قضايا وآراء

بانوراما نزيـــــــــف القصب وهدير جرافات الوجع ونياح النبي الضال وسرقة عناقيد ذهب حميد الحريزي / سعيد الوائلي

لا يستحق إلا ان يكون نثرا ً...! رغم الصور الشعرية المتلاطمة في مقاطعه وبناءه الذي يحرر من باطنه عفريت"الشعر" بشحمه ولحمه، ولذا فإن اللغط الذي يدور هنا وهناك  ليس إلا رغوة من صابون هلامية، ومحاولة بائسة لتمجيد الماضي فقط وإيقاف عجلة الحداثة التي تكتسح في طريقها  كل شيء الى سلّة الماضي، إلا من تمّسك  بطود مملكة بناءه الشامخ  وخـّلدته مآثره، وعليه فالشعر الحديث  جنس ادبي يتمتع بكافة المميزات التي يتمتع بها غيره من اجناس الشعر، من بناء رصين وموسيقا وايقاع وصور متدفقة من بطون واثداء القصيدة  وماء الشعر.

ولو استذكرنا  الاب الروحي لقصيدة النثر الشاعر الخالد "بودلير"، باني  مجدها، ومالئ بطونها،  وقدّيس شرعيتها،  وكيف استنبط  قصائده  التي نـُشرت بعد وفاته بسنتيين تحت عنوان "سويداء باريس" الصادرة في عام 1869، وكان قد نشر البعض منها في المجلات  الادبية حين ذاك، وكيف كانت الصرخة الاولى لهذا الجنس الادبي الجديد، وكيف تطور  بشكل مذهل  في القرن العشرين على ايادي مجموعة من الشعراء الخالدين امثال رامبو ومالارمه وآخرين، وكيف استمر  هذا النهج الراسخ  مذ ذلك الحين حتى هذه الليلة، وكيف  يلاقي رواجا ً منقطع النظير وتجديدا ًمتواترا ً وكفاحا ً وتطوير.

نعم سنقرأ كلاما ً زاخرا ً، يبثّ عشرات الصور في نفس اللحظة،  ولطالما يقودنا  الى عوالم  الخيال والبهاء والنقاء والسخاء والشقاء  والحيرة  والتساؤل والحسرة والنار والدخان والرماد والهشيم والالم  والندم  والوجع  والنياح والنحيب  والعويل . // كراتُ نارٍ في صدري/ دواماتُ غضَبٍ / آهاتُ عتبٍ / واشتعالُ بلا صخَبٍ / تُحرِق / ضُلوعي / عَلَّها تُعيدُ أهواراً / غادرتْها طيورُ (الحذافِ) نعم سنقرأ ونرى ونسمع  كل ما تقدم من خلال مرثية الشاعر حميد الحريزي " بانوراما نزيـــــــــف القصب" وبطريقة لا يجيدها  إلا الشعراء المغردون،  لقد بعثر الحروف العربية في سلة الشعر وبحلق ساعات وساعات فيها  ليكتشف لنا مرثية جديدة ويعطيها حلـّة لقوامها وأنات طويلة  تربط بعضها البعض من  بغداد حتى مشيغان  كمسبحة، مشيغان التي فقدت نبيها الضال الشاعر الاديب بهاء الدين البطاح قبل ايام، والقنصلية العراقية على بعد عشر دقائق فقط من موكب الجنازة وثلاثة ايام من مجلس الفاتحة لم يكلف السيد القنصل الاستاذ لؤي نوري بشار نفسه او موضفيه المرور لدقائق وقراءة سورة الفاتحة  لأن الفقيد بإختصار شديد منذ هيامه على وجهه منذ ثلاثة عقود لم يكن إلا عراقيا ً اصيلا ً احب العراق بكل جوارحه ورفض الانتساب لأي حزب من احزاب السلطة ولهذا لم يكن مهما ً في نظر السيد القنصل المبجل او موضفيه من حزب الدعوة...! وهكذا سيتساقط الادباء والشعراء والفنانون تباعا ً كالزجاج المتكسر من دون ان يترك ضجة  تعكـّر صفو السيد المسؤول...!؟ اما المبّوقون للسلطة وان كانوا من احفاد الطاغية المقبور حين يتعرض احدهم الى كبوة  يـُرفع على اكف الراحة من مشيغان الى بغداد ...  / يـــــــــــــــــــــــــــادجلة / انزعي خماركِ و((هلهليّ)) / ليصحو الفرات  من غفوتهِ ويُجَرِد سيوف ضفافه /  يُحَشِد  كل زوارقهِ / يَفزَعُ لنخوتهِ  كُلَ فلاح / يحمل مسحاته / كُلَ بلام / يَحمِل مِجذافه // من هتك سترك أم الخيرِ؟؟؟ / وقد تحدثه احيانا ً وتشتكي من اوجاعها واسقامها وهذياناتها واسرارها وتنهداتها وصراخاتها لتتعرى اخيرا ً بين يديه ليتمكن من اكتشاف حنـّاء كنهتها ويزرع فصول  كلماتها في بساتين اللذة المخمّرة في  دنّ عذاباته.// عظامُ الجاموسِ /  وعظامُ الجُند / اختلطَتْ / في قاع النهرِ المذبوحِ / يَبكيه نخيلُ البصرةِ // وكما نعيش اليوم في عراق  الشجون  والسنون العجاف، عراق الجرح النابض في قلب مثقفينا ووجدان القصيدة الموشـّحة بنص شعري موغل في عشق بغداد بكرخها ورصافتها، //  من نهريها وجسر الصرافية والائمة وشهداءه الالف،  من ساحتييها الشهداء والتحرير، من الرصافي والجواهري، من محمد القبانجي وناظم الغزالي وداخل حسن وحضيري ابو عزيز، من فائق حسن وجواد سليم، لقد تجشمت القصيدة روح  بغداد، فكانت قلادة في عقدها السرمدي، في البصرة والناصرية في النجف والحلة  في الكوت والرمادي في الموصل الحدباء والسماوة وديالى  في البراري وحقول الشوك والعاكول والصحاري والاهوار الجافة وغابات نخيل البصرة المحلوقة الرؤوس،واشجار برتقال ديالى ورمان كربلاء،  فلكل منها حضور خاص يفتح الجروح على مصراعيها ويرسم عالم من الشعر المقفى بالألم // لا أنقبُ / عن الزئبقِ / والبترولِ / في ارضِ /  القصبِ /  المحروق / في ارضِ / سومرَ  //  والمفروش بالسيارات المفخخة والعبوات والاحزمة النازفة والوجوه السوداء الملثمة  تتطاير مع انفجاراتها الرؤوس والايدي والدماء تفرش سجادة حمراء // ما عدتُ /اطلب / خبزَ ال((سياح))ِ / ولا السمك ((المسگوف / لا ابحث عن ملهىً او مرقصْ / من يؤويني؟؟/ من ينجيني؟؟ / في الطول وفي العرض / شبحُ  الموت يتربصْ //، فكيف لا تأتي القصيدة صاغرة وعلى اصابعها ترتسم الحروق  وفي وجهها الجروح والقروح كعروس في يوم زفافها وقد تهشم وجهها  بعد انفجار عبوة ناسفة، تتناثر الاغصان المحروقة من حولها والاوراق اليابسة مدافة بدمها على رصيف مخسف تحت ارجلها،// من يتصور / حَمّامَ القيرِ المغليّ؟؟؟ /خيالُ البدوي / لا يُقْهَر / فاقَ /  كل الأجناس ِ / في طرق القتلِ / له طرقُ /  الحرقِ /والخزقِ /والصلبِ /على جذعِ النخلِ / باسمِ الله / يقطَعُ رؤوسَ البرديّ /  يجزّ / رأسَ الإنسانِ / ويقطع رأسَ العصفورِ /  ورأسَ العجلِ //  هذه هي ملحمة القصب التي  عبئها الشاعر حميد الحريزي في سلة الحرووف التي جاءت مثل غمامة هطلت نفطا ً اسودا ً ودما عبيطا ً،// ابحث عن عش بلبل / بين أغصان الصفصاف / فأسقطَ / قبة السماء / بعثرهُ صوت الرعب الطائر / تهشمتْ / فاضت دما لزجاً // يـا ورق الحنّاءِ / مَنّّْ جلبكَ لأرضِ الحزنِ؟ / فحلَّ عليك الحرقُ / نأنس للونِ الأسودِ / لأنا عُجِنا من دم و رمادِ  // هكذا يجسد لنا الشاعر "ارض السواد" كائنا ً عاريا ً ليتركنا نطيل النظر في الجسد الماثل امامنا نتهجد مساحاته ليغزو مشاعرنا  بحزمة من الصور التي تلسعنا كسرب نحل ظال.

 

شاعر واعلامي مغترب

ديترويت/ امريكا

الخميس, 23 / أيلول, 2010

 

سعيد الوائلي

شاعر واعلامي وناشط في حقوق الانسان عضو اتحاد الادباء و الكتاب والمثقفين في العالم العربي / رئيس لجنة الولايات المتحدة الامريكية

[email protected]

www.saidwaely.com

www.tahayati.com

 

للاطلاع

بانوراما نزيـف القصب / حميد الحريزي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1538 الخميس 07/10/2010)

 

في المثقف اليوم