قضايا وآراء

بطولات ليست مشابهة برؤية الشاعرة عائشة المؤدب / وجدان عبدالعزيز

ولا يرضخ لاصول العزف ومفاتيح السلم الموسيقي هذا التركيب الذي بنيت عليه قصيدة (بطولات مشابهة) جاء بتراكيب لغوية سهلة غير أنها ركبت ظهر المغايرة وزحزحت اللغة عن معناها القاموسي إلى معاني شعرية عمدت لها الشاعرة بوعي رغم انها مارست اللاوعي في البوح ومحاولة الاقتراب من المعنى ومن هذا الباب روجت الشاعرة لأهمية القراءة باعتبار النص يبقى معلقا لحين تحريكه بالقراءة والتوغل في ساحاته المحكمة عسى ان يصل القارئ إلى مغاليقه ومحاولة فكها والدخول بعملية استرداد المعنى او المعاني التي جاء بها النص على قصره تقول الشاعرة : (هكذا ...

مثل عازف مبتدئ أضاع كلّ المفاتيح ،

يمسك مشدوها بنوتة باغتها تتسلّل عبر سلّم الطوارئ)

وهذا الربط بين الابتداء وحالة الطوارئ تكررت في ثنايا النص بتكرارات لغوية أظهرت بلا أدنى شك الفوضى التي ترفضها الشاعرة والتي تعيش خضم الحياة فيها وبألوان مندلقة تتزاحم إلى حد الهذيان وهذه العبارة والعبارات الأخرى مثلت احتجاجات متكررة لها ، فلابد من بذل جهد متصاعد وتوسل مستمر لأبعاد النص كي نصل ولو جزئيا لفلسفة الشاعرة في تعاملها مع المحيط واعتباراتها للحياة تقول :

(... مثل قارئ جريء وقف حائرا أمام مجاز تسلّل عبر أفكاره المستعارة إلى بيت العناكب المعشّشة بين السطور ،)

وظهر هنا قلقها المتصاعد في تفسير مفاهيم القراءة هذه المفاهيم المرتبطة بالأفكار إذن مفهوم يقابله فكرة دخلت معترك المجاز غير أنها واهنة وضعيفة هذه الصورة الظاهرة من خلال النص أما الصورة الباطنة هي الدعوة إلى التعمق والتأمل المستمران لمغاليق النص كما أسلفنا وهناك ملاحظة جديرة بالذكر هي وجود فراغات أمام كل مثال انبنت عليه القصيدة تقول :

(... مثل ناسك تفطّن أخيرا إلى جسده خارج الصلوات ،

يعبّئ ماءه في خارطة رسمها حديثا لتضاريس يوم القيامة)

فقبل مثل ناسك هناك فراغ يوحي بكلام مسكوت عنه وهذا هو الشعر مرموزات وفضاءات وتشكيلات ومشاريع لم تكتمل مستمرة في تيه ، قد يحاول النقد الوصول إليه بقراءة متأنية ، فالناسك أخيرا ينتبه إلى واقع الحال ، لأنه قد يعيش في غيبوبة التنسك والتصوف في علاقته مع الرب حتى اذا أفاق بدأ يرسم معالم علاقته بالغيب وهو يوم القيامة هذه الرؤية التي جاءت بها الشاعرة قابلتها برمز الصدى الذي يحاول الجبل إرجاعه ويلم تشظيه من اجل هدف أسمى وهو رتق فتق الغيوم لذلك اليوم الماطر الذي تنتظره بلا ادنى شك هنا المؤدب بدأت تلتمس فضاءات الطبيعة لتبرر تمسكها بالغيب وان كل هذه البطولات قد تتشابه في مساراتها الحياتية إلا أنها تختلف في رؤيتها الشعرية باعتبار إنها تحاول إكمال مشروعها بان هناك أحلام من الصعب الوصول إليها فـ(الأدب جمالية تنطوي باختيار الألفاظ وإحكام العبارات بالصياغة المحنكة ، كي تعبر عن تجربة صادقة قادرة على التواصل مع الآخر) وهذا ينطوي على حقيقة أن النص يبقى معلقا اذا أصبح مغلقا على نفسه ويتحرك من خلال الآخر أي من خلال القراءة وهكذا تحاول الشاعرة عائشة المؤدب توصل عاطفتها الخاصة او فكرتها المحددة أو التحدث عن قضية شغلت كيانها تجاه الحياة والكون ولهذا بنت فلسفتها من أشياء المحيط وثبت لنا إنها صاحبة تجربة تحاول تعميقها بهدوء وبساطة الكلمة ..

(ثمّ يترقرق كجدول صامت

ليقمع بطولات ذاكرتي الثائرة

ضدّ تكتاتوريّة تمسّكها بك)

وتحققت نبوءة عائشة من خلال الثورة ضد التعسف والانفتاح على الآخر وغايرت عنونة القصيدة بأنها أصبح تمسكها بمبدأ وهدف هي بطولة متميزة وليس كالبطولات المتشابهة ...

 

.......................

/ قصيدة (بطولات مشابهة) للشاعرة عائشة المؤدب

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1777 الجمعة: 03 / 06 /2011)

 

في المثقف اليوم