قضايا وآراء

فلنكن صرحاء .. لماذا دافعت عن حلية زواج المتعة

لأن السؤال ليس لماذا تحدثت عن هذا الموضوع، بل السؤال الأصح: لماذا لا أتحدث عنه ولو مرة واحدة فيما ظلت الأقلام في كل مناسبة وغير مناسبة تجعل من هذا الموضوع وسيلة للتشويه والإساءة. هم حقا من يفرض هذا البيان. لقد حاولت أن أقدم بعض الإضاءات حول مسألة زواج المتعة لأغراض تفوق القول بإباحته. ولا قيمة لكل الطعون التي تخرج عن الموضوع كمن يقول هل ترضاه لبناتك أو ماشابه مما تم الاستشكال به قديما على الشيعة فردّوا على هذه التفاهات بأن المسألة تتعلق بحكم شرعي لا بالأهواء الثقافية والشخصية. فلا أحد يرضى لبناته أن يكنّ ضرائر وقد أباحت النصوص ذلك. ولا أحد يقبل أن يزوج أمه لصديقه وهو من المباحات. وأما التنطع لذكر بعض الروايات عن أئمة أهل البيت تقول بحرمة المتعة فهي من المضحكات لجهلة لا يعرفون كيف يتعاطون مع المتون الشيعية. فتلك مما عورض بالأصح منها في تلك المظان فلا داعي للتلبيس ، وكلها إما لا تفيد الحرمة وإما ضعيفة السند . ولا أنوي مزيدا من الأدلة لأنها كافية هناك للعقلاء ولكن المعاند لا نهاية لعناده.  فقد حاولت أن أكشف من خلال ذلك عن فضيحة الفقه الذي استند إليه خصوم الشيعة في النيل من سمعتهم والمضي الأعمى في الإساءة إليهم. في هذا المجال تحديدا يظهر هزال ملكتهم الفقهية وإصرارهم على المغالطة والعناد. وهكذا أصبح الكبت الجنسي عندهم من مقاصد الشرع. وهكذا عارضوا حلاّ شرعيا إنما جاء لأجلهم بشقاوة كلامية وضوضاء مزعجين. وهم في مغالطاتهم يستندون إلى الأدلة الإنشائية نفسها التي استند إليها من حرّم التعدد وقضايا تخص فقه المرأة. وقد عجبت أن بعض المتخلفين يعتبرون المتعة بخلاف حقوق المرأة ولكنهم في مقام الدفاع عن التعدد وما شابه يطعنون في أصل حقوق المرأة ويعتبرون ذلك كفرا بواحا. علما أن المتعة تمنح الحق للمرأة بالقدر نفسه للرجل ، لأن المتعة حل لهما معا. والمرأة هي من تقبل أو ترفض وهي طرف في العقد وهناك أحكام كاملة في هذا الباب. في أصل الموضوع كنت أراعي شريحة من المهمشين ومن الواقعين في الكثير من ألوان الانحرافات بسبب قلة الحيلة والكبت الجنسي الذي لم نعد نستدخله في مقارباتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. لقد نسينا أو تناسينا أن واحدة من أسباب العنف الديني والإرهاب هي هذا الكبت الجنسي. وهذا وحده يفسر لماذا نجد أن من بين هؤلاء من يملكون مال قارون ويعيشون في بحبوحة من العيش إلا أنهم إرهابيون. السبب واضح ، المشكلة جنسية. ولا أريد أن أقول أكثر من هذا الكلام أو أفتح المجال للمقاربة الجنسانية بمفاهيمها وأدواتها العيادية حتى لا يقال بكفر هذه الصناعة وأهلها. فلنبق في الفقه ، هذا أفضل. فهل الطريق إلى المرأة من جهة الرجل أو الطريق إلى الرجل من جهة المرأة ليس له معبر شرعي سوى مؤسسة الزواج بثقل أحكامها ومسؤولياتها أم أن الشارع المقدس نظر في حاجيات بيولوجية ضاغطة على الإنسان فشرع له من الأحكام ما يمكن أن يعوض به فقدان الأهلية والقدرة على الدائم. المسألة في حدود العقل واضحة. إطلاق العلاقات الجنسية بين الجنسين في حدود ما أباحه الشرع والباقي تكمله الأعراف الاجتماعية. يقولون العفة والصبر بدائل عن المتعة وأقول : هل الإرهابيون يصبرون ويتعففون؟! لأننا رأيناهم يستعجلون بلوغ الحور العين في عز شبابهم بقتل الأبرياء في أنانية مقرفة. هل يملك هؤلاء أن يصبروا مدى الدهر دون اللجوء إلى اللّمم وقضايا أخرى وعلى مسافة عمرية طويلة دون أن تبدو منهم معالم الخبال ويصبحون من ذوي اللّوثة؟!

لم أدافع عن زواج المتعة وإنما عالجت مسألة من مسائل الفقه المختلف حولها لأسباب لا صلة لها بالفقه. فالمخالفون يتحدثون بطعون إنشائية بينما الفقه الجعفري يتقيد بالدليل. ماذا كان يضير الشيعة أن يحرموا المتعة وقد تشددوا في قضايا تراخى فيها فقه الجمهور. المسألة هي أننا ندبر خلافنا الفقهي بالجهل لا بالعلم. ومن الجهل أن نحاول طورا نفي الأدلة التي تنهض عليها مشروعية هذا الزواج. وطورا نسعى إلى فرض تأويلات ضعيفة وساذجة لصرفها عن ظاهرها من دون حتى قرينة معتبرة. كان من المفترض أن يكون زواج المتعة مسألة فقهية لا علاقة لها بالنزاع الكلامي بين الشيعة والسنة. يمكن أن تثبت شرعية هذا الزواج عند الفقيه دون أن يكون بالضرورة شيعيا. ولذا فقد اعتقد بها صحابة وتابعون وكثير مما لا يسعنا المقام لصبه صبا فوق رأس القارئ. لكن العناد دفع بالبعض إلى إدخال اعتبارات ساذجة في التحليل الفقهي. بعضهم يحاول أن يردد ـ وكلهم لا يفعلون سوى ترديد ما قيل ـ تصويرا كاريكاتوريا عن لقاء ربع ساعة هل يعتر زواجا. أولا وجب التعاطي مع هذا الموضوع بخصوصيته ومقاصده الخاصة ولا ينبغي الخلط بين الزواج الدائم والزواج المؤقت.. بين مقاصد هذا ومقاصد ذاك. لاحظت أنه وبدافع الجهل أو التغليط يحاول البعض خلط الأمرين. لذا أنت لا تطلب في المؤقت نوعا من الاستقرار والطمأنينة الكاملة التي قد يوفرها الزواج الدائم. بل مقاصد المؤقت محصورة في أنه يرفع الحرج ويخفف من وطأة الضرر حيث تأكد أن العزوف عن الدائم لأسباب موضوعية في كل جيل وفي كل بيئة يؤدي إلى العلاقات المحرمة. والفقه إنما يراعي الأضعف كما وجب أن يصلي الإمام بصلاة الأضعف. هذا هو المقصد العام من الفقه. الملائكة لا يحتاجون إلى فقه. والكمل لا يحتاجون إلى فقهنا، لأنهم منه انطلقوا وليس إليه وصلوا. والفقه يعمل بنحو الأواني المستطرقة لا يميز مستوى عن آخر إلا في الاستثناءات التي قام عليها الدليل. وأن يشرع زواج من هذا القبيل كحل من الحلول لا يعني قضاء على مؤسسة الزواج الدائم لأننا مفطورون على ذلك ولا يحتاج المرء أن ينصح في قضايا مدفوع إليها بالفطرة. كما أن الفطرة ذاتها تؤكد على صوابية المؤقت كحل من الحلول حين عدم توفر القدرة على الدائم. وأما التصوير الكاريكاتوري لزواج مؤقت يدوم ربع ساعة فلا أحتاج أن أجاري هذه الاعتراضات الخارجة عن الموضوع وإن كنت أرى تركيز أصحابها عليها يثبت أنهم مصابون بسرعة الإنزال. لأن موضوع المدة لم يوجد دليل يحده .. ثم إن هذا الزواج تتحكم به رغبة المتعاقدين ويمكن أن ينحصر في أقل مدة محددة في قضاء الوطر. وهل قضاء الوطر لا يستحق أن يكون مقصدا لهذا الضرب من الزواج؟ من قال بخلاف هذا ومن يسعى أن يكون ملاكا؟! لأنه ببساطة ليس المطلوب منك أن تكون ملاكا وأنت إنسان زودت بغريزة تفرض عليك ميولا طبيعية لقضاء الوطر، حيث التعفف هو مطلوب ليس عند العزاب الذين ينتظرون مستقبلا مضمونا وليس من هرب عليهم الزمان ولم يعد المستقبل واضحا في أعينهم وليس لهم ضمانات وطالت انتظاراتهم حتى انعكست على نفوسهم وعقولهم وحتى صنعت منهم إرهابيين يقتلون النوع طرا للظفر ببنت الحلال في جنة عدن صمموها على شقاوة خيالهم الفقير. فالمتطرفون جعلوا من الدماء البريئة مهرا للحور العين التي جعلتهم يتزاحمون أمام شباك العبور إلى أحضان الحور العين لأنهم لم يعودوا يطيقون البقاء في دنيا حرمتهم من الظفر ببنت الحلال في الدائم أو المؤقت. وقد نظرت في خطاب هؤلاء ورأيت أن الدافع الأكثر باعثية للانتحار هو التصوير ـ غير الفني ـ للحور العين. حتى أنك لا تجدهم يتحدثون عن رمانها ولا عن فاكهتها ولا عن التسبيح واللذائذ العقلية فيها بقدر حديثهم عن النسوة بحثا عن الإرواء الموربيدي الذي يتصور الرجل بقدرة جنسية تفوق البغل ولا يتعب منها أبدا. لماذا اختزل هؤلاء الجنة في الحور العين وليس في شيء آخر. بعضهم في خيالاته لم يهتم بالحور العين لشدة جمال عيونهن ـ لأنه يرى أن العين الحوراء لا تمنع من لكمات تزرق معها ، لأنهم يتساءلون حول إمكانية ممارسة العنف ضد النساء حتى في الجنة ـ بل يهتم بالأقل ويكمل الصورة من خياله . بعضهم أنزل التصوير إلى مقاصه ـ وهو عندي أفضل ممن أسرف في الخيال ـ فاعتبر أن أجمل الحور هي من ترتدي القفطان وعلى وجهها وشم أمازيغي  وأن تكون بحضور وجبة "سيكوك" و "تمبصّلت"، حيث يرى فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت مساحة لاستكمالاته الخيالية المرضية ويجهل أن هذه مساحة مجعولة لإدراك اللذائد العقلية التي لو ذكرت لوحدها لما اندفع هؤلاء إلى جنة يجهلون فيها لذائذ العقل. لأنهم في نشأتهم الدنيا سلكوا مسلكا غير العقل. وهذا على الأقل شأن له نقائض في خيالات العلماء والعقلاء ، حتى حكى لي أحدهم كلاما للفقيه المنوني وهم يتحدثون عن ملذات الجنة فسألهم : هل يوجد في الجنة بحث علمي ؟! وأنا أعتبرها من روائع هذا الرجل ونكاته التي وجب كتابتها بماء الذهب. لذا كنت ولا زلت أعتبر مشكلة التطرف هي مشكلة جنسية وليست مشكلة أفكار. فالذين يتحدثون اليوم عن العفة والعذرية يستدخلون عناوين أجنبية عن موضوعنا. العفة هي أخلاق المتزوجين أيضا. والعذرية عنوان شرف المرأة في غير الحلال. أما في الحلال فهي عنوان عزوف وما شابه من العناوين. أقول هذا لأنني خبير بنفوس هؤلاء الذين يعارضون هذا النوع من الحلول. فهم أولا لا يسمعون كل الكلام ولا يفهمون حتى ما تقول. لكنهم يخلقون ضوضاء من دون دليل. ويستغفلون القارئ لأنهم بحرصهم على هذه العذرية الذكورية الكاريكاتورية في غير محلها ، ويمارسون إرهابا على الفقه وليس ضد الفكر فقط. بل هم يعبرون عن قلق داخلي مبطن يسلكون إزاءه ضربا من ردود الفعل السيكسوباتولوجية. ولذا أعتبر من يصنعون الضوضاء أمام مسألة فقهية من هذا القبيل ليس أنهم ليسوا فقهاء فقط بل هم مرضى ندرك طبيعة أمراضهم من خلال ضوضائهم. لأننا لا نقول لهم تمتعوا بل نقول لهم لا تبالغوا في التجديف. واليوم لم يعد يشكل الضوضاء حيلة ناجحة، لأن المعرفة تدوس اليوم حواجز المنع. بالأمس كان بإمكان الخصم الشقي أن يقول أي كلام. اليوم أي أسلوب غير علمي هو فضيحة لصاحبه. ولا نريد أن نرهن فقهنا لمن له عداوة مع المرأة ولا يحسن قضاء الوطر ويكذب على العالم. نعم ، يمكنني أن أتعفف عنها فهذا موقف شخصي. لكن هذا ليس حكما فقهيا للجميع. لأن لكل مكلف ظروفه ومتطلباته. والشارع المقدس راعى ضرورات الناس وأعطاهم هذا الحق. فلماذا يحاول بعض الأشقياء أن يحرموا على المسلم ما أحله الله له. أليس هذا إرهابا سافرا ؟!

وأما القول أنه كان زواجا في الجاهلية ، فأعتقد أنها حيلة ساذجة للربط بين الجاهلية وهذا الزواج بما توحي به عبارة جاهلية التي جعلت استعمالها يوما مطية لموقف عام من كل حضارتنا المعاصرة يوم قيل إنها جاهلية القرن العشرين. في الفقه المسألة ليست بهذا التسطيح. لأنه أولا لم يبلغنا من أنواع أنكحة الجاهلية هذا النوع من الزواج. وفي السيرة نعلم جميعا أنهم حصروا أنواع النكاح في الجاهلية في أربعة أساسية كما لا يخفى لم تذكر فيها المتعة. بينما المتعة مما ترخص لهم فيه الرسول (ص) في إحدى الغزوات ، فهو مما يقع بتعاقد. ولم يكن العربي في الجاهلية يحتاج إلى زواج المتعة بشروطه وأحكامه الإسلامية. ومتى كانت المرأة في الجاهلية تملك أن يكون لها الحق في أن تتشارط مع الرجل وطرفا في العقد مباشرة. وأما قول البعض جهلا أن الأمر يتعلق بالمستأجرة الفرج ، فذلك مما بيناه وهو من الفقه الحنفي وليس الجعفري الذي حرّمه. هناك إذن مغالطات مفضوحة. وأما القول بأنه مع المؤقت لا تحرز مقاصد السكن والمودة، قلت إن هذا هراء، لأن المودة نفسها ليست شرطا في الزواج الدائم . هناك من يتزوج المرأة لجمالها وهناك من يتزوج المرأة لمالها وهناك وهناك.. وكلها مستويات من الزواج مشروعة لكن النبي (ص) أرشد إلى الأفضل فقال: فاظفر بذات الدين تربت يداك. فهو هنا  في مقام التوجيه إلى الأفضل لا تحريم ما عدى ما تتحقق به مقاصد المودة. هناك إذن اعتبارات أجنبية عن الموضوع يقع فيها ضعفاء الفقه ويحسبون أن الفقه إنشاء وليس تحليلا دقيقا يستحضر الأدلة من مظانها ويبحث في صحيحها وضعيفها بأدوات رجالية ودرائية عالية. فهذا الاستقباح للغريزة الجنسية من أعطاب فقه الجمهور الذي بات كما فعل الزمزمي الذي أصبح يحث جمهوره عبر "فتاوى ـ ستار" على البحث عن "لقشاوش" لقضاء الوطر مع الدمى وتكريس غريزة إتيان الجمادات والموتى . وقد رأى بعض الجمهور أن العفة تحصل بالاكتفاء بالاستمناء ـ انظر فقه السنة للسيد سابق ـ فقد طلبوا العفاف في الاستمناء الذي حرمه مالك وجعفر الصادق. فالشيعة وفق ما ذكر الإمام الصادق تعتبر ناكح يده كناكح نفسه. مع أن الإمام الصادق حرم الاستمناء وقال بحلية المتعة. وهو تعبير عن قول الإمام علي فيما رواه الطبراني وغيره: "لولا نهى عمر عن المتعة لما زنى إلا شقي" . وبدل أن يحرروا الجنس في حدود ما أحلّ الله ، يمعنون في حلول كاريكاتورية تجعل المجتمع كله مساجين توضع لهم حلول المضطر المسجون. فهل يا ترى نوجه الناس في زمن الإباحية المنفلتة للتعفف بالعلاقات السوية بين "هو وهي" ، أم نرشدهم للدمى والإيقونات والنفّاخات أو زواج فريند التافه عنوانا ومضمونا كما تصنع أحكامها في الخيال الفقير لأصحاب اللحى المخضّبة بالحناء والمتطاولين على الفقه العقلاني ، المتسلطين على غرائز الخلق. إن من فقد شيئا لا يعطيه. والمكابيت لا يملكون أن يوفروا حلولا جنسية!

 

إدريس هاني

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1105  السبت  11/07/2009)

 

في المثقف اليوم