تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

تحالفات الإسلاميين السياسية في كردستان

ظلت على موقفها الرافض للمشاركة السياسية. وقد برزت قوة الإسلاميين هذه المرة من خلال قدرتهم على التنظيم والحشد الجماهيري والاستفادة من التحالف مع أحزاب وقوى سياسية غير إسلامية. 

 

شارك الإسلاميون الأكراد من خلال ثلاث كيانات رئيسية هي: "الاتحاد الإسلامي الكردستاني" وهو الحزب الثالث في البلاد ويمثل جناح الإخوان المسلمين في كردستان، و"الجماعة الإسلامية في كردستان" التي تميل إلى التوجه السلفي ويقودها الشيخ علي بابير، و"الحركة الإسلامية في كردستان" التي فضلت خوض السباق الانتخابي دون تحالف.

 

شهد السباق الانتخابي تحالفاً من قبل "الاتحاد الإسلامي" و"الجماعة الإسلامية" مع قوى يسارية وعلمانية هي "حزب المستقبل" و"الحزب الاشتراكي الكردستاني"، ضمن قائمة "الخدمات والإصلاح"، وهو التحالف الذي اعتبره الشيخ علي بابير جائز شرعاً "بشروطه" لأنه يحقق المصلحة مستدلاً بـ "تحالف النبـي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع قبيلة (خزاعة) في صلح الحديبية"،

ونفى بابير وهو مؤلف كتاب (التيار الإسلامي والعلماني: نقاط الاتفاق والافتراق) أن يؤدي التحالف إلى تخلي جماعته عن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.

 

وهذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها الإسلاميون من تشكيل تحالف انتخابي وسياسي فاعل في إقليم كردستان يمثلون أهم مكوناته، ففي العام 2006 دخلت "الجماعة الإسلامية" ضمن التحالف الكردستاني بعد ما لم تتمكن من تكوين قائمة إِسلامية مع "الاتحاد الإسلامي"، وقد لاقى الإسلاميون نتيجة ذلك تحديات جمة داخل البرلمان في ظل عدم قدرتهم على إحراز أي تأثير يشير إلى وجودهم ضمن مكونات السلطة التشريعية في الإقليم، وخاصة أثناء مناقشة الدستور الذي وصف بأنه لا يراعي المبادئ الإسلامية، ما عرض صفوف التيار الإسلامي للانشقاقات آنذاك.

 

وبالنظر إلى نتائجها بعيدة المدى، وخروجها عن مألوف المشهد السياسي الكردي، وما عكسته من رغبة شعبية جارفة في التغيير، اعتبر مراقبون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شهدها الإقليم نقطة تحول هامة في المعترك السياسي الكردي، سيكون لها ما بعدها من حراك سياسي، فرغم أن نتائجها لم تتمكن من الإطاحة بهيمنة الائتلاف الحاكم إلا أنها مهدت الطريق أمام نظام سياسي جديد وفاعل ببروز معارضة سياسية قوية تستند إلى الشعب.

 

فقد كشفت النتائج غير الرسمية عن حصول "القائمة الكردستانية" التي تضم حزبي "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود برزاني، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال الطالباني  على 60% من الأصوات مقابل حصول المعارضة وعلى رأسها قائمتي "التغيير" و"الإصلاح والخدمات" على 40% ، وهي نتيجة فارقة مقارنة بالانتخابات السابقة التي هيمن فيها الإئتلاف الحاكم على أكثر من 80 % من الأصوات. وجاءت هذه النتيجة بالرغم من حدوث خروقات انتخابية وعمليات تزوير واسعة النطاق بشهادة المراقبين، كما جاءت أيضاً بالرغم من أن القوائم المعارضة خاضت الانتخابات من خارج السلطة وبعيداً عن أي امتيازات.

 

معارضة قوية والإسلاميون أحد أركانها

 

وعلى خلفية هذه النتائج، يتوقع على نطاق واسع تشكيل جبهة معارضة قوية في البرلمان المقبل تضم قائمة "الخدمات والإصلاح" إلى جانب قائمة "التغيير" التي جاءت ثانية في السباق الانتخابي، شريطة ألا تشارك أي منهما في الحكومة. فقد خاضت "التغيير" ـ التي يرأسها نشروان مصطفى، الزعيم السابق في حزب جلال الطالباني ـ حملتها الانتخابية تحت شعار محاربة الفساد، وعول عليها الناقمون في زعزعة الهيمنة التقليدية للحزبين الحاكمين، وبالرغم من عدم وجود إسلامي بين صفوفها إلا أن قادتها لا يمانعون في التحالف مع الإسلاميين.

 

ففي اتصال هاتفي مع موقع "الإسلاميون.نت" تحدث عبداللطيف ياسين، رئيس تحرير صحيفة "الأفق" الناطقة باسم الاتحاد الإسلامي، عن "مؤشرات" ترجح التحالف بين قائمة "التغيير" و"الإصلاح" التي يهيمن عليها الإسلاميون منها: الحديث عن اتصالات تجري بين الجانبين بهذا الشأن. وأشار الصحفي الكردي إلى أن التواصل بين القائمتين من خلال اجتماعات بين قادتهما كان حاصلاً قبل أن تبدأ العملية الانتخابية وخلالها، من أجل التنسيق فيما بينهما وضمان نزاهة سير العملية، ونفى ياسين الشائعات التي روجت في كردستان بأن زعيم "التغيير" كان يتزعم فصيلاً يسارياً مسلحاً يعادي الإسلاميين، مشيراً إلى أحد شعار حملة (نشروان مصطفى) الانتخابية، قوله تعالى ?إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم?[ الرعد:11] ، كما أن الرجل لا يعرف عنه أي موقف يذكر ضد الإسلاميين".  وفي تصريح صحفي قال القيادي في الجماعة الإسلامية (زانا روستايي): "نتفق (مع قائمة التغيير) على أن كردستان في حاجة إلى تغيير"، وإذا ما جرى التحالف بين القائمتين ـ برأي مراقبين ـ فإن ذلك سيعزز من قوة المعارضة ويقودها إلى تشكيل جبهة قوية داخل البرلمان سيكون لها حتماً نصيب مؤثر في السلطة التشريعية.

 

ومن بين أهم معطيات العملية الانتخابية، تراجع شعبية الحزبين الحاكمين وخاصة "الاتحاد الوطني" بزعامة جلال الطالباني، الذي ضرب في معقله بمحافظة السليمانية، ما دفع بالحديث

عن إمكانية أن توتر هذه النتائج العلاقة بين الحزبين الكبيرين ("الاتحاد والوطني"، و"الديمقراطي الكردستاني") خاصة وأن الاتفاق بينهما ينص على تقاسم المقاعد التي يفوزون بها بنسبة 50 % لكل منهما، بالإضافة إلى المقاعد الوزارية أيضاً، حيث أفادت تقارير صحفية: بأن نتائج السليمانية أرعبت الطالباني، الذي سارع إلى دعوة قيادة الحزب لاجتماع في منزله.

 

وإذا تأكد أن "القائمة الكردستانية" لن تتمكن بمفردها من تشكيل الحكومة المقبلة إلا بإشراك إحدى القوائم المنافسة، أو إن شكلتها فبأغلبية بسيطة ستجعلها سلطة ضعيفة، فضلاً عن وجود معارضة برلمانية قوية، يتبين إلى أي حد باتت الساحة السياسية الكردية قريبة من التغيير تقوده وجوه جديدة. وفي تعليق له على الحراك الذي بات يشهده كردستان، يقول عمر عبدالعزيز رئيس مجلس شورى الاتحاد الإسلامي: "أن ميزان القوى السياسية سوف يتأرجح، والمعادلات الثابتة الجامدة سوف تتغيّر، وسيكون البرلمان القادم حيوياّ وفعاّلا، وستكون الحكومة مختلفة عن سابقاتها ".

 

ولم تكد تنتهي عمليات التصويت حتى شهدت الساحة الكردية عدد من التطورات، دلل مراقبون من خلالها على متغيرات هامة وإلى أي حد أربكت معطيات العملية الانتخابية القيادات الكردية التقليدية، فقد سارع الإئتلاف الحاكم إلى إعلان فوزه قبل أن تخرج النتائج الرسمية، وهو ما ردت عليه قائمتا "التغيير" و"الإصلاح" بدعوة الشعب الكردي إلى رفض النتائج، لأن الحزبان ما برحا "ينتهكان إرادة الشعب" بإعلانهما نتائج غير حقيقة، وطالبا بالتحقيق في شكاوى تزوير الانتخابات واتخاذ الإجراءات اللازمة، ولذلك أرجأت المفوضية العليا للانتخابات إعلان النتائج بسبب الطعون الكثيرة المقدمة من قبل القوائم السياسية، وأعلن رئيس المفوضية أن كثيرا من هذه الطعون والشكاوى "سيؤثر على طبيعة النتائج بشكل جوهري".

 

وكان إعلان الفوز من قبل الائتلاف الحاكم صاحبه عمليات ابتهاج وفرح نظمها مناصروه هاجموا خلالها مقرات الأحزاب والقوى المعارضة وأطلقوا النار على بعضها، وهو ما نددت به المعارضة إلى جانب منظمات دولية وحقوقية ألقت باللائمة على الحزبين الحاكمين، خاصة وأن المهاجمين رفعوا صور مسعود بارزاني ولوحوا بأعلام الحزب الديمقراطي الكردستاني. ونتيجة لذلك قام رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني ـ نجل شقيق مسعود بارزاني ـ بزيارة مقر "الجماعة الإسلامية" ولقاء الشيخ علي بابير للاعتذار وتبرئة ساحة الحكومة من الهجمات التي تعرضت لها مقرات الجماعة.. كما قدم اعتذار مماثل لصلاح الدين بهاء الدين، أمين عام الاتحاد الإسلامي الكردستاني، على ما بدر من ممارسات بحق الاتحاد في مدينة أربيل.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1124  الخميس 30/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم