قضايا وآراء

النظم السياسية العربية وتجديد الذات

فمرة تحت عنوان (مشروع الشرق الاوسط الكبير) ومرة تحت عنوان (دمقرطة النظم السياسية في العالم العربي) ومرة تحت عنوان (التنمية الانسانية العربية) الخ... ومهما تعددت التسميات او تعددت العناوين سواء شرق اوسط كبير يمتد من جمهورية موريتانيا على سواحل الاطلسي وحتى افغانستان قرب حدود الصين شرقا أو شرق أوسط صغير يشمل دول الشرق العربي فقط فأن المضمون واحد والهدف واحد وهو أجراء أصلاحات ديمقراطية في النظم السياسية للعالم العربي .

 

تخطيء الاوساط السياسية والاكاديمية في الغرب عندما تنظر الى موضوع الاصلاح وكأنه موضوع جديد يقذف به الغرب في وجه العرب لتذكيرهم بأنهم متخلفون سياسيا وان العالم سبقهم بأشواط طويلة . فمنذ بداية عصر النهضة في نهاية القرن التاسع عشر كان الهم الرئيس للنخب العربية هو الاصلاح . سواء الاصلاح السياسية ام الاصلاح الديني ام الاصلاح الثقافي . وقد نهض بذلك رجال مصلحون من امثال جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي. واستمرت شعلة الاصلاح يحملها مفكرون مستنيرون من امثال طه حسين في مصر وجميل صدقي الزهاوي في العراق وعشرات غيرهم في كل انحاء العالم العربي . بل ان الانقلابات العسكرية التي حدثت في اواسط القرن العشرين وسميت ثورات من امثال ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 في مصر بقيادة جمال عبد الناصر او ثورة 14 تموز(يوليو) 1958 في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم وغيرهما أنما كانت استجابة لنداءات الاصلاح التي ضج بها العالم آنذاك بصرف النظر عن النتائج التي انتهت اليها تلك الثورات وعما اذا كانت قد حققت ام لم تحقق كل اهدافها أو جزء من أهدافها .

 

يوجه الامريكان والاوربيون نداءاتهم بالدعوة الى الاصلاح الى الحكام العرب والذين كان سوء تصرف بعضهم السبب الرئيس للكوارث التي حلت بالعالم العربي . في بعض الدول العربية فأن قوانين الطواريء ما تزال سارية منذ اكثر من خمسة عقود وكثير من مواد الدساتير ماتزال معلقة . بل أن بعض الدول العربية ليس دساتير اصلا . واذا كان في بعضها مثل هذه الدساتير فهي ليست اكثر من صورة شكيلية من اجل الديكور وتزيين وجه النظام فأغلب موادها معطلة .

 

أن النظم السياسية في اغلب بلدان العالم العربي أن لم نقل كلها لم تفشل في التنمية السياسية فقط بل فشلت في التنمية الانسانية ومفهوم التنمية الانسانية هو اوسع من المفهوم التقليدي المتعارف عليه في الكتب الاكاديمية وهو (التنمية البشرية). فمفهوم التنمية البشرية يقتصر على تنمية الموارد البشرية عن طريق اعدادها وتأهيلها وتدريبها أما مفهوم التنمية الانسانية فهو هنا يربط التنمية مع مفاهيم الحرية والديمقراطية والمعرفة . فالمجتمعات حتى لو نجحت في تدريب الكوادر البشرية وأعدادها فنيا ومهنيا فهي تبقى متخلفة ما دامت لم تصل الى مجتمع الحرية والمعرفة والعلاقات الانسانية الديمقراطية . لقد فشلت النظم العربية في بناء مجتمع المعرفة بعد أن غدت المعرفة وأنتاجها وتطبيقاتها احدى العلامات البارزة في بناء المجتعات المتطورة وهاهو تقرير (التنمية الانسانية العربية) السنوي يعري الوجه الحقيقي لهذه النظم ويرفع القناع الذي يستر الوجه القبيح ولكن دون ان يكون له صدى عند اغلب هذه النظم .

 

ان كل مؤشر من المؤشرات التي يحتويها التقرير هو علامة مؤلمة على حجم الضرر الذي ألحقته هذه النظم بالمجتمعات العربية وعلى الشكل التالي

 

اولا_ حجم البطالة في العالم العرب يبلغ اكثر من 25 مليون نسمة .

ثانيا_ 51 %من الشبان العرب أعربوا عن رغبتهم في الهجرة من بلادهم .

ثالثا_ في كثير من المجتمعات العربية ينظر للمرأة على أنها (عورة) تستر واحيانا تبتر . فكيف يكون وضع مجتمع امه وحاضنته بمثل هذا التهميش والدونية وفقا لهذه المعايير الجاهلية

رابعا_ المجتمع العربي مجتمع ابوي تسلطي يقمع الاطفال ولا يترك امامهم مجالا للاكتشافات والمبادرة بل يتم تدمير شخصياتهم بصورة منظمة ومنهجية .

خامسا_ ترتفع نسبة الامية عموم العالم العربي الى 35% .

سادسا _ لدى العرب 53 صحيفة لكل الف شخص مقابل 285 صحيفة في الدول المتقدمة .

سابعا_ 2% فقط من العرب يمكنهم استخدام الانترنيت .

ثامنا_ (خمس) كتب مترجمة لكل مليون عربي مقابل(920) كتابا في اسبانيا وهي من الدول متوسطة التقدم .

تاسعا_ ينفق العالم العربي أقل من 0,5% نصف بالمئة . من الدخل القومي على البحوث والدراسات مقابل اكثر من 7% عند اسرائيل .

وغير ذلك من الحقائق التي تؤشر على مدى تقصير وسوء ادارة النظم السياسية العربية .

 

بعد عقود من التجارب المريرة في العالم العربي وسلسلة طويلة من التجارب الفاشلة لم يعد امام الانظمة العربية الكثير من الوقت للمماطلة والتسويف في الاستجابة للاستحقاقات المتصاعدة . لقد جرب العسكر حظهم في محاولات الاصلاح عن طريق أجهزة المخابرات والمباحث والامن السياسي وجرب انصارأحادية الفكر حظهم في فرص الحزب الواحد والاتجاه الواحد والرأي الواحد وجرب بعض رجال الدين حظهم في فرص التوجه الديني الواحد على شعوب تضم مختلف الطوائف والقوميات والاديان . وكل هؤلاء فشلوا بسبب عدم فهم الواقع بكل تجلياته وتلاوينه .

 

بعد الفشل الذريع الذي واجهته النظم السياسية العربية وبعد ان ترسخت النظم الاستبدادية وغدت معشعشة بما يشبه المرض المزمن لم يعد الخيار الا في عملية جراحية جذرية تستأصل المرض من جذوره قبل ان ينفذ صبر الشعوب ويحدث الزلزال الذي لا يبقى ولا يذر ولا سيما في ظل عصر المعلومتية الذي اخترق حياة الشعوب واغرقها بفيض من الافكار والمعلومات سواء من خلال وسائل الاعلام الحديثة والانترنيت او من خلال الفضائيات التي دخلت بيوت الناس وشاركتهم حيتهم اليومية بكل ما تضج به من هموم وافكار ومساجلات.

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1118  الجمعة 24/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم