قضايا وآراء

حرب الحكومة العراقية ضد الأكاديميين ..

في العهد الملكي ما ان ترعرت وتطورت الطبقة الوسطى وفئة المثقفين حتى بدأت الدولة تستعين بهم في كل انشطتها السياسية والإقتصادية والثقافية والقانونية ، فمنذ ثلاثينات القرن الماضي ومع بروز اول كوكبة من المثقفين وخريجي المؤسسات العلمية حتى بدأت الحكومات المتعاقبة تدعمهم وتدفعهم الى الأمام وتعطيهم المواقع السياسية والقيادية بإعتبارهم نتاج الدولة العراقية الجديدة والناشئة والفتية . وهكذا شارك الشباب الجديد انذاك في تطوير الدولة وقيادتها اعتبارا من كامل الجادرجي وعبد الوهاب محمود وعبد الفتاح ابراهيم وحسين جميل وصديق شنشل وغيرهم .

في بداية الخمسينات تقدمت الدولة خطوة اخرى وبمبادرة من الوصي على عرش العراق الأمير عبد الأله ونوري السعيد بدأ الأكاديميون يأخذون دورهم ويدخلون عالم السياسة من اوسع الأبواب ، فتسنم الدكتور فاضل الجمالي وزارة الخارجية ثم رئاسة الوزراء ودخل الوزارة الدكتور نديم الباججي والدكتور رشدي الجلبي وغيرهم .

في العهد الجمهوري شارك في اول وزارة الدكتور طلعت الشيباني والدكتور جابر عمر والأستاذ ابراهيم كبة والدكتور فيصل السامر وكلهم من الأساتذة الجامعيين.

بل ان حكومة البعث التي اتت بعد انقلاب 8 سباط 1963 لم تشذ عن القاعدة . وفي العهد العارفي كان للأكاديميين دورا كبيرا فقد اسندت رئاسة الوزراء الى الأستاذ عبد الرحمن البزاز واسندت مناصب وزارية الى الكثير من الأكاديميين . واستمر البعثيون بعد 1968 على السير بنفس النهج حتى بداية الثمانينات في عهد صدام حيث قلب صدام للأكاديميين ظهر المجن وتجاهلهم وبدأ يستعين بالجهلاء من الأقارب والمحاسيب وبدأ بهذا الإنحدار الحقيقي للدولة العراقية .

العهد الحالي يسير على نفس النهج الذي اخطته صدام باستبعاد الأكاديميين العراقيين واقصائهم واإستعانة بالمحازبين والربع من الجهلاء والأميين اصحاب الشهادات المزورة والذين فضحونا امام العالم بفسادهم وجهلهم بل وصل الأمر بالعهد الحالي الى محاربة الأكاديميين في رزقهم واحالتهم على التقاعد وهم بعد في اوج عطائهم .

اما بخصوص الأكاديميين العراقيين المغتربين، فأوضاعهم اصعب . فهناك الاف الأكاديميين الذين هاجروا الى دول الجوار والى اوربا وامريكا واسيا منذ عهد صدام والذين فقدوا حتى حقوقهم التقاعدية وحرمو منها . وهناك المئات منهم ممن لا يجدون قوت يومهم مع ان لهم خدمة تقاعدية في ذمة الوطن الذي نهبه اللصوص والفاسدين وتجار الشعارات الذين يرفعون هذه الشعارات مرة باسم الدين ومرة باسم الديمقراطية وفي كل مرة باسم التحرر من الدكتاتورية والطغيان ليتحولوا هم الى طغاة صغار يأكلون اموال العراق ويغرقون بالسحت الحرام ليتحول البلد الى غابة للسلب والنهب والفرهود فالناس على دين ملوكها .

يبادر بعض افراد طاقم احزاب النظام بين آونة واخرى الى اقامة مهرجانات يسمونها ثقافية او مؤتمرات يقال انها للأكاديمين العراقيين ولكن في حقيقة الأمر يدعى لها بضعة من الأكاديميين فقط اما البقية فهم من الأنصار او المصفقين او المستفيدين . وهذه لعبة قديمة اجادها نظام صدام اكثر من النظام الحالي ، ثم يرافق ذلك بضعة ايام في فندق الرشيد مع استضافة كاملة وتنتهي (الزفة) وتتعالى الأصوات في الفضائيات في تمجيد النظام الذي (يرعى) ابناء العراق . ويعود كل الى مكانه كما يعود النظام الى نهجه العتيد في سدً اذانه عن الشكاوى الأكاديميين الذين ضاعت حقوقهم التقاعدية بين الموظفين البيروقراطيين وبين تقلبات النظام الكثيرة والمتناقضة والتي تحتاج الى (فتاح فال) ليحل الغازها .

يأتي بعض سياسيي آخر الزمن ممن اختارهم الناس وهم مغمضين العيون في اوج الصراع الطائفي الذي لم يستفد منه سوى تجار الأحزاب السياسية ليطالبوا بامتيازات لا حصر لها وبدون وجه حق وبعد خدمة عدة اشهر كما حدث مع اعضاء الجمعية الوطنية السابقة او مع اعضاء مجلس النواب الحالي الذين ضربوا اسوأ مثال لتحمل المسؤولية .

ان الأكاديميين العراقيين الذين خدموا عشرات السنيين وخرًجوا اجيال واجيال في جامعاتهم يواجهون بشروط تعجيزية لإنجاز معاملاتهم التقاعدية ومنهم كاتب هذه السطور الذي خدم( 38) سنة منها (28) سنة في العراق و ( 10 ) سنوات في الجامعات العربية واخرون كثيرون الذين ضاعت حقوقهم التقاعدية بعد خدمة طويلة من امثال الدكتور جمال الشمري وغيره من مئات الأساتذة الجامعيين العراقيين في الدانمارك او في كل انحاء العالم .

ومن المفارقات الغريبة لتصرفات النظام هو انه يوجه النداء اثر النداء لعودة الكفاءات العراقية المغتربة في الوقت الذي يحيل فيه زملائهم في الداخل على التقاعد بالجملة اما الذين يعودون من كفاءات الخارج فيواجهون بقائمة طويلة من الشروط التي لا اول لها ولا اخر وبعد معاناة وعذاب لعدة اشهر يعودون صفر اليدين وبخفي حنين الى بلدان المهجر، لذا فنحن لفيف من الأكاديميين المغتربيين في بلدان المهجر ننوي تشكيل لجنة مفتوحة للمطالبة بحقوق الأكاديميين العراقيين المغتربيين، ونهيب بجميع الأكاديميين رفع اصواتهم بالمطالبة بحقوقهم الضائعة .

  الدكتور عبد الجبار منديل/اكاديمي عراقي – كوبنهاغن حرب الحكومة العراقية ضد الأكاديميين ..د.عبد الجبار منديل

لم يحدث في اي مرحلة من مراحل التاريخ السياسي للعراق الحديث ان تم تجاهل الأكاديميين والمثقفين العراقيين ومحاربتهم بهذه الصورة البشعة كما يحدث الأن في العراق ( الجديد).

في العهد الملكي ما ان ترعرت وتطورت الطبقة الوسطى وفئة المثقفين حتى بدأت الدولة تستعين بهم في كل انشطتها السياسية والإقتصادية والثقافية والقانونية ، فمنذ ثلاثينات القرن الماضي ومع بروز اول كوكبة من المثقفين وخريجي المؤسسات العلمية حتى بدأت الحكومات المتعاقبة تدعمهم وتدفعهم الى الأمام وتعطيهم المواقع السياسية والقيادية بإعتبارهم نتاج الدولة العراقية الجديدة والناشئة والفتية . وهكذا شارك الشباب الجديد انذاك في تطوير الدولة وقيادتها اعتبارا من كامل الجادرجي وعبد الوهاب محمود وعبد الفتاح ابراهيم وحسين جميل وصديق شنشل وغيرهم .

في بداية الخمسينات تقدمت الدولة خطوة اخرى وبمبادرة من الوصي على عرش العراق الأمير عبد الأله ونوري السعيد بدأ الأكاديميون يأخذون دورهم ويدخلون عالم السياسة من اوسع الأبواب ، فتسنم الدكتور فاضل الجمالي وزارة الخارجية ثم رئاسة الوزراء ودخل الوزارة الدكتور نديم الباججي والدكتور رشدي الجلبي وغيرهم .

في العهد الجمهوري شارك في اول وزارة الدكتور طلعت الشيباني والدكتور جابر عمر والأستاذ ابراهيم كبة والدكتور فيصل السامر وكلهم من الأساتذة الجامعيين.

بل ان حكومة البعث التي اتت بعد انقلاب 8 سباط 1963 لم تشذ عن القاعدة . وفي العهد العارفي كان للأكاديميين دورا كبيرا فقد اسندت رئاسة الوزراء الى الأستاذ عبد الرحمن البزاز واسندت مناصب وزارية الى الكثير من الأكاديميين . واستمر البعثيون بعد 1968 على السير بنفس النهج حتى بداية الثمانينات في عهد صدام حيث قلب صدام للأكاديميين ظهر المجن وتجاهلهم وبدأ يستعين بالجهلاء من الأقارب والمحاسيب وبدأ بهذا الإنحدار الحقيقي للدولة العراقية .

 

العهد الحالي يسير على نفس النهج الذي اخطته صدام باستبعاد الأكاديميين العراقيين واقصائهم واإستعانة بالمحازبين والربع من الجهلاء والأميين اصحاب الشهادات المزورة والذين فضحونا امام العالم بفسادهم وجهلهم بل وصل الأمر بالعهد الحالي الى محاربة الأكاديميين في رزقهم واحالتهم على التقاعد وهم بعد في اوج عطائهم .

اما بخصوص الأكاديميين العراقيين المغتربين، فأوضاعهم اصعب . فهناك الاف الأكاديميين الذين هاجروا الى دول الجوار والى اوربا وامريكا واسيا منذ عهد صدام والذين فقدوا حتى حقوقهم التقاعدية وحرمو منها . وهناك المئات منهم ممن لا يجدون قوت يومهم مع ان لهم خدمة تقاعدية في ذمة الوطن الذي نهبه اللصوص والفاسدين وتجار الشعارات الذين يرفعون هذه الشعارات مرة باسم الدين ومرة باسم الديمقراطية وفي كل مرة باسم التحرر من الدكتاتورية والطغيان ليتحولوا هم الى طغاة صغار يأكلون اموال العراق ويغرقون بالسحت الحرام ليتحول البلد الى غابة للسلب والنهب والفرهود فالناس على دين ملوكها .

يبادر بعض افراد طاقم احزاب النظام بين آونة واخرى الى اقامة مهرجانات يسمونها ثقافية او مؤتمرات يقال انها للأكاديمين العراقيين ولكن في حقيقة الأمر يدعى لها بضعة من الأكاديميين فقط اما البقية فهم من الأنصار او المصفقين او المستفيدين . وهذه لعبة قديمة اجادها نظام صدام اكثر من النظام الحالي ، ثم يرافق ذلك بضعة ايام في فندق الرشيد مع استضافة كاملة وتنتهي (الزفة) وتتعالى الأصوات في الفضائيات في تمجيد النظام الذي (يرعى) ابناء العراق . ويعود كل الى مكانه كما يعود النظام الى نهجه العتيد في سدً اذانه عن الشكاوى الأكاديميين الذين ضاعت حقوقهم التقاعدية بين الموظفين البيروقراطيين وبين تقلبات النظام الكثيرة والمتناقضة والتي تحتاج الى (فتاح فال) ليحل الغازها .

يأتي بعض سياسيي آخر الزمن ممن اختارهم الناس وهم مغمضين العيون في اوج الصراع الطائفي الذي لم يستفد منه سوى تجار الأحزاب السياسية ليطالبوا بامتيازات لا حصر لها وبدون وجه حق وبعد خدمة عدة اشهر كما حدث مع اعضاء الجمعية الوطنية السابقة او مع اعضاء مجلس النواب الحالي الذين ضربوا اسوأ مثال لتحمل المسؤولية .

 

ان الأكاديميين العراقيين الذين خدموا عشرات السنيين وخرًجوا اجيال واجيال في جامعاتهم يواجهون بشروط تعجيزية لإنجاز معاملاتهم التقاعدية ومنهم كاتب هذه السطور الذي خدم (38) سنة منها (28) سنة في العراق و (10) سنوات في الجامعات العربية واخرون كثيرون الذين ضاعت حقوقهم التقاعدية بعد خدمة طويلة من امثال الدكتور جمال الشمري وغيره من مئات الأساتذة الجامعيين العراقيين في الدانمارك او في كل انحاء العالم .

ومن المفارقات الغريبة لتصرفات النظام هو انه يوجه النداء اثر النداء لعودة الكفاءات العراقية المغتربة في الوقت الذي يحيل فيه زملائهم في الداخل على التقاعد بالجملة اما الذين يعودون من كفاءات الخارج فيواجهون بقائمة طويلة من الشروط التي لا اول لها ولا اخر وبعد معاناة وعذاب لعدة اشهر يعودون صفر اليدين وبخفي حنين الى بلدان المهجر، لذا فنحن لفيف من الأكاديميين المغتربيين في بلدان المهجر ننوي تشكيل لجنة مفتوحة للمطالبة بحقوق الأكاديميين العراقيين المغتربيين، ونهيب بجميع الأكاديميين رفع اصواتهم بالمطالبة بحقوقهم الضائعة .

 

الدكتور عبد الجبار منديل/اكاديمي عراقي – كوبنهاغن

  

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1058  الاثنين 25/05/2009)

في المثقف اليوم