قضايا وآراء

انتشار التشيع وعلاقته ببوادر الأزمات الطائفية

 البلدان العربية الأخرى لا يتجاوز هذه الأعداد فلماذا هذا الرعب من هذه الأعداد البسيطة؟ وهل تمثل هذه الأعداد مشكلة لأمن هذه الدول أو لدياناتها ومعتقداتها حتى تحارب التشيع الذي بدأ ينتشر في تلك البلدان كردة فعل على الهزائم المصيرية المتكررة التي سببتها السياسات الفاشلة أو المذاهب التقليدية بهذا الشكل الهمجي الذي يربطه البعض بمحاربة التنصير بل ويعتبره أكثر خطورة من التنصير ذاته كما هي المملكة المغربية مثلا؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات تشتد الهجمة على التشيع في المغرب ومصر والأردن واليمن؟

واقعا لم يكن التشيع يمثل خطرا حقيقيا على أنظمة الحكم العربية قبل سقوط البعث في العراق لكن بعد التغيير في 2003 وصعود الغالبية الشيعية إلى الحكم في العراق تغيرت طرق تعامل الحكام العرب مع ظاهرة النمو الشيعي في بلدانهم بشكل يدعو للدهشة والغرابة ولاسيما أن هذا التعامل بدا معاكسا لتعامل الأنظمة نفسها مع التشيع بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران.

فالمعروف أنه بعد الثورة الإيرانية أخذت هذه الأنظمة تتعامل مع التشيع بنوع من الاحترام المشوب بالخوف والتوجس، ولكن بعد التغيير في العراق تحول التعامل إلى طرق فيها الكثير من الظلم ربما لأن علاقة البلدان العربية بالعراق وأهل العراق أكثر منها مع إيران ثم أن اللغة الواحدة التي تربط العراق بالبلدان العربية ووجود قرابات وحالات زواج ومصاهرة بين العراقيين والعرب تعني أن اختلاط العراقيين بباقي العرب أبسط وأسهل من اختلاط الإيرانيين بهم وبالتالي سوف يؤثر الفكر العراقي على الفكر العربي بما يشكل تهديدا للحكام أنفسهم وليس لعقائد شعوبهم كما يدعون أي أن منبع الخوف كان سياسيا وليس دينيا كما يحاولون إظهاره، ولذلك انبرت السياسة وليس المذاهب لمحاربة التشيع في تلك البلدان إذ لم نسمع أن المذهب المالكي أو الحنبلي هما اللذان تصديا لانتشار التشيع، ولم نسمع أن الشعب المغربي أو الشعب المصري أو الأردني هم الذين تصدوا للمد الشيعي وحاربوه بل أن نظم الحكم وأجهزتها الأمنية هي التي تصدت لهذا المد وحاربته وطاردت المتشيعين كما في المغرب ومصر وأخيرا في الأردن حيث نشر موقع موسوعة الشاهد معلومات عن أول قضية محاكمة لستة أردنيين بتهمة "الترويج للمذهب الشيعي" في الوقت الذي يرى فيه قانونيون أن لا وجود لقضية تستحق العرض ومقاضاة متهمين حولها.

ولذا جاء الاتهام الأردني لهؤلاء على أنهم يعملون على"إثارة النعرات الطائفية". لأنهم كما جاء في الاتهام عقدوا لقاءات وأصدروا شهادات نسب لأشخاص صادرة عن "المجمع العالمي لأنساب آل البيت في سوريا"، تفيد بأن نسبهم يصل إلى الإمام علي بن أبي طالب مقابل مبالغ مالية. ثم اتهامهم بتوزيع منشورات وكتب لإثارة النعرات والحض على النزاع بين عناصر المجتمع الأردني.وهي التهمة التي أنكروها كما أنكروا تهمة النسب من جانب آخر جرى فصل أستاذ جامعي من وظيفته بعد اتهامه بالترويج للمذهب الشيعي.

إن قلق الأنظمة العربية من انتشار التشيع لا يأتي بدافع الحرص على سلامة المذاهب التي يتبعونها وإنما هو وليد الخوف السياسي فهم يرون في التشيع عدوا صلبا إذا ما قوي عوده في بلدانهم سوف يؤدي إلى إفشال كافة مشاريعهم السياسية بما فيها تلك المشاريع التي تؤمن لهم البقاء على كراسي الحكم، كما يؤدي إلى تغيير السياسات المتبعة والتي فيها الكثير من المحاباة والمجاملة للغرب وللدول العظمى، ولذا يرى المحلل الأردني المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور محمد أبو رمان إن الأردن (يشعر بالقلق من التشيع الديني لاسيما بعد اكتشاف عشرات حالات التشيع السياسي منذ انتصار حزب الله في الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2007). وهي محاولة لربط تحول الأردنيين إلى التشيع بدوافع سياسية وإخفاء السبب الحقيقي لهذا التحول.

أما ادعاءاتهم الفارغة بأن دوافع الوقوف بوجه التشيع غايتها الحفاظ على استقرار مجتمعاتهم ومنع ظهور بوادر لأزمات طائفية فيكشفها تهاونهم الكبير بالوقوف بوجه التنصير الفاعل بجدية في أغلب دول العرب دون رادع حقيقي، في وقت يعرف فيه ألقاصي والداني أن خطر التنصير على المجتمعات العربية أشد وطأة من كل الأخطار الأخرى، أما التحول إلى المذهب الشيعي فلا مخاطر من ورائه لأن المتشيع يبقى دائرا في فلك دين الإسلام.

ويكفي لتكذيبهم أنهم جميعا يتفقون على عذر محدد واحد حولوه إلى شماعة يعلقون عليها سبب عدائهم للتشيع وهو (العمالة لإيران) وفي الحالة الأردنية يقول الدكتور أبو رمان: "التجريم ليس للتشيع وإنما لوجود عمل سري للدعوة له، وهو ما يخشى الأردن أن يكون مدفوعا من جهات خارجية"، ولهذا خصصت دائرة المخابرات العامة الأردنية قسما خاصا لمكافحة التشيع بما يؤكد أن نظرتهم تأتي بدوافع سياسية بحتة. وهو ما أكده الخبير القانوني ونقيب المحامين الأردنيين السابق صالح العرموطي الذي قال للجزيرة نت "لا يوجد في هذه القضية ما يعتبر إثارة نعرات طائفية، وهي تختلف عن قضايا التنصير التي لها بعد سياسي". وأضاف "متى كان اقتناء كتب المذهب الجعفري ممنوعا؟ وكيف نتعامل مع كتب التنصير والكتب الإسرائيلية المنتشرة في الأسواق"؟

إن الأزمات الكبيرة التي يعمل بعض القادة العرب على إثارتها في مجتمعاتهم وسعيهم لتضخيم حالة الفوبيا من التشيع عند جماهيرهم تأتي ضمن مؤامرة كبيرة تستهدف الإسلام كله، وتأتي ضمن مخطط كبير تقوده الدول العظمى وينفذه أتباعها في المنطقة وهو جزء من منظومة الحروب الحديثة التي تشن على الإسلام من داخله ولهذا تجد التناقض بين الأسباب التي يعرضها الحكام وبين أقوال العلماء والمفكرين والمتخصصين كما هو في رأي الأستاذ صالح العرموطي الذي ينفي البعد السياسي عن الدعوة للتشيع. لكن هذا الخلاف مهما كبر وأتسع لن يوقف العنف ضد التشيع في البلدان العربية كما لن يوقف التشيع من التمدد والانتشار في كل الساحة العربية واختراق كل الموانع التي ينصبها الحكام.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1158 الجمعة 04/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم