قضايا وآراء

انطلاق الدعوة السنوسية في ليبيا / رشيد كهوس

حتى استقر به اليقين على طريقة ابتكرها جاءت مزيجاً من الفقه والتصوف، ولقاءً بين الشريعة والحقيقة، ومزاوجةً بين النص والذوق(1).

وفي جولاته في العالم الإسلامي شاهد ما يعانيه العالم الإسلامي من مأساة الإسلام على جميع المستويات، كما شاهد كيف تحولت الدولة العثمانية إلى مقدمة للاستدمار الغربي، حيث تمكن المستدمر الفرنسي من الجزائر سنة 1830م، فأيقن أن محاربة الاستدمار الغربي ليست بالثورة المتعجلة؛ بل لابد من الفكر والتجديد، والمرابطة والاستعداد، وإحياء التربية الروحية والجهادية لشحذ الذمم ورفع الهمم لإحياء المجتمع الإسلامي وصد هجمات المستدمر الغربي.

أضف إليه تأثره الشديد بدولة الأدارسة بالمغرب الأقصى ونماء الشعور بالمسؤولية لديه، أضف إليه ما كان يتميز به من حدة الذكاء، ونشأته في أسرة علم ودين.

فاستقر أمره على تأسيس الحركة السنوسية -السنية المذهب الصوفية المشرب- في النصف الأول القرن الثامن عشر الميلادي.

 

وقد بدأت الدعوة والحركة والدولة السنوسية "في بداية تفكير السيد محمد بن علي السنوسي في أمر الأمة، فيروي أنه حدث ذات مرة أن وجده بعض الشيوخ فوق كثيب من الرمال تبدو عليه علائم التفكير، فلما استوضحوه عن السبب في ذلك كان جوابه: إنه إنما يفكر في حال العالم الإسلامي الذي لا يعدو عن كونه قطيعا من الغنم لا راعي له، على الرغم من وجود سلاطينه وأمرائه ومشايخ طرقه وعلمائه... ومع وجود كل ذلك فإن العالم الإسلامي لا يزال مفتقرا أشد الافتقار إلى مرشد حقيقي يكون هدفه سوق العالم الإسلامي أجمع إلى غاية واحدة ونحو غرض واحد فلما سألوه: وماذا يجب على المسلمين عمله لتلافي هذا الواقع؟ قال: سأجتهد، سأجتهد"( 2).

وهنا أمر من الأهمية بمكان الإشارة إليه أن بوادر الحركة الإصلاحية الإسلامية تزامنت مع حملة نابليون بونابرت على مصر الكنانة، ولكنها لم تتأثر بها –كما يزعم الغرب- لا على المستوى السياسي ولا المستوى العسكري أو الفكري.

 

ولقد أحصى المؤرخون عدد الزوايا التي أسسها الإمام السنوسي، فقد بلغت مائةً وثمانين زاويةً: منها سبع وتسعون زاويةً في ليبيا، وسبع وأربعون في مصر ، وسبع عشرة في السودان الإفريقي ، وزاويتان في تونس، وكانت أولى الزوايا فوق جبل أبي قبيس بمكة المكرمة عام (1252هـ = 1837م)، وثاني هذه الزوايا كانت في الزاوية البيضاء على الساحل الليبي عام (1271هـ = 1855م).

 

لم تنعزل الزاوية السنوسية عن باقي قضايا المجتمع كما هو شأن الكثير من الزوايا التي انعزلت للعبادة وترديد الأوراد، ولكنها كانت عبارةً عن مجتمع متكامل بأفراد الزوايا، يضم مؤسسة شبه حكومية؛ والمسجد، وبيتاً لقائد الزاوية، وآخر للوكيل، ومساكن لقاطني الزاوية، وبيوتا للفقراء وعابري السبيل، وبيوتا للخدم، ومخازن للمؤن، وفرنا ومتجرا وسوقا، وأرض زراعية خاصة بها وآبارا جوفية وصهاريج لحفظ المياه، وتحيط بالزاوية -بطبيعة الحال- البيوت الخاصة بالقبائل التي تقوم الزاوية في منطقتهم.

إنها نموذج جديد للمجتمع الذي أراده السنوسي وآمن أن الطريق للنهضة طويل يحتاج إلى مثل هذا النموذج لكي ينضم إليه المسلمون لاحقاً عبر القدوة السلوكية.

 

المغرب

.............................

(1)تيارات اليقظة الإسلامية الحديثة، محمد عمارة، كتاب الهلال - القاهرة، 1982، ص35.

(2)الدولة الإسلامية بين الواجب والممكن، جاسم الياسين، ص189.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1783 الخميس 09/ 06 /2011)

 

 

 

في المثقف اليوم