها مركبة من اجزاء (بنى).وقد جاء في القرآن الكريم ان صورة الانسان كمثال مركبة من اجزاء (في اي صورة ما شاء ركبك). وان الصورة كمصطلح هي الشيء الموجود الذي نراه وندركه بحواسنا الخمس نظرا وسمعا وشما ولمسا وذوقا .اما صورة الشيء (مصور) على شيء آخر كسطح ذو بعدين ورق جدار زجاج معدن قماش او مجسم أي (الرسم)أوعلى ثلاثة ابعاد وهو النحت فذلك هو نقل الصورة فنا وابداعا مأخوذة من الواقع العياني ..اما الصورة الخيالية فهي صورة مؤلفة من ذاكرة الفرد وهو يرى صورا الأشياء منذ تفتح عينيه على الدنيا حتى ما يصل اليه من ايام عمره وقد خزنت في (ملفات) ذاكرته يستدعيها في الوقت المناسب. .اذن الصورة الخيالية في اي مستوى هي عبارة عن تجميع اجزاء موجودة قبلا واعطائها بنية جديدة ونقصد بالاجزاء عناصر الرسم في اللوحة كالخط والنقطة والشكل والفراغ وغيرها وفي فن الشعر الايقاع وتصوير الحدث والوزن والقافية وغيرها وهكذا مع القصة والرواية .ان رؤية الاشياء تقسم الى ثلاث صور:-

الصورة الاولى.. المرئية على ارض الواقع

الصورة الثانية ..المنظورة بواسطة الحواس

الصورة الثالثة ..المستنسخة على الورق رسما او شعرا  .ان ما يهمنا هو الصورة الثالثة اي الصورة في التعبير الفني والادبي سواء كانت واقعية او انطباعية او تعبيرية او مجردة او سريالية .

ان  العنصر الصوري التخيلي من اهم العناصر التي تميز العبارة الفنية في التعبير  الادبي والفني التشكيلي والروائي  وان المسوغ الفني لعنصر الصورة هو تقريب لكي يدرك المتلقي/ المشاهد/ القاريء/ النص المطروح.  وفي اللغة يظهر (المجاز) كأطار عام لكل اشكال العنصر الصوري بأعتباره فن قائم على التخيل الذي يقوم بأيجاد علاقات غير حقيقية بين الأشياء يسمى (مجازا) وهو تصوير مفترض غير موجود في الواقع انما يوجده الفنان والكاتب والشاعر كوسائل لتقريب الصورة الى المتلقي ذلك لأن كل الفنون والآداب هي مجازية.

ان العنصر الصوري في الفن والأدب والرسم والشعر والقصة والسينما والمسرح والرواية هو احد العناصر (البلاغية) سواء في النص البصري او المقروء . ويبرز ذلك من خلال اشكال أواقسام (الصورة ) المجازية  كالتشبيه و الاستعارة والتمثيل والترميز والاستدلال والتضمين والتورية والأفتراض والمبالغة والأحالة فتلك الأشكال رغم استخداماتها اللغوية في الابداع الفني الأدبي فهي تلتقي مع الفنون الجميلة الاخرى التشكيلية والمسرحية والموسيقية وحتى السينمائية .0حح     

يقول هوراس الشاعر اللاتيني المشهور: (ان الشعر هو التصوير ) وتلك العبارة وجدت اصداء لها عبر القرون من قبل الرسامين والشعراء والنحاتين وغيرهم .فأدلى (انطوان كوبيل) استاذ الفن في الأكاديمية الملكية بأن :على الرسام في اسلوبه الرالقي ان يكون شاعرا لا اقول عليه ان يكتب الشعر اذ ربما يفعل ذلك من غير ان يكون شاعرا وعلى الرسم ان يفعل بالعين ما يفعله الشعر بالأذن.ويقول (بيكاسو :ان الرسم هو الشعر وهو دائما يكتب على شكل قصيدة ذات قافية تشكيلية)

وهكذا تلتقي الصورة بالمنجزين الابداعيين التشكيلي والادبي الشعري او القصصي على حد سواء فما ينطبق على الرسم ينطبق على الشعر وفنون الادب الاخرى من حيث العنصر الصوري التخيلي فالملاحظات المتعلقة بفن الرسم انما هي على الأغلب ملاحظات الشعراء بقدر ما له اهمية لدى الأثنين.

في مقولة لأحد الشعراء الكبار(ان الرسم شعر صامت وان الشعر رسم ناطق) ويقول الفنان المشهور (ليوناردو دافنشي ) (ان الرسم شعر يرى ولايسمع وان الشعر رسم يسمع ولايرى).وما تلك المقولات الا براهين على وحدة العنصر الصوري التخيلي والمجازي في كافة الفنون.فالصلة (التصويرية والتصورية) بين الفنون التشكيلية وتحديدا فن الرسم وبين الفنون الأدبية تظهر على نحو مباشر جدا في المفردات المشتركة بين تلك الفنون . فالروائي مثلا يرسم تخطيطا اوليا لعمله كما يفعل الرسام .ومثال على ذلك فقد كتب الكاتب الروسي (تورجنيف) حول كيفية معالجته لشخوص الاباء والابناء قائلا) دعوني اقول شيئا واحد لقد وضعت تخطيطا اوليا لهذه الشخصيات كما لو كنت سأرسم تخطيطا اوليا للفطر او اوراق النبات اوالاشجار , انها تؤذي عيني فأبدأ بالرسم).

ان مصطلح الرسم بأعتباره يمتلك خاصية (التعبير) اي ان العنصرالصوري فيه  يتميز كونه ناتج باليد حسب مهارة الرسام والتكنيك الذي يعتمد عليه من تخطيط والوان ومواد اخرى فهو كما في  اللغة تمتلك مادة التعبير ايضا بأستخدام عنصر الصورة والخيال .فعندما يشرع الرسام بتنفيذ لوحته فأنه يتخيل موضوعا ما وكذلك عندما يشرع الكاتب بأنجاز قصة او قصيدة فأنه يتخيل ايضا وهنا تشترك الصورة مع الكاتب والرسام.

ومادام ان العناصر البلاغية هي عناصر فنية تلتقي مع الرسم والشعر والقصة والرواية فأن اغلب اشكال العنصرالبلاغي لها نفس التأثير .فالأستعارة كشكل بلاغي هي نفسها في الادب والرسم .حيث ان الاستعارة هي من اهم العوامل المشتركة في المنجزات الابداعية الفنية بل اهم مبدأ جوهري كما يقول ار سطو:ان اعظم شيء ان تكون سيد الاستعارات الاستعارة علامة العبقرية انها لايمكن ان تعلم انها لاتمنح للآخرين.

ان الرسم كما قال عنه (كلود ليفي شتراوس) يعد لغة ,لأن الفن يتوفر في رأيه على وحدات من الدرجة هي بمنزلة مدلول حيث يقابله في اللغة مفهوم الرمز والعلامة زائدا  الصوت .

ان الصلة التي تجمع بين الأدب والرسم هي رؤية واحدة قائمة على العنصر الصوري التخيلي وان ممارسة فن الرسم قد ساعدت الكثير من الكتاب على انجاز مشاريعهم الكتابية . فقد قال الكاتب المعروف (ويندهام لويس) ان التفكير بالأشياء بصيغة التشكيل والتصوير لابد ان يكون لها تأثيرها على فن الكاتب حين يقوم بممارسة الأثنين معا كما افعل انا)    ..

 

مصادر:

1 - البلاغة الحديثة .... في ضوء المنهج الأسلامي..د محمود البستاني  ...دار الفقه للطباعة والنشر.

2 - الفن التشكيلي قراءة سيميائية في انساق الرسم..د بلاسم محمد ..2008ــ عمان

3 - الشعر والرسم ...فرانكلين ر. روجرز..ترجمة ـ مي مظفر ــ دار المأمون ـ بغداد ــ1990

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1519 الجمعة 17/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم