قضايا وآراء

اهل الهمة .. على طريق الخير الهاشمي الكريم

والوقوف عندها بكل حكمة وروية. فالعيش (او صراع البقاء) في عالم القرن الواحد والعشرين، الذي يشهد موجات عديدة من التغيرات والتقلبات والاضطرابات الحادة والمخاطر الشديدة الحساسية على مسرح الاحداث الدولية، يتطلب منا في التعاطي معها الى الابتعاد كليا عن قصر النظر والتخلي عن مباديء التفكير الضيق المحصور في نطاق محدود، كي تتسنى لنا اعادة النظر في سمات عالمنا الجديد البارزة في شواهد كثيرة برؤية اكثر شمولية وبصيرة اكثر وضوحا.

 

من هذه الملامح خذ مثلا عولمة الاقتصاد في ظل النظام الليبرالي العالمي الحالي وما نجم عنها من ويلات الازمة المالية الدولية الراهنة وتداعياتها السلبية التي عصفت بمختلف اقتصاديات العالم، وصراع الحضارات (وفق مصطلح او اطروحة صموئيل هنتينغتون) بين ثقافات العالم المتنوعة والمتناظرة، وجدار الامان العالمي المتصدع، والتقدم التكنولوجي الهائل والمتسارع بسرعة الضوء (300.000 كم/ث او 186.000 ميل/ث)، ناهيك عن مجيء عملاق الانترنت الذي حل بين ظهرانينا ودخل علينا "واثق الخطوة يمشي ملكا" (على راي الشاعر الدكتور ابراهيم ناجي في قصيدة الاطلال الشهيرة)، وغير معالم الاتصالات، واعاد هيكلة التواصل الانساني وتعامل البشر مع بعضهم البعض، واوجد وسائل ومفاهيم عصرية جديدة كالتجارة الالكترونية والبريد الاثيري والتعليم عن بعد والتعارف الانساني عبر غرف الدردشة والتفاعل الاجتماعي الافتراضي.

 

بالاضافة الى ان هناك مسائل لوجستية اخرى ذات اهمية محورية قصوى يجب علينا ان لا نتوانى في وضعها على راس قائمة اجنداتنا وان نوليها جل الاهتمام الذي تستحقه، من خلال ارساء ارضية صلبة ومتينة لتضافر الجهود الدولية المشتركة بحيث تستجيب لمتطلبات المجتمع الكوني في ايجاد حلول اسعافية عاجلة وشافية لها. فموضوع الحفاظ على البيئة مثلا، ومسالة تدبير ومعالجة النفايات المنزلية والصناعية الخطرة، وقضية الاحتباس الحراري، والتغيرات المناخية المؤرقة (كالثقب الحاصل في طبقة الاوزون وشح المياه في انحاء كثيرة من العالم) تفرض علينا (شئنا ام ابينا) التحرك السريع باتجاه اتخاذ الخطوات والتدابير المناسبة للتعامل معها بكل حزم وثبات وبدون ادنى ارجاء. كما يجب ان لا تغيب عن بالنا ايضا مسالة الانبعاثات الغازية للدول الصناعية الديناميكية الكبرى (كغاز ثاني اكسيد الكربون وغاز الميثان) والادخنة الناجمة عن حرائق الغابات التي تلزمنا بضرورة العمل باقصى درجات الجدية على خفضها بالقدر الذي يكفل لنا حماية قريتنا الصغيرة التي نعيش فيها جميعنا (وبدون استثناء) من مخاطر التلوثات البيئية من هواء وماء وضوضاء، داعين الله عز وجل ان يكسبنا قسطا وفيرا من الحصانة والمناعة ضد هذه التغييرات، علنا نتمكن باذنه تعالى من تجنب اثارها السلبية على جميع سكان الارض وانماط حياتهم وسلوكياتهم اليومية.

 

خذ كذلك قضايا شائكة اخرى مثل الارتفاع المضطرد في معدلات البطالة، واضطراب الاسواق المالية (كما هو الحال في جنوب شرق اسيا)، والمجاعات الفظيعة في مناطق مختلفة من العالم (كمنطقة القرن الافريقي مثلا) وما خلفته من فقر مدقع واوبئة خطيرة لا يعلم بمداها الا الله عز وجل، وحرمان الكثيرين من فرص عادلة ومتساوية للتعليم، وتراجع مستوى الخدمات الصحية، والامن الغذائي والمائي، وحقوق الطفل، والعنف ضد المراة، والكوارث الطبيعية الرهيبة، ناهيك عن الصدمات الخارجية الفجائية (كصدمات العرض والازمات المالية) التي تعصف بنا يمينا وشمالا وتقلب احوالنا راسا على عقب.

 

فللتعامل مع مسالة البطالة والفقر والامراض الفتاكة (كمرض باركنسون/الزهايمر والسرطان والسل والسكري والكبد الوبائي) على الصعيد المحلي مثلا، تحضرنا هنا بعض التساؤلات الفضولية عن المبادرات الوطنية الريادية للنشامى من اهل الخير، الذين يهبون لمساعدة الغير ولا يدخرون وسعا في مد يد العون للمحتاجين واصحاب الاحتياجات الخاصة، اسوة بمبادرة "اهل الهمة" الكريمة التي اطلقتها مشكورة بعظيم الثناء وجزيل الامتنان جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظمة بالمناسبة العطرة للذكرى العاشرة لتولي سيد البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم (اطال الله في عمرهما وادام عليهما وافر الصحة والعافية) سلطاته الدستورية وجلوسه الميمون على عرش المملكة الاردنية الهاشمية، هذه المبادرة العظيمة التي ساهمت في تخفيف الكثير الكثير من معاناة المواطنين الاقل حظا الذين يعانون من سوء اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، في مجالات عديدة كالصحة والعمل والزراعة والتجارة والتعليم والتدريب المهني، على سبيل المثال لا الحصر.

 

فهل سنشهد في المستقبل القريب مثلا انشطة اقتصادية ومشاريع استثمارية (انتاجية وزراعية وتجارية وسياحية وخدمية وتدريبية وتعليمية ... الخ) جديدة ورائدة على مستوى المملكة، تضع نصب اعينها المسؤولية الاجتماعية والحس الوطني المتعاطف قلبا وقالبا مع المجتمع والمواطن بحيث يتحقق معها خلق وظائف مبتكرة لتشغيل العاطلين عن العمل وتوفير فرص جديدة لتدريب الشباب والشابات مهنيا من اجل الارتقاء بمستواهم الثقافي وتاهيلهم لسوق العمل المحلي، الامر الذي من شانه ان يعمل على توفير كوادر مؤهلة للشركات والمؤسسات والمصانع والمزارع، وزيادة مداخيل الافراد وتحسين ظروفهم المعيشية وبالتالي الحد من تفاقم معدلات الفقر ونسب البطالة القسرية المتزايدة، اضافة الى رفع مستوى الايرادات الضريبية المباشرة للدولة (من دخول الافراد وارباح المصالح التجارية على راس المال) التي لا تدخر جهدا في توفير سلة كبيرة ومتنوعة من الخدمات الجليلة للمواطنين (كالرعاية الصحية والتنمية الاجتماعية وصيانة البنى التحتية وانشاء المرافق العامة وترميم الطرق والجسور ... الخ)؟

 

من هنا، نحن في الحقيقة بامس الحاجة الى افكار ريادية متطورة ومبادرات فريدة من هذا القبيل، تنطلق من قواعد راسخة ومعايير عالية من التكامل الاجتماعي الواحد والتضامن الشعبي المتماسك الذي يحفزه ويغذيه احساس رفيع المستوى بهموم الناس واحوالهم المعيشية الدقيقة وظروف حياتهم الصعبة، عملا وتجسيدا حيا لمقولة سيد البلاد "الاردن اولا". ان هذا الامر على درجة كبيرة من الاهمية كونه سيمكننا بعون الله جل علاه من احتواء متاعبنا والسيطرة على مشاكلنا والتعاطي معها باساليب اكثر واقعية وحلول اكثر فاعلية. وكم سيكون جميلا ورائعا لو ان مبادرة جلالة الملكة الطيبة اصبحت نموذجا يحتذى به في اماكن اخرى من العالم. لا شك اننا سنشهد تغييرات ايجابية ومشجعة على صعيد ايجاد حلول ناجعة ووافية لمشاكل ومتاعب الكثير من المحتاجين حول العالم، الذين سيدعون لجلالتها بالحياة المديدة والعمر الطويل مع كل طالع شمس وصباح مشرق جديد يبشر بالامل والمحبة والعطاء والحياة على طريق الخير الهاشمي الكثير الذي لا تنضب ينابيعه الغزيرة. فلندع المولى العلي القدير ان يديم جلالتها ذخرا وسندا لكل الضعفاء والمحرومين في ظل راية سيدنا المفدى (حفظهما الله ورعاهما)، كما نسال الله جلت قدرته ان يلطف بنا وان يشملنا جميعا بواسع رحمته "وقل لن يصيبكم الا ما كتب الله لكم" (صدق الله العظيم)، ان الله سميع مجيب وغفور رحيم.

 

د. اميل قسطندي خوري

(خبير اقتصادي ومستشار اداري)

 

_______________

د. اميل قسطندي خوري

[email protected]

عمان – الاردن

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1096  الخميس 02/07/2009)

 

في المثقف اليوم