قضايا وآراء

وِلادَةُ الإمَامِ الحُسَيّنِ .. وِلادَةُ الفَضِيلَة

وأقام في اليسرى وسماه حسيناً، وغمر الفرح الجميع . كانت ولادة الحسين(ع) بعد شهور قليلة من معركة أحد، تلك المعركة التي صدمت نتائجها الرسول(ص)، لما آلت إليه الأمور من استشهاد حمزة عمّ النبي (رض)، وعدد من الصحابة الأصفياء، فأدخلت هذه الولادة المباركة، أجواء البهجة، على العائلة النبويّة المباركة.

واليوم عندما نتعاطى مع هذه المناسبة الطيبة، بكلِّ تفاعلٍ وجداني، وبكلِّ تفاصيلهِ العاطفيّةِ، يجب أنّ لا نستنزف الجهد، ونستغرق الوقت، في تعريف الحقائق التي أصبحت الآن بديهيّات، في المجتمع الإسلامي عامّة. فعلماء الأمّة الأعلام، قد ضبطوا في مصنفاتهم ومصادرهم العلميّة، كلّ الطرق التي تثبت منزلة وأحقيّة أهل البيّت(ع)، على ضوء القرآن الكريم والسنّة النبوية المباركة، وكذلك ثبّتوا وأثبتوا، مواقف وآراء أهل الفضل والعلم في هذه القضيّة، من مختلف المذاهب الإسلاميّة. فالحسين(ع) جزء من كيان الرسول الإنساني والرّسالي معاً، وهويّة الإمام الحسين(ع)، يمكن أنْ نستجليها بوضوح تام، من قول الرسول(ص):(حسينٌ مني وانا من حسين، أحبَ اللهُ من أحبَ حسيناً، الحسينُ سِبطٌ من الأسباط) و كفى. وللاطمئنان فقط، أودّ أنْ أُبيّن، أنّ هذا الحديث مذكور في ثمانية وعشرين مصدراً من المصادر المعتبرة، لأكابر علماء مختلف المذاهب الإسلامية، من غير المذهب الإمامي، كما جاء في كتاب الثورة الحسينيّة للعلامة السيّد حسين بحر العلوم (رحمه الله) المجلد الثاني صفحة(344)وما بعدها، ومن يطلب تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، عليه الرجوع للمؤلفات الكثيرة، الموثوقة والمعتبرة، لعلماء مختلف المذاهب الإسلاميّة، في هذا الشأن.

لذا يجب أنْ ننتبه اليوم، لتحديات المرحلة الحاليّة، التي تتطلب معالجة أمراض سلوكيّات إجتماعيّة في واقعنا الحياتي، وليس الخوض في اطروحات تمّ حسمها سلفاً. إذن لابدّ أنْ نلتفتَ إلى قضيّة المعالجة، وعناصرها التي تكمن في الإجابة على الأسئلة التالية:  

 

أولاً . ماذا تشكّل ذكرى ولادة الإمام الحسين(ع)، في وعينا كمسلمين محبين لنبينا(ص) و أهل بيته(ع)؟.

 ثانياً . هل استذكار هذه المناسبات، التي نحتفل بها فرحاً أو حزناً لدقائق، يعتبر تلاوة لما مسجّل في بطون المدونات؟، وهل ينتهي الأمر بعد انتهاء الإحتفال بالمناسبة، إلى طيّها في تيّه نسيان ذاكرتنا الجماعيّة، حتى حلول موعد استذكارها في العام المقبل؟.

 ثالثاً . ماذا يفيدنا إحياء ذكرى مناسبات أهل البيت(ع)؟. 

 لكي تكونَ الإجابة صارمة الصّحة، لابدَّ أنْ نعرِف بدقّة، أنّ ارتباط استثمار أو توظيف هذه المناسبات لصالح المجتمع، يجب تعريف الوعيّ باختصار. يعرّفه الإمام الشهيد السيّد محمد باقر الصدر(قدس سره)، بأنّه: (عبارة عن الفهم الفعّال الإيجابي، المُحَقِق للإسلام في نفس الأمّة، الذي يتأصل ويستأصل، جذور المفاهيم الجاهليّة السابقة، استئصالاً كاملاً. ويحوّل تمام مُرافق الإنسان(يقصد سلوك الإنسان وفكره)، من مُرافق الفكر الجاهلي، إلى مُرافق الفكر الإسلامي، والذوق الإسلامي)(أهل البيت تنوع ادوار ووحدة هدف/صفحة 248).

على ضوء ذلك، ستكون الإجابة على تلك الأسئلة ، ترتبط أولاً، بمحور فهمنا ووعينا، للأهداف الرساليّة للشخصيات العظيمة، التي نحتفل بإحياء ذكراها. و ترتبط ثانياً،  بمعرفتنا لمنزلتها العظيمة، كما حددتها النصوص الشريفة. وتجربتنا الواقعيّة تفرز لنا نوعين من التعامل مع هذه المناسبات:

الأوّل: أنْ نتعامل معها بصورة سلبية، بأن نحتفل بطريقة لا تعدو عن كونها عاطفة سطحيّة، أشبه ما تكون بفقاعة هواء على سطح ماء، سرعان ما تختفي دون أنْ تتركَ أيًّ أثرٍ على الواقع المعاش.

 

والثاني: أن نتعامل معها بصورة ايجابيّة، انطلاقاً من ثوابت ثقافتنا الإسلاميّة ، وما نملكه من إدراك معرفي بقضايانا الرئيسيّة، ومقدار ما نحمله من رصيد عقائدي و قيمي.

فنستطيع على ضوء تلك التعاملات، ترجمة فهمنا لأفكار وأهداف الرسالة، التي كافحت من اجلها تلك الشخصيات العظيمة، و إدراك حجم المهمات التاريخية، التي تحركوا من أجلها وفقاً للمعايير الرساليّة.

إذن التعامل الإيجابي مع هذه المناسبات الخاصّة، في تاريخنا الرسالي الحضاري، يعني استحضاراً كاملاً لصورة أصل المناسبة، والتعاطي مع تفاصيلها بعمق، واستباط الدروس واستخلاص العبر منها، لغرض تدعيم تجاربنا الحياتيّة، وتنميّة قابلياتنا الفكريّة، وتوجيههما بالاتجاه الصحيح، لنتمكن من اتخاذ المواقف الصائبة، إزاء القضايا الحياتيّة المختلفة، العقائديّة والفكريّة والسياسيّة والسلوكيّة والاقتصاديّة وغيرها الكثير.

إن الوعي سيقودنا إلى مزيد من التعمّق، والكثير من التفحّص، بالقضايا التي نتعامل معها، وبالنتيجة ستتكشّف أمام أذهاننا، آفاق جديدة من صيغ فهم مختلف القضايا.

إنّ إحياء مناسباتنا الإسلامية، يجب أنْ يكون لها مغزىً، لتندرجَ تحت عنوانِ العملِ الهادفِ المقصودُ منه القربة إلى الله تعالى.

فحبنا للمدرسة العصمويّة للإمام الحسين(ع)، يوجب علينا أنْ نقتبس منها الدروس الرائعة، وأنْ نحرص كلّ الحرص على تطبيقها في حياتنا، لنرتقي إلى مراقٍ تقربنا من الله تعالى أولاً، وتعضّد علاقاتنا وصلاتنا فيما بيننا ثانياً. ولنبدأ بترجمة فهمنا وتطبيقنا، لأحد أفكار الإمام الحسين(ع)، حيث يقول: (إيّاك وما تعتذر منه، فإنّ المؤمن لا يسيء ولا يعتذر، والمنافقُ كلُّ يومٍ يسيءُ و يعتذر).

إذا استطعنا تطبيق هذا الدرس يومياً وعملياً، فنحن بحقّ من المستذكرين بوعي عميق، لمناسبات أهل البيت(ع). عسانا أن نكون كذلك، لنقرَّ عيّنَ الرسول وأهل بيته (صلوة الله عليهم)، بافعالنا واعمالنا، فيحقّ لنا أنْ نحتفل بكلّ مناسبات البيت النبوي الشريف، لأننا أصبحنا أدلاء لفيض عظمة أهل البيت(ع)، عبر سلوكنا وسيرتنا في المجتمع، فنحقق أملهم في شعارهم الذي رفعوه: (كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا). وكل عام وانتم بخير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

محمّد جواد سنبه

كاتب و باحث عراقي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1119  السبت 25/07/2009)

 

في المثقف اليوم