تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

الصراع الحزبي وغياب المثقف الثوري / علجية عيش

في البحث والأسلوب العلمي لدراسة التاريخ وثورات الشعوب.."

 

احتلت قضية المثقف الثوري موقعا تاريخيا من تجارب الأمم وثورات الشعوب، بل كان موقف المثقفين في العديد من هذه التجارب يمثل معوقا لحركة الثورة وامتداداتها، بحيث كانوا قوة تحافظ على القديم وامتيازاته، وتخاف الجديد وتنازلاته، حتى وُصِفَ البعض منهم باليمينية وآخرون بالرجعية ، ووصفتهم قواميس الثورة بأنهم الوتر المتراخي الذي يضعف معزوفة الثورة والثوار وأنغام التغيير..

لقد قدم التاريخ الحديث نماذج كثيرة من المثقفين الثوريين، قدموا الكثير لثورة الشعب منهم عبد الله النديم ، محمود درويش ومحمد لعيد آل خليفة ، مالك بن نبي، مصالي الحاج، آيت بلقاسم نايت بلقاسم، مفدي زكريا وغيرهم من الذين كتبوا وتغنوا بالثورة والثوار، لكن في ظل التغيرات والتناقضات القائمة حاليا بينت رواسب الفكر وواقع التحول العولماتي، وسيطرة المادة على القيم والمبادئ ، وفي ظل الصراع الحزبي كذلك، افتقد المجتمع العربي إلى المثقف الثوري المتحرر ،الذي يجمع بين الثورة والثقافة..

و للمثقف الثوري كما يقول الدكتور مصطفى الفقي في كتابه "حوار الأجيال" خصائص تميزه بين مواكب الزحف الثوري والتغيير الاجتماعي، فهو إنسان يقف على أرضية فكرية تمثل الالتفاف في "الزمكان" الزمان والمكان، أي يمثل درجة من الوعي بتاريخ الجماهير، ومن هذا الالتفاف تستمر ثقافته الثورية من خلال وعيه للتاريخ وإدراكه الواقع، وكذا ارتباطه بمبادئ الثورة وأهداف المجتمع..

لقد حركت بعض الأحزاب في فترة ما ، كوامن الثورة ووجهت فورة الغضب في مراحل تهيأت لها فيه قيادات فكرية تاريخية وثورية، استطاعت بثورتها وكفاحها ونضالها المتواصل، أن تحرك في الإنسان مشاعر الثورة والنضال لدى الجماهير، حققت خلالها إنجازات مشهودة في كل المجالات، لكن هذه الإنجازات تغيرت مع مرور الزمن بتغير الظروف والأحوال، ومسخت من المثقف الثوري تلك "الصورة المشرقة" ، وجردت فكره من كل الثقافات..، حتى الثقافة الحزبية ، كما حجبت عنه بل قتلت فيه مفهوم النضال الثوري، لأن العمل السياسي عجز عن تقديم النموذج المثالي المطلوب للمثقف الثوري والمثقف المتحزب على الخصوص، وبقي هذا الأخير يبحث عن وجوده المفقود في الحزب، وضاعت منه كل معاني الثورة والتحرر، فعاش الانفصال الذاتي بينه وبين وطنه، حيث أصبح مصطلح الثورة والمثقف الثوري يعبر عن "حضارة غابرة" ، عاشت فترة ومرت مع من صنعوها، لاسيما في بلد ينادي بانتهاء الشرعية الثورية، ومن ثمة انفصاله عن وطنه، ودخل هذه الأخير في عالم اللامثقف..، اللاثوري..اللاواعي..، واللا نضالي و..و..الخ، وغابت من قاموسه الثقافي أو الثوري أن الهدف من كل ثقافة حرة هو الحرية، كما يقول في ذلك الدكتور خليل أحمد خليل في كتابه "الثقافة سلطان المثقف" ، أو "الاسم الآخر للحرية"، إذ يؤكد أن يمكن للثقافة أن تتحرر بنفسها بلا وسيط آخر..، في حين بقي ما يسمى بالدين والسياسة هو الفاصل الوحيد في وجود الإنسان وتحقيق حريته..

و هنا نتساءل كيف يتحرر الإنسان بالثقافة دون إحداث ثورة، سواء كانت ثورة فكرية، حزبية، سياسية، أو حتى ثورة ثقافية بكل ما تشمله هذه الأخيرة من (أدب وشعر أو فن..)، والسؤال يطرح نفسه عن دور"المثقف المتحزب"، وهل يمكنه أن يتحرر من القيود الحزبية التي يفرضها النظام الداخلي والقانون الأساسي للحزب، الذي ينتمي إليه المثقف المتحزب أو بالأحرى المثقف السياسي، خاصة وأن هذا الأخير يؤمن بأن الثقافة هي "سلطان ذاتي وسلطة مرجعية قائمة بذاتها"، والمثقف متحرر من كل التبعيات، لأنه قبل أن يكون المثقف ابن الحاضر فهو وريث الماضي، فلو أخذنا على سبيل المثال التغيرات والتطورات التي عرفتها الجزائر الثورية، والتحولات العميقة التي حدثت في طبيعة السلطة، كان لها تأثير كبير على الساحة السياسية، مما استدعت البحث عن دور مناضل الحزب والمثقف المتحزب على الخصوص في تعامله مع السيمفونية الرباعية المشكّلة من : " الجمهورية، الدولة، الثورة أو الحرب والديمقراطية" وهي مصطلحات تمثل الحقل الأساسي للمثقف المناضل في حزب ما..

فالمثقف قبل أن ينخرط في حزب ما ، كان مواطنا متحررا..، نشيطا بفكره وقلمه، وبتحوله إلى صفة النضالية في الحزب المنتمى إليه، فقَدَ حريته في معالجة القضايا الاجتماعية بكل موضوعية ومصداقية، لا لشيء إلا لأنها تتعارض مع توجهات الحزب ، لاسيما في دولة تعيش التعددية الحزبية والتعددية السياسية كالجزائر، وتعيش أزمة ديمقراطية وصعوبة تطبيقها في أرض الواقع، رغم أنه أصبحت له قضية يؤمن بها ويدافع عنها، في إطار هيكل يمنحه له الحزب السياسي الذي ينتمي إليه، وهنا نجد المثقف المتحزب يعيش في تناقض كبير مع نفسه ، إن لم نقل يعيش الاغتراب، وهي من بين المشكلات التي يعيشها المثقف الثوري كذلك في مجتمع معقد يفتقر إلى التكوين السياسي، أو إلى الثقافة الحزبية لجميع الأحزاب دون استثناء..ناهيك عن افتقاره أيضا إلى مفاتيح الأداء السياسي، أي عدم تمكنه من تحديد المصطلحات والمفاهيم المركزية الضرورية، لممارسة أي نشاط سياسي حزبي مثل الدولة، الحزب، النضال ، التعددية، المركزية، الرؤية العالمية وغيرها، ووضعها في مكانها المناسب، وكذا عدم التمييز بين الأهداف المرحلية والإستراتيجية في الحزب، طالما أنه يعيش في دولة القانون..

و هكذا تبقى هذه المصطلحات مجرد مفاهيم وممارسة، وموقف المناضل فيها يحتاج إلى شيء من الدراسة والتحليل، وتقسيم الخبرة وتوزيعها على مناضلي القاعدة في أي حزب ما، حتى يقوم المناضل بدوره الحقيقي في تحقيق الأهداف المنشودة..

 

علجية عيش

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1574 الجمعة 12 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم