قضايا وآراء

الارابيسك (Arabesque) .. "عالم المسلم الرحيب"

 

ولم تكن هذه الفنون التي تعد ميراث امم وشعوب متعددة لتنصهر داخل بودقة الفن الاسلامي الا بعد ان تشذبت اشكالها وبرزت شخصيتها الجمالية بما يتفق مع الدين الجديد وتعاليمه السمحاء، وهذا يعني ان المنهج الفكري للعقيدة الاسلامية كان له بصماته الواضحة على فلسفة الفن الاسلامي واشكاله ومضامينه .

ولم يكن لهذا الفن ان يبقى كمظهر من مظاهر الترف الذي ينعزل فيه عن الحياة اليومية للانسان المسلم، وانما تصدر كل مقتنياته اليومية واستعمالاته، فما بين المنبر والمحراب والعمارة والمخطوط والقماش والنسيج والابواب والزجاج والاواني المعدنية، بدا الفن الاسلامي فناً تطبيقيا يؤدي منافع شتى ووظائف عديدة تدخل في صميم الحياة اليومية للانسان المسلم .

هكذا اعاد الفن الاسلامي رؤيته المشتركة مع الفن الاغريقي في العلاقة القائمة بين الجمال والحق والخير التي تجسد رؤية الانسان المسلم للجمال ومعناه .

ولعل ابرز ما ذاع صيته في الفنون الاسلامية ما يدعى (بالارابيسك) ومن الطريف والمستغرب ان هذه التسمية لا يوجد لها بالعربية مرادف دقيق شائع الاستعمال ومعتمد من قبل المعربين والدارسين او المتخصصين في الفن الاسلامي، في الوقت الذي تدل فيه لغات اجنبية اخرى كالالمانية والانكليزية والفرنسية على اهم عنصر من عناصر الفن الاسلامي ان لم يكن اهمها على الاطلاق . واكثر تعبيرين استعملا لاداء المعنى هما (التوشيح)، الذي استعمله الدكتور احمد فكري في كتابه مساجد القاهرة وكذلك مصطلح (الرقش العربي)، الذي استخدمه الدكتور عفيف بهنسي في معجمه واخرين سواه، الى جانب لفظة الارابيسك بالطبع .

كما ظهر حديثا لفظة جديدة على قياس جذر عربي هي (العربسة) استعملها الشاعر صلاح استيتيه في مقاله عن" الصورة والاسلام " الذي نشر في مجلة فنون عربية العدد السادس، الملزمة الثانية عام 1982، الصفحة 99 .

فهل هذا يعني انه لا توجد حتى الان كلمة متفق عليها تناسب المعنى .؟

ليس هذا غريب فاللفظة الاجنبية غير دقيقة واكبر دليل على ذلك انها بالاسبانية تعني (التوريق Tawriq , Atauriques)، وتعد اسبانيا الاوثق صلة بالفنون الاسلامية من باقي الدول الاجنبية الاخرى . وليس عجيبا ان يستخدم الاسبان العديد من المفردات العربية في لغتهم ونحن نستخدم لفظة اجنبية كما هي وكلمة توريق لا شك انها ذات دلالات معبرة خاصة عندما ندرك دور الاوراق النباتية في تشكيل الارابيسك . علما ان الارابيسك لم يكن وحده عالم ذلك الفن وان كانت اللفظة الاسبانية قد تناولت قسما منه .

وهذا يعني ان كلمة ارابيسك لا يمكنها ادعاء الشمولية في التعبير بل تحمل في حد ذاتها مغالطة اصولية وتاريخية وفنية، فمدلولها اللفظي (Arab) لا يتفق ومدلولها الفني الذي ترغب في تأديته، فالارابيسك لا يدل على الزخرفة العربية او النقش العربي فقط، بل دنياه اوسع بكثير وبه تفاهم الفارسي مع الهندي والعربي ولف بخطوطه ورسومه والوانه كل بلاد الاسلام من الصين وسمرقند وشمال افريقيا واسبانيا الى ان وصل الى صقليا واسبانيا وفرنسا والمانيا، وربما العالم الجديد فيما بعد .

ان لفظة الارابيسك وضعت قبل الاطلاع العميق والشامل على الفنون الاسلامية وعدم وجود مرادف لها في العربية لا يمكن ان يرد الى فقر اللغة، ولو كان بالامكان وضع تسمية عربية تؤدي كل المعاني التي تود اللفظة الاجنبية التعبير عنها لما تأخر الفنانون المسلمون واللغويون العرب عن ذلك . فالمدلول اوسع بكثير من ان تعرفه لفظة واحدة والا لوجدت الكلمة تلقائيا .

وما زال الحرفيون في المغرب يطلقون لفظة توريق وتشجير على الزخارف النباتية، ولفظة تستطير على الزخارف الهندسية، ولديهم تسمية لكل نوع منها ويحتفظون برسوم لها يتوارثونها مع اسرار المهنة . فهناك النجوم المتعددة الانواع الاشكال ولكل منها تعريف يرتبط بتكوينها الهندسي كالمثمن والستعشري المكناسي وعين الشمس وغيرها .

وبعض من هذه الاسماء وسواها يستعمل في كل البلاد العربية وبعضها الاخر يحمل تسميات محلية بالعامية في الكثير من الاحيان ولا تقف تلك التسميات عند الشكل بل تتعداه الى صفاء العناصـر الزخرفية التصميمية والتوريقية (كالظفر) و (الصنوبرة) و(الجفت) و(الخيزرانة) و(المجري) و(الورقـة) و(العقـدة) و(الشمعة) و(المروحة) و(المروحة العنكبوتيـة) و(الخرسانة العنكبوتية بالحنش) و(القلب) و(الشريط المفتـول) و(خاتـم سـليمان) و(البلوطــة) و(الحاجب) و(السنبلة) و(الصدفة) و(المجارة) و(المحارة) و(الظفيرة) .... الى غير ذلك من الاشكال .

ومع كثر هذه التسميات والمصطلحات اصبح من الصعب البحث عن اشكالها الحقيقية في الزخارف والرسومات لانها اطلقت وبشكل عرفي وان تشابهت مسمياتها في الاشكال الهندسية فالتوريق اكثر بعدا عن الاصل والتسمية قد لا تكون الا اصطلاحا مهنيا .

لفظة الارابيسك شمولية تعني جميع انواع الزخارف الاسلامية النباتية والهندسية الملونة والبسيطة الدائرية والمستقيمة، اللولبية والمتعرجة والكتابية والمنفذة بالحجر والاصباغ والمعادن الشائعة والثمينة على الخشب والحجر والزجاج والرخام وفي كل الاماكن وعلى كل الادوات واللوازم التي تشكل معا عالم المسلم رحيب وحياته اليومية العامة والخاصة في وقت واحد . فليس غريبا اذاً ان لا نجد بالعربية كلمة بمقطعين او ثلاثة مقاطع او اكثر تعبر عن بذاتها عن الاشكال والتزيينات والزخارف والكتابات والرسوم، ولا شك ان الغرب استعمل لفظتة قبل وقوفه الواعي على تلك الموسوعة الفنية متأثرا بالوحدة التي تجمع عناصرها وتهيمن على الفن الاسلامي ككل ومنطلقا من نظرة " جشتالتية " لعالم واسع الارجاء متعدد الجوانب لكنه في الوقت نفسه متناغم الاصداء مترابط الفكر والالهام .

لم تصل هذه اللفظة الصعبة على التعريف العلمي كما اورد ذلك  " كوهنيل " في مجلة فكر وفن في العدد التاسع عشر الصفحة الثامنة من موضوع الارابيسك بل سبق ذلك منذ القرن التاسع عشر وقت عرفها الالماني "  الويس ريفل " اوما بعدها  اذ توالت الدراسات حولها ولم تتوقف بعد فكان نصيبها من دائرة المعارف الاسلامية صفحات محدودة مزينة بالرسوم التوضيحية، كما كتب المستشرق الالماني " ارنست كونل " في بحثه اشارة الى  "ريفلت "وكان الاكثر تخصصا من بقية المستشرقين حيث الف كتابين في ذلك الاول في الفن الاسلامي والثاني اسماه الارابيسك وقد احتاج الى ما يقرب الى الاربعين صفحة للتعريف والى ما يزيد عن الثلاثين رسما توضيحيا .

كما اكد الكسندر بابادوبولو في كتابه الاسلام والفن الاسلامي على موضوع الارابيسك في العديد من الصور والرسوم التوضيحية والمخططات .

وهكذا جهد الكثير من المؤلفين والمستشرقين في ايضاح لفظة الارابيسك، ورغم كل ما كتب تبقى معلوماتنا عن هذه العناصر مشوشة ان لم نطلع على الزخارف نفسها لا على صورها ووصفها كما لا يمكن ان نفهم التفسير والمدلول الفكري وربما الروحي الذي تعطينا اياه تلك الروائع ان لم نكن ملمين بكل ما يرتبط بالفكر الاسلامي ككل لا بالفن والعمارة فقط .

والارابيسك زخارف يتميز بها الفن الاسلامي دون الامم الاخرى وهو يقوم على اختصار خطوط التزيين النباتية المؤلفة من براعم واوراق متفرعة ومتصلة ومنوعة، دائمة الاتصال واذا اخذنا تفصيلا نرى ان الغصن الدائري يبدأ بها وانها تكمله او تنهيه وهو يتموج ويتشابك ويصبح حلزونيا احيانا يطل من خلف الاوراق ومن بينها احيانا ويتشابك الغصن مع الاوراق فهو امتداد له وهي امتداد لها .

واكثر النماذج النباتية استعملت الارابيسك بشكل متكرر ومتقارب  ومروحي وبيضاوي ومتشابك، مع التقيد باداء الحركة بانسجام وتناوب وايقاع وتوزيع للزخارف بطريقة مدروسة لملئ الفارغ وتكسبه كامل السطح بدوران هادئ متوازن لا انفعال في تحركه ولا مفاجأات في التفاته مع المحافظة على عنصر الادهاش في القاء المشاهد وسط متاهات وخطوط على ارضية مربعة او مخمسة او مسدسة او مثمنة او دائرية ... الى اخره . ولكن بلا حدود فالمساحات الهندسية تتكرر وتتوالد بصورة لا متناهية .

وتدخل الكتابات في التزيين فتستقر الحروف على الاغصان او تتحد معها او تشكل المضلعات والاشكال المتداخلة وكثير ما اجتمعت الزخارف النباتية والهندسية وكثيرا ما كانت خلفية لكتابات كوفية او ثلثية ربما انتهت الحروف بتشكيلات بنائية والفت معها لحنا زخرفيا واحدا وربما تناغمت معها باشكال وخطوط مبسطة لصور حيوانات اسطورية او لاقنعة او لطيور خرافية وخيول وجمال واسود وبشر فيما ندر .ويتخذ الارابيسك انواع كثيرة من الاشكال ولكن يمكن تصنيفها الى مجموعتين اساسيتين :

 

الاول : يعتمد على الخطوط المستقيمة والزوايا ويسمى (بالتسطير)، وهو الزخارف الهندسية .

 

والثاني : يركز على الخطوط المنحنية واجزاء الدائرة واللولب والتجريد النباتي ويطلق احيانا عليه (بالتوريق) او (التشجير) او (التزهير) . والهندسي تنضوي تحت لوائه المضلعات بانواعها كما يقوم الخط الكوفي بدوره كالزخارف الهندسية على المعادلات الرياضية وعلى العقل والمنطق والقواعد ومجموعة الادوات من مسطرة ومنقلة وبركار وعلم الزوايا .

اما النباتي فيعتمد على الطبيعة و كل ما يذكرنا بالزهريات والورديات والاغصان وانواع عديدة من الاوراق النباتية والشجيرات واحيانا قليلة صورا لحيوانات . ولم يكن الخط العربي بعيدا عنها اذ غالبا ما كان يزين صفحات عديدة للمخطوطات جنبا الى جنب مع الزخارف باشكالها المتعددة حتىسمي احيانا بالزخارف الكتابية .

لقد اجتهد الفنان المسلم في المزاوجة بين الزخارف الملونة والخطوط بانواعها المتعددة لينتج اعمالا فنية هائلة تعددت استخداماتها في العمارة والمخطوطات وعلى النسيج والزجاج ومختلف  المواد وكان لكل منها خصائصه الفنية والجمالية والتقنية .

وليس بالضرورة ان يكون النوعان مستقلين عن بعضهما، اذ غالبا ما نجد اعمالا فنية اسلامية تضم كل انواع الزخارف او بعضا منها حيث تتشابك ووتعانق وتتقابل وتتماثل عناصرها بتناسق عجيب قل نظيره، حتى لم يعد الرآئي يميز بداية او نهاية هذه الزخارف بانواعها . ذلك ان الفنان المسلم انتهت عنده حدود المساحة اما المشاهد فانه يستمر في خياله في البحث والدوران بين الشموس والنجوم وحركة الاغصان والعناصر التي تستمر ولا تنتهي فتارة يجول مع الخطوط وتارة اخرى يسكن الفضاءات التي تحيط بها تلك الخطوط .

ومما لا شك فيه ان الاقوام التي دخلت الاسلام كانت تمتلك العديد من المفردات الفنية والجمالية التي تمثل ارثها الحضاري والتاريخي والفني ولكن دخولها للاسلام هذب من اشكال هذه الرموز والاشكال في طابع يتسق مع الفكر الاسلامي وهكذا انصهرت العديد من هذه المفردات في اطار الفن الاسلامي الذي برزت شخصيته الكبيرة . وفي نفس الوقت لم تلغٍ تلك الخصوصيات الجمالية للامم والشعوب وان كان من المتفق عليه ان الفن الاسلامي المنضوي تحت الحضارة العربية الاسلامية الغى الكثير من الحدود المكانية والزمانية لجعل الفن يتسم بالطابع الفكري للاسلام الذي لا يحده زمان او مكان فقد نجد بابا خشبيا من العصر الفاطمي يحتوي على حشوات زخرفية تتكرر ذاتها في باب اخر من العصر العثماني . كما ان العديد من النسب الذهبية تتكرر في العمارة الاسلامية مع اختلاف مكانها وزمانها وهذا ما يؤكد وحدة الذهنية الفكرية في الاسلام باعتبار وحدانية الفكر مصدر تشريعه هو الله سبحانه وتعالى وهذه الوحدة الفكرية وحدت بدورها منطلقات هذا الفن ومصادره وعناصره الاساسية مع اختلاف اشكاله ونتائجه وهو ما نسميه الان بفن الوحدة بالتنوع .

واذا اردنا البحث عن المصادرالاساسية لفن الارابيسك لدى بعض الدارسين للفنون الاسلامية فانهم يعيدون كل عنصر من عناصر الارابيسك الى مصدر معين فالمربع والمسدس والمثمن وكل المضلعات تعود الى العقيدة الكوكبية السومرية وتدل في الديانات القديمة الى معاني محددة وترمز الى مفاهيم ترتبط بعناصر الحياة، فالمربع اساس المضلعات وكان يرمز الى الارض وحركتها و على محور التقاء الخطوط وزواياها تتشكل كل المضلعات المعقدة وتتفرع منها النجوم وكلما ازدادت سرعة الدوران كلما اقتربنا من الدائرة رمز الدوام والسماء .

وقد وجد اخرون بان اصول الفنون الاسلامية في الزهور الساسانية وفي عناصر الزخرفة المجردة وفي الالبسة القبطية والرموز اليعقوبية والخطوط المسمارية والفرعونية والالوان الهلينستية، اما النماذج الحلزونية والخطوط اللولبية فيقول البعض ان مصدرها شجرة العنب السحيقة القدم في زخارف سومر واليونان .

ومهما عددنا فان مصادر الارابيسك اكثر من ان تعد او تحصى في العديد من الحضارات والديانات والمجتمعات وخلاصة ذلك هو مركب من تلك الحضارات والمعتقدات والفنون في اطار جديد ومفهوم جديد .

لقد نشأ الفن الاسلامي وتطور في ارض الحضارات ووجد ارثا كبيرا استند عليه وكان له دور مهم اسهم الى حد بعيد بسرعة وتطوره واتاح له المناخ الملائم ليتبوأ المكانة المرموقة بين فنون الحضارات الانسانية .

لم يتوقف الارابيسك في التطور والنمو عن حدود معينة وانما دخلت الخامات المتعددة والمعالجات المختلفة فكان يتصدر المكان البارز في العمارة والخطوطات والاثاث والزجاج والخزف والاخشاب والمنابر والمحاريب والمنسوجات والعديد من الادوات والمعدات التي كان يستخدمها الانسان .

وامام هذا التنوع والثراء الهائل للأرابيسك برز تأثيره في العديد من فنون الحضارات الاخرى فقد نقل الارابيسك الى ايطاليا " فرانشيسكو ديبلاغرينو"  وظهرت العديد من نماذجه في قصر" فونتانبلو" ورواق فرانسوا الاول، كما ذكر ذلك الكسندر بابا دوبولو في كتابه عن الارابيسك .

كما كان" لهانز هولبين " الابن و"بيتر فلتنر" الدور الاهم في نقل الارابيسك الى المانيا وكان من نتائج هذه التأثيرات ان وصل الارابيسك الى ابواب الكنائس والمذابح وصور القديسين والسيد المسيح (عليه السلام) ورداء تتويج الاباطرة وواجهات القصور في بافاريا وانسجة الملابس والمفروشات.

ولعل العديد من نماذج ليوناردو دافنشي كانت تستمد جمالها من روحية الارابيسك كما ظهرت تأثيراته على العديد من فناني اوروبا .

لقد كان الارابيسك يمثل قيما تجريدية راقية على مستوى العناصر الفنية في الخط واللون والمساحة والنسبة والحركة والايقاع والاتجاه، اي انه اكتسب كل مقومات الفن الجميل والتطبيقي ولم يكن ذلك يمثل عزوف الفنان المسلم عن تصوير الاشخاص الذي شاع الاعتقاد بتحريمه او المشكوك بقيمته بل جاءت فكرة الارابيسك لتؤصل فكرة التجريد في ذهن الفنان المسلم بعفوية وادراك جعلته يبتكر وبمفارقة عجيبة عنصري التجريد والحركة فناً حركيا يدرك قيمة الوعي الرياضي في الفن الاسلامي انعكس على كل منتجات الفن الاسلامي .

ولعل من ابرزها فن العمارة الاسلامية التي كانت من ابرز ما جسد الفن الاسلامي كسمات حقيقية ذو هوية مميزة عكست الطابع الديني والفكري للانسان المسلم وبطبيعة العمارة كانت تضم العديد من الفنون الاخرى كما هو الحال في العمارة اليونانية التي كانت تضم فنون النحت والرسم والخزف والمعادن ...الخ، وكذلك في الفنون الاسلامية فقد كانت العمارة تضم فنون الكتابة والخط والزخرفة واشغال المعادن واعمال الحفر على الرخام والحجر والاجر والخشب والزجاج والنقش على المنسوجات اي ان العمارة كانت ملتقى لكل الفنون الاسلامية وادابها وقيمها الجمالية والفنية .

وبعد كل هذا ليس ببعيد عندما يكتسب الفن الاسلامي كمبنى ذلك البهاء القدسي الذي يحيط به، لا كل ما تداوله في عمارة المساجد والمدارس .

ودور العلم كان ذو علاقة وثيقة بايات الذكر الحكيم او باقوال المصطفى (عليه السلام) او بمأثور القول وصافيات الحكم .

لا يخفى ان فن العمارة في كل الحضارات تأثر ببعض فتارة تؤثر الابراج واخرى الاقواس والابواب والمداخل، ولكن هذه المفردات والعناصر اكتسبت خصائص مميزة في العمارة الاسلامية ولم تعد تشكل فناً جميلا وحسب وانما تحولت الى فن تطبيقي يقصد منه الجمال والوظيفة في افضل مستوياتهما، واستعراضنا للعمارة الاسلامية والمفردات التي تتكون منها تبرز لنا هذه الخصوصية الجمالية والفكرية على المستوى الانساني والفني والجمالي .

ويؤشر لنا فن العمارة الاسلامية نجاحه الباهر في تحقيق التوازن التام بين الجوانب المادية والمشاعر الروحانية من خلال مجموعة من القواعد والاسس والتراكيب التي توصل اليها كل من المعماري والفنان المسلم وامكنه من خلالها حل مشاكل البناء بحلول فعالة، ومتوائمة تماما مع عقيدته الدينية السمحاء وبما ياحفظ على القيم والتقاليد الاجتماعية مع توضيف معطيات بيئته او جلب ما لم يكن متوافرا في بيئته وتصنيعه وتعديله حتى يتوافق مع قيمه وبيئته .

لقد حقق معالجة فعالة في مجال تقليل الضوء باستخدام المشربية او الروشان او الشناشيل وكذلك عن طريق نوافذ الزجاج المعشق بالجص وكان ذلك احد مظاهر العمارة الاسلامية التي جاءت متوافقة مع الظروف المختلفة للمجتمع الاسلامي .

لقد كان للعمارة الاسلامية موقفها البناء ذو الحوار مع الطبيعة منذ نشوئها وازدهارها وتألقها اذ لم تصارع او تتحددى او تتناقض مع الطبيعة بل هي عكس ذلك تماما نراها اول ما تحسب حساب حضور الشمس ونورها وحرها وحضور الرياح والهواء وتقلبهما وجفافها ورطوبتها وحضور الصحراء وامتدادها وسرابها وحضور الماء الطير والشجر وحضور الماء والطير والشجر وحضور الفضاء والنجم والقمر والجهات الاربعة واتجاه القبلة . فكانت العمارة الاسلامية على علاقة حميمة مع الطبيعة ولم تكن لتطمح اذ ان تكون شاهد قوة على انتصار او تحد للاخرين، سواء كان ذلك بيزنطيا او هيلستيا او اشوريا او بابليا او فرعونيا اذ لم يكن القصد في الرسالة الاسلامية اعلان انتصار الانسان من خلال ما كان يعني انتصار الكلمة المنزلة من الله العليل القدير .

لهذا فان اي قراءة جمالية للعمارة الاسلامية معقود حول علاقة الاطراف بالمركز او علاقة المحيط بالنقطة المركزية وكيف تدور المفاهيم والافكار حول نقطة معينة تشع منها وتتجلى على الكل .

تضم العمارة الاسلامية العديد من المفردات والعناصر ذات الدلالة الوظيفية والجمالية ما بين العقود وانواعها والتيجان واشكالها والاعمدة والمحاريب والمنابر والابواب والقباب والمنائر والمقرنصات والعديد من المفردات الاخرى التي تجتمع بتناغم ووحدة قل نظيرها في فنون الحضارات الاخرى . وهذه الوحدة تقوم على تنوع هائل يلغي حالة الرتابة والملل التي تثيرها الاشكال المتكررة . وكان للرموز واشكال العمارة الاسلامية ومفرداتها تأثيرها الكبير الذي انعكس على كل المفردات الفنية التي تداولها الانسان المسلم، فنحن نرى بدقة اثار العمارة على تكوين الخطوط العربية وزخارفها من الناحية البنائية وعلى التحف المعدنية والابواب الخشبية وتصميمها وقد اثر هذا الاستخدام تنوع المواد الخام التي كان يستخدمها الفنان المسلم بعناية ودقة كبيرتين .

وكانت مفردة الارابيسك حاضرة في كل منتجات الفن الاسلامي الذي اصطبغ بصبغتها واكتسب صفاتها وخصائصها ومنحها هويتها الجمالية والوظيفية .

 تابع القسم الثاني من الدراسة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1087  الثلاثاء 23/06/2009)

 

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم