قضايا وآراء

الجواهري والمتنبي: وقال كلاهما: انا كلانا

حفل ثقافي عام 1983 أن "أبا محسد" "صديقهُ، وجاره، ولصق داره"، في إشارة لمدينتي الشاعرين المتجاورتين، بل والمتشابكتين تاريخاً وجغرافية وأهلاً... ونعني بهما: الكوفة، والنجف...

تحدى الموت واختزل الزمانا .. فتى لوى من الدهر العنانا

- فتى خبط الدنى والناس طراً، وآلى أن يكونهما، فكانا

- فتى دوى مع الفلك المدوي، فقال كلاهما : انا كلانا

وقاريء الجواهري يجد في جحفل قصيده العامر، إشارات واقتباسات هنا، ودفوعات ومفاخرات هناك بالمتنبي وعنه، ومن ذلك في "المقصورة عام 1940"، وبائية "كما يستكلب الذيب عام 1953"، ورباعية "سيسب الدهرعام 1960" و"يا ابن الفراتين عام 1970"، وقصيدة "بغداد عام 1983" وعديدٍ أخر، متنوع المعاني والغايات... هذا فضلاً عمّا كتبه في مقدمة المجلد الأول من جمهرته في المختار من الشعر العربي (دمشق - 1985) من انتصار صريح وعنيف لقرينه العظيم الذي حاول د. طه حسين أن ينال منه في كتابه الموسوم "المتنبي" والذي وقفت وراء تأليفه "عصبية قبلية" و"ثارات اقليمية"... وفقاً لتلك المقدمة...

... وإذ يطول الحديث ذو الشأن، ويتسع في أكثر من قصيدة وواقعة وحال، فقد تكفي قراءة سريعة لعصمائه عن "المتنبي فتى الفتيان" عام 1977، ليستدل منها كيف يرى الجواهري صنوه، الذي "خبط الدنى والكون طراً، وآلى أن يكونهما فكانا"، وبماذا يقيّم عطاء "ابن الرافدين" الذي "اسال الروح في كلم موات" و"طاوعه العصي من المعاني"... ثم كيف يدافع عنه، وينتصر له من "أمير" و"اخشيد" و"شتام" و"حسود" وغيرهم.

فيا ابن الرافدين ونعم فخرٌ، بأن فتى بنى الدنيا فتانا

ويا ابن الكوفة الحمراء وشى، بها سمط اللالئ والجمانا

بحسبك ان تهز الكون فيها، فتستدعي جنانك واللسانا

وان تعلو بدان لا يعلى، وان تهوي بعال ٍ لا يداني

فماذا تبتغي أعلوَ شان ٍ، فمن ذا كان أرفعَ منك شانا

وأزعم، مع معنيين عديدين، أن الشاعر الكبير كان يتفاعل بمشاركة ومعايشة وجدانية مطلقة، وهو يتخذ هذا الموقف، أو ذلك التقييم للمتنبي ومنه، وما إلى ذلك من مشاعر وأحاسيس... فكلا العظيمين الثائرين على الخنوع والوهن والتقاليد الخاوية، والطامحين إلى العلى بكل اقتدار، قد نالهما الجور ولحقهما تجاوز الحاقدين، وتآمر الحاسدين، بل ومدّعي شعراً وأدباً حيناً، وعواء "ضباع" أحياناً آخرى. وفي جحــود وعسف وخصومات غير متكافئة – حسـب مـا يدّعي ذينك العظيمان على الأقل! - وخاصة بعد أن امتلكا السنام الأرقى في قمة الشعر العربي، وفي التميز بالآراء والرؤى، ودويّا مع الفلك المدوي، "فقال كلاهما إنا كلانا"... ويستمر الجاهري في عصمائه ليختتمها:

حلفت أبا المحسد بالمثنى، من الجبروت والغضب المُعانى

وبالسلع النوافر في عروق ٍ، كأن بكل واحدة سنانا

بأنك موقدَ الجمرات منا، وان كُسيت على رغم ٍ دخانا

وانا أمة خلقت لتبقى، وانت دليل بقياها عيانا ...

               

              رواء الجصاني

[email protected]

 

 ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1156 الاربعاء 02/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم