قضايا وآراء

النقد الادبي: شاعرية نوال الغانم في قصيدة: رائحةُ يَديّكِ على رغيّفي / علوان حسين

 وذلك بمنحها دلالات جديدة وشحنها بطاقة رؤيوية ومعنى يسحبها من سموات معانيها الدينية الإشارية نحو مجازات أرضية واقعية تكتنز بالثراء والمعاني حين تتحول الثمار إلى وقت، وما تستدعيه هذه المفردة من معان تتعلق بأعمار البشر، تردفها تلك الصورة البهية، كمثل حجر ٍ على حجر ٍ،

إشارة للخراب وحالة التداعي وتختمها بقولها، نظفي أسنانك من بقايا لحوم التراب .. لم تقل البشر، فالإنسان مخلوق من تراب وبقايا لحم التراب توحي بالمعنيين إنهراس اللحم البشري وكذلك المدن وما تمثله كرمز للحضارة والسلام والحب .. أهم مايميز بناء القصيدة لدى نوال الغانم قدرتها على توظيف الرمز والإفادة من الموروث فنيا ً بعد إعادة تشكيل معماره سواء على صعيد الصورة أو الفكرة بما يتلائم حساسيتها الجديدة ولغتها المجازية . ثمة مسألة أخرى تتجلى في إعتماد الإنزياحات في اللغة وتوصيلها إلى تخوم رمزية عالية التكثيف وذلك في الإنتقال من المحسوس إلى اللامحسوس وبالعكس، وفي توظيف مفردات معينة تحمل بذاتها دلالاتها لدى المتلقي سواء ماتحمله من شحنات نفسية أو جمالية أو حتى معنى تخييلي مفتوح ولا متناه في معناه كتوظيف مفردة التراب والوقت والنخيل والحرب وغيرها الكثير . نوال الغانم جاءت إلى الشعر من منطقة أخرى هي الرسم، وبالرغم من شيوع حالة التداخل بين الفنون والإفادة وتوظيف بعضها مع البعض الآخر، بالرغم من هذا فأن الغانم جاءت متحررة من أرث البلاغة المستهلكة واللغة الشائعة التي يجترها الكثير من الشعراء بوعي منهم أو من دون وعي، فذاكرة الغانم ومخيلتها تبدو لي بيضاء إلا من الألوان والصور وماتستدعيه هذي من طاقة بصرية عالية وتوظيف للمشهد والتوزيع الهارموني للون والظلال وغيرها . مايشدني حقيقة إلى قصائد نوال الغانم رغم قلتها قدرتها على ضغط المشهد وتكثيفه ومنح نصها بنية متماسكة بلغة متوترة ومشدودة كالقوس . والأهم من كل ذلك اللعب بطفولة على أوتار اللغة بحيث تبدو لنا لغتها بسيطة وتلقائية بالرغم من غرائبيتها كونها منطلقة من منطقة اللاشعور وهنا بالضبط تكمن مهارة الشاعرة بغزل كلماتها كما تـُغزل ُ حبات ُ اللؤلؤ في عقد يتطلب رهافة وحساسية ونوع من دراية بأسرار الصنعة التي تجلت بين يديها بلا صنعة وهذا لا يجيده سوى القلة من الشعراء الموهوبين ومن هذه القلة القليلة يبرز أسم نوال الغانم متميزا ً داخل المدرسة الشعرية العراقية إن صح وجود مثل هذه المدرسة . أحد أسرار تميزها محاولتها الإفادة من لغة الأحلام وطفولة الأشياء ومحاولتها توظيف عوالم السوريالية كمدرسة فنية كسرت أو حاولت تحطيم الحواجز نحو حرية تسبح في فضاءات مفتوحة على عالم الأساطير، لكن الغانم بمحاولتها أسطرة الواقع تحاول تعرية هذا الواقع وليس ملامسته بل كشط القشرة الخارجية منه والتوغل عميقا ً فيما وراء الواقع . سريالية الغانم واقعية وملتصقة بجذورها إلى حد مذهل، هذه الواقعية جعلت من قصيدتها لوحة تشع بألوان ٍ حارة ٍ طازجة كالواقع المستل من الأحلام وكالحلم حين يكون مرآة ً صادقة ً تعكس مايعتمل في داخل الكائن المتكوم داخل أكداس ٍ من أحلام ٍ تربض ُ فوقه كالكوابيس .

 

كاتب من العراق

 

........................

للاطلاع

رائحةُ يَديّكِ على رغيّفس : نوال الغانم

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1531 الخميس 30/09/2010)

 

في المثقف اليوم