قضايا وآراء

بصمة ثقافية

فنحن جزء من هذا الكون وعصرنا أيضاً هو جزء من العصور التي سيمر عليها الدهر ليروي لعصورٍ لاحقة هول الألم الذي مررنا به، لذا صار من  البديهي على كل مثقف أن يعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في هذه الحقبة من الزمن، وأن لايقف مكتوف الأيدي حيال ما يعج ويضج بالأحداث وخصوصاً إن المشهد السياسي يعاني من صراعات داخلية، وفي مقابل ذلك يكون الضحية من دون أدنى شك هو المواطن الذي يرزح تحت وطئة ذاك المشهد، كونه الواجهة التقويمية لأغلب الصراعات والحروب التي تتنازع من أجلها تلك القوى المؤثرة في تركيبة المجتمع السائدة، فقلم المثقف هو قلم تقويمي بحد ذاته لانه العلاج لكل داءٍ سياسي، وهو المنبر الحقيقي والحي للبحث عن الحلول أو إيجاد البديل، فالقلم كالخطيب الذي يعتلي المنصة ليعظ الحضور بما يشاء وكيفما يشاء، فالذي يقف موقف المتفرج غير آبه بما يحصل في المشهد العراقي حيث مجرى أنهار الدماء والأشلاء المتدحرجة صوب جهة مجهولة ، لايمكن أن يؤسس له بصمة تذكر في تلك الحقبة كونك المدافع الوحيد عن تلك الأشلاء التي تتدحرج بلا ذنب سوى أنها تعشق الحياة وتطمح إلى السلم، فالصراعات بين الضدين مازالت قائمة حتى يومنا هذا بقيام عنصري الخير والشر معاً.

ثمة صراع خفي بين قوى خفية يجهلها البعض ويعرفها المتتبع للحدث المأساوي الذي تشهده المدن العراقية، لابد للمثقف الآن أن يعمل على صقل وإبراز الجوانب المشرقة من الحياة لا أن تنبجس الأفكار منبعثة من بين حطام الجثث، أو أن يبرر هذا الكاتب تلك المآسي لهؤلاء القتلة الذين يستجدون الإفتاء من أجل إباحة الدم العراقي، لذا يجب البحث عن الجوانب الايجابية والعمل على تقويمها، اما الجوانب السلبية يجب أن يجد لها حلاً جذرياً يفند من خلالها الإفتاء القائم على أساس مصالح شخصية لاعلاقة لها بالدين ولاتمت له بأية صلة.

مسؤولية المثقف هنا مسؤولية كبرى ومهمة عظمى، لايشفع له أن يبرر ترك هذا المجال من دون الخوض فيه، فالقارئ يتتبع الحدث لتلك الأقلام التي تصيب الهم في الصميم، صراخ الأطفال وعويل اليتامى ونواح الثكالى كل ذلك يكفي لأن يمتطي صهوة قلمه ويخط بأنامله المبدعة مخطوطة الألم لتكون عبرة للأجيال اللاحقة التي أبدع في ايجادها زمرة من صناع الظلالة الذين لايرغبون بإستمرارية الحياة وديمومتها، فهم أول من ابتكر سواد هذه الدنيا، وهم أول من أنشئ رفوف الهم والغم في مكتبة الشر، لذا على المثقف أن يمسك بخيوط الحدث وأن يفتك بقلمه تلك الرفوف ويحرقها بورقته الناصعة البياض مسطراً عليها أوج أفكاره متحدياً بذلك الظلام الدامس الذي ينشر ذراته المظلمة أولئك الظلاميون، كذرات غبار ناعمة تتشظى لتعلن عن بداية عاصفة ترابية.

خيوط الدم التي تنسج منها أثواب الشوارع معلنة لياليها الحمراء التي تتراقص بها أعضاء بشرية، تشاهد بين الحين والآخر أشلاء فزعت وهرعت خائفة من هول المطلع، من دويٍ أربك تلك الأعضاء التي هربت من نقطة التقائها، تشاهد الرأس يركض مذعوراً وتجد اليدين تولول بعيدة هائمة في الفضاء السابح، أما الرجلين فتركض وتركض لكن لاتعلم إلى أين؟ وتبقى الروح تحوم حول اعضائها لاتدري هي الأخرى ذاهبة إلى أين، تسير خلف الرأس وتترك اليدين والرجلين يفرا منها، فلسفة الأشلاء، فلسفة لايدركها ولايفقهها إلا نحن وبالخصوص من عاصر عصر التناثر والإنشطار اللاإرادي ، فالمثقف هو العقبة الوحيدة التي تقف سداً إزاء الوجوه الصدئة فمتى يجتث آهاته النابعة من رحيق الألم، فلانريد أقلاماً عقيمة لاتدرك مدى مسؤولية الموقف، بل نبحث عن أقلامٍ تولد من قعر الفاجعة ومن رحم المآسي التي تعصف بنا كيفما تشاء

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1106  الاحد  12/07/2009)

 

في المثقف اليوم