تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

مع سيّدةِ الأَلَقِ.. مَن هيَّ تُرى سيدةُ الألقِ؟

! وما الذي يُغيضكَ إنْ كان للشياطين إخوانٌ مثلَ باقي البشر؟ يا أخي ! صرخَ مُحنَقَاً ، يا أخي ، لكنَّ الشياطينَ ليسوا من صنف البشر. خلقهم ربّهم وسوّاهم من نارٍ مثل إبن عمّهم إبليس العاصي المتكبّر الذي تعرفُ. أحسنتَ أخي أحسنتَ ولكنْ ، ألا تعرف ما قال قبلنا الأجدادُ؟ وما قال قبلنا الأجدادُ؟ أنا وابنُ عمّي على عدوي. فإذا عصى إبنُ العم إبليس فما يمنعُ أبناءَ عمومته الشياطينُ من إعلانِ رايةِ التحدّي والعصيان؟ ليس هناك ما يمنعهم ولكنْ مَن هو عدوُّ هذه الجوقة اللعينة الملعونة في دنياها وآخرتها ( أنا وابنُ عمّي على عدوي )؟ هل تريدُ الصِدقَ والحقيقةَ؟ قال دون ريب. طيّب ، فلأصارحك القول إني أعرفُ الجوابَ لكني ـ لأسباب كثيرة لا مجالَ لذكرها ـ أُفضِّلُ أنْ تسمعَ الجواب منها ، الشاعرة صاحبة المتنبي وسيدة الألق. بَهُت صاحبي واتسعت حدقتا عينيه لفرط المفاجأة. قال ، بعد أنْ استردَّ أنفاسَه ، وما علاقة الشياطين وعصيانهم وقرابات دم أبناء العمومة بسيدة الألق؟ ألمْ أقلْ لك إنَّ الشعراءَ والشواعرَ بالطبع إخوانُ الشياطينِ؟ قال لا أفهمُ هذه الفلسفة أو السفسطة أو العنطزة. زُرْها ، سيدةَ الألق ، زُرْها وتعرّفْ عليها ثم اسألها عما عذّبك وأقضَّ مضاجعك وسوّدَ نهاراتك. تلعثمَ كعادته حين يواجهُ مواقفَ صعبةٍ أو جديدة لا علمَ له بها. شرِبَ كأسَ ماءٍ بارد ودخّنَ سيجارةً أجنبية خاليةٍ من النيكوتين فصحّتُهُ غاليةٌ عليه. بعد فترة تفكير وتمحيصٍ وتقليبٍ لوجوه المسألة قال غير واثقٍ من قوله: كيف أزورُ سيدةَ الألق وما سبقَ وأنْ تعارفنا وتجهلُ قدري بين الناس ومَن أنا؟ بل تعرفُ السيدةُ عنك كلَّ شئ ، الصغائر والكبائر. إتسعت عيناه أكثر دهشةً: ماذا تقولُ يا رجل؟ كيف تسنّى لها معرفة صغائرَ وكبيراتِ أموري ولم أرَها قبلاً ولم أتشرفْ بمعرفتها؟ أنت لا تعرفها لكنها تعرفك حقَّ المعرفة. إبعثْ لها رسالةً بالبريد الألكتروني واطلب منها تحديد موعدٍ للقياها في الزمان والمكان اللذين ترتأيهما هي حسب ظروفها فإنها ليست ربّة بيت. قال بسذاجةٍ قريبةٍ جداً من البلاهة وهل سبق لك أنْ رأيتها أو إلتقيتها كيف ومتى تمَّ ذلك؟ رأيتُ صورتها تُلقي شعراً وسمعت ترانيم صوتها ثم زرتها برفقة المتنبي. لم يصدّقْ صاحبي ما سمع مني. رأيتَ صورتها وسمعتها تُلقي شعراً ثم زرتها والمتنبي ! قالها صراحةً: لا أصدّقُ ما تقولُ يا صديق ! فتحتُ أجهزتي فإذا بها هي لحماً وعظماً وطولاً ولساناً تقرأ إحدى قصائدها:

 

سـيــدةُ الألـــــق

 يا سيدة الألق المنشور على وجه الشمس

كيف امتلأت عيناك بحزمات الضوء

و هديرك غابات حبلى...

هل صحو أنت على قمم الفجر؟

أم محو يرفل في قمر الليل؟

قالوا:

منك الأصداء تحيك حشود الليلك و الورد...

منك الأضلاع توقع أغنية النبض...

قالوا:

شجر

نسغ

تمثال ينضح بالعاج

يترنح في زمن القطف...

ها أنت تؤرقك الأصداء

تضيع خيوطك في زمن الوهم

تتقاذفك الأمطار

و تستعصي أحلامك عن إغداق الفهم...

إن كنت تريدين الإبحارعلى متن النور

فدعي تمثالك

يزهر في روضات الروح كأشجار الخلد...

روح العاج

عاج الروح

لن يصهر في نار الأشياء و لن يذوي...

 

غاب صاحبي عن وعيه فرششتُ على وجهه شيئاً من الماء البارد وأعددتُ له فنجانَ قهوة تركية ثقيلةٍ سوداء. أوقفتُ التسجيل حتى يستعيدَ وعيه وكاملَ قواه.

 

ما أنْ أفاقَ من غيبوبته صاحبي حتى طلبَ سماع القصيدةَ هذه ثانيةً ولكن... بصوتي ! ضحكتُ... ضحكتُ طويلاً... ضحكتُ بكامل جسدي وحين مرّت موجةُ الضحك وهدأتْ قلتُ له وكيف جرؤتَ على قول مثلِ هذا الكلام؟ قال وما فيه؟ أحببتُ سماع القصيدةِ بصوتك لأنني أحسبُ أو أظنُ أنها لو قرأها رجلٌ فلربما ، ربما ، كان وقعها على السامع أفضلَ وتأثيرها أقوى ، ربّما. وما الذي أوحى لك بهذه الأفكار وأنتَ لستَ متأكداً منها إذْ وضعتها في باب الإحتمال من قبيل "أحسبُ" و" أظنُّ " و" ربّما "؟ قال إنَّ مَن يستمع للشعر ومَن يُخالط الشعراء لا بدَّ من تحوّله إلى شيطان مثلهم. والشيطانُ يوحي للشيطان. تقصدُ يا ضيفي أنَّ الشيطانَ أوحى لك بهذه الفكرة الشيطانية؟ قال بالضبط ، الشيطانُ أوحى لي ما أوحى وأنا شقيقُ روحه أتفهّمُ مواقفه وما يوحي فأمتثلُ ولا أعترضُ ولا أتساءلُ. طيّب يا صديق ، هل يحزنكَ أني أعتذرُ عن تلبية طلبك وأنْ أُحيلك لصاحبها المتنبي ليقرأَ لك ما تحبُّ من أشعارها؟ ضحك هو هذه المرة فاهتزّت أعضاؤه واختضّت أركانه وحين هدأت سورةُ ضحكه قال بنبرةِ عتابٍ رقيقة جداً: يا رجل ، إذا كنتَ أنتَ قد اعتذرتَ عن تلبية طلبي فكيف يقبله رجلٌ جليلٌ كالمتنبي؟ لا من مشكلةٍ في هذا الأمر يا هذا ، أجبتُ. قال كيف؟ المتنبي شاعرٌ مثلها ويعشق مثلها قراءة شعره على الخاصّة والعامة ففاتحه في الأمر وانتظر الجواب. جرّبْ وسوف لن تخسرَ شيئاً. قال قد عقّدتَ عليَّ أمري وأدخلتني في متاهاتٍ لا يُطيقُها رجلٌ مثلي. أضاف: سأختصرُ الطُرقَ كافّةً وسأطلبُ زيارتها وسألتمسها أنْ تقرأ هي بنفسها بعضَ أشعارِها ولا سيما قصيدة " سيدة الألق " ، بصوتها الطبيعي أي بدون مايكروفون أو أية وسيلة أخرى للتكبير. لا أحِبُّ التضخيمَ ومبالغاتِ التكنولوجيا الحديثة. أحبُّ سماعَ الصوتِ طبيعياً كما ولدته أمه. أنت رجلٌ متخلِّفٌ يا هذا ، علّقتُ. قال سمّني ما شئتَ وألصقْ بي ما يعجبكَ من صفات ونواقصَ وهِنات. إفعلْ ما شئتَ فإني لا أتنازلُ عن قناعاتي ، لا أُشككُ بها ولا أخونُها. أنسيتَ أني شيطانٌ رجيمٌ مرجومٌ أُرجئَ البتُّ في أمري حتى يوم الدين؟ طيّب يا ضيف ، هل تودُ أنْ ترسلَ رسالةً لها الآنَ تقترحُ فيها أنْ تلتقيها أينما وكيفما وحيثما شاءت ظروفها لكي تُنفِّذَ رغبتك الشيطانية فلعلها تتجاوبُ مع شياطينكَ وتستجيبَ لسؤلتك. قال يا ريت ! تفضّل ، هذه أجهزتي أمامك. قال لكني لا أعرفُ عنوانَ بريدها الألكتروني. هذا هو العنوان أمامك، هيّا ، توكّل. شرع صاحبي بكل خفّةٍ وهمّةٍ ينقرُ برشاقةِ عاشقٍ على حروف الكومبيوتر. ما أنْ أنهى رسالته حتى فوجئ بحضور الشاعرة سيدة الألق تحملُ مجموعةَ أوراق. شرَعتْ على الفورِ تقرأ أشعارَها واقفةً بصوتها إذْ لم تطلبْ أجهزةً لتكبير الصوت أو تحسينه. وقفنا ذاهلين ! ما هذا الذي يحدثُ أمامنا؟ أحقيقةٌ أم خيالُ مرضى أو سُكارى أو أحلامُ شياطين؟ توقفتْ عن القراءة لتقولَ: وهل نسيتما أني شاعرةٌ والشواعرُ أخواتُ بل شقيقاتُ الشياطين؟ والشياطينُ كالهواء يملأون الكونَ ولا يعرفون حدوداً ولا سدوداً ولا يشعرون بالزمن فهم الأبديون الخالدون حتى لو كانوا ملعونين. ها أنا بينكما كما ودَّ هذا الضيفُ الثقيل المتردد. أتيتكما كيما أوفِّرَ عليه مشقاّتِ وتكاليفَ السفر فإنه ضعيف الحال كما يبدو لي وعظامُهُ ركيكةٌ (أي فقير) كما يقولُ العراقيون. غاب صاحبي عن وعيه وما أسرعَ ما يغيبُ ، بل وغاب كليّةً عن الوجود. لم تأبهْ سيدةُ الألق لما حدثَ من معجزةٍ أمام عينيها فواصلت قراءة أشعارها. شعرتْ ببعض الإعياءِ لا لكثرة ما قرأتْ ولكنْ لصدمةِ تأثير ما وقعَ أمامها من غيبةِ رجلٍ معجبٍ بها وبصوتها وبشِعرها. جلستْ لتستريحَ على أريكتي فلم تجدني ! غابت هي الأخرى فماذا تبقّى منّا ثلاثتنا؟ أصداءُ صوتها وثلاثةُ شياطين غرباء لا يعرفُ بعضهُم بعضاً. 

...............

هذه حوارية خيالية مبنية على أسس واقعية حقيقية لها حضور على أرض الواقع.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1109  الاربعاء 15/07/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم