قضايا وآراء

الشاعر والصورة / علوان حسين

 وأن كل ماتكتبه لميعة من قصائد غزل رقيق إنما كان لبدر وهو بالمناسبة من كتب لها أعذب وأجمل الأشعار .. لم يكن السياب وسيما بمقاييس نجوم السينما لكنه كان يتمتع بحضور شفاف وشخصية أثيرية نسبة للأثير . كانت ملامح وجهه أليفة وديعة بها مسحة من شاعرية ورقة وكأنها المرآة التي تعكس روحه الشاعرة وما يختلج فيها من هدوء ونزق وعذوبة وحزن هو أحد سمات الشعراء . كان بشهادة الذين عرفوه عن كثب كأنسي الحاج والماغوط ويوسف الخال ولميعة عباس عمارة وغيرهم محبوبا لطيف المعشر مع دماثة في الخُلق وعمق في الشخصية تضاف إليها شاعرية كبيرة وكاريزما تحصنه من الإنكسار بالرغم من حساسيته المفرطة وحالة التوتر التي هي طبيعية ومنسجمة مع شخصية الشاعر القلقة بطبيعتها ..مسألة الصورة تبدو لي غير مقنعة خصوصا ً لو عرفنا بأن حساسية السياب الشعرية وذائقته الجديدة المتمردة على القديم الكلاسيكي، التي كان من ثمارها إبتداعه نمطا ً جديدا ً غير مألوف سابقا ً في الشعر ألا وهو الشكل الذي عرف بأسم قصيدة التفعيلة الذي كان بدر شاكر السياب رائدها بحق في قصيدته (هل كان حبا ً) . هذه الحساسية دفعته بإتجاه تعلم لغة جديدة هي اللغة الإنكليزية، والتي فتحت له عينيه على شعر وأشكال ومدارس جديدة لا شك بإنها كانت الينابيع الإولى التي إستفاد منها السياب، خصوصا ً بعد إطلاعه على تجربة (ت.س.إليوت وعزرا باوند وغيره ) . إذن ليست الصورة هي التي دفعت بالسياب نحو اللغة الإنكليزية كما أزعم بل هي حاجة ثقافية وسماء أخرى ذهب إليها السياب بكل جوارحه ولولاها لظل السياب شاعرا ً كلاسيكيا ً كبيرا ً كالجواهري ولخسر الشعر إضافات فنية مهمة وقصائد عظيمة كأنشودة المطر والمومس العمياء والنهر والموت وغيرها . من كل ما تقدم أخلص للقول بأن مقالة الأستاذ زيد الحلي لم تكن دقيقة في تحليلها بأن الفتاة التي رفضت أن تأخذ صورة ً مع السياب لدمامته هي السبب الذي حدا بالشاعر إختيار دراسة الأدب الإنكليزي بديلا ً عن اللغة العربية وآدابها، إضافة إلى أنها مقالة ليس فيها من الطرافة أو الإدهاش من شيء . بل هي على العكس محبطة وجارحة لمشاعرنا نحن الذين نرى في السياب رمزا ً وأسطورة ً نلجأ إليها ونحتاجها في وقت ٍ إضمحلت فيه الأساطير .

كاتب من العراق

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1533 السبت 02/10/2010)

 

في المثقف اليوم