قضايا وآراء

الأسلوب الأدائي قاد إلى اكتشاف قسوة العلمانية الشمولية

ومحاربة الإسلام، وتسهيل التغرب الفكري الذي أدى إلى الشعور بالدونية عند الأفراد، وترسيخ مقولة أنَّ الشرق عاطفي غير عقلي، والغرب يمثل دائماً العقلانية والعلمية والحضارة، وقد ساهم ذلك في اغتيال ثقة المجتمع بنفسه، وقتل الإبداع عند أجيالنا، والوقوع بأخطر استلاب حضاري عرفته الإنسانية، والاستسلام للمناهج الغربية وكأنها هي الحل الوحيد للتقدم والحضارة !! وهذا أخطر ما في دعوات العلمانية العربية .

إنَّ العلمانيين العرب في هذا الاتجاه يسهلون مهمة مراكز الدراسات الأميركية المتخصصة التي تسعى لتصوير (العالم الثالث) بأنه : لا يمتلك (عقلاً علمياً) قادراً على استثمار موارده الطبيعية وخصوصاً النفط !!

وهذه السياسة الأميركية التي تتسم بالهيمنة والجشع والمصالح هي سياسة قديمة في الفكر الغربي، بدأت منذ أن حاول (سقراط) وتلميذيه (أفلاطون ، وأرسطو) التنظير لفلسفة الهيمنة والسيطرة على الآخر، من خلال الدعوة لأفضلية الكائن الغربي الذي هو أساس كل الهيمنات . ولذا فإنَّ الاقتصادي المعروف (آدم سميث) قال بصراحة :

 (لو أنَّ كل فرد (غربي) تبع مصلحته الفردية، لكان الرفاه العام مؤكداً) !!

وقد نتج عن هذا التنظير المتسافل بالبشرية مفهوم مهين للإنسان، باعتباره كائن اقتصادي تتحكم به الربح والخسارة، وتحركه مصالحه المادية الخاصة بعيداً عن الأخلاق والقيم.

إنَّ عالم الاجتماع الغربي (ماكس فليبر) عندما كتب عن (الأسلوب الأدائي) للأشياء أدرك أنَّ هذا الأسلوب سيقود إلى مفهوم جديد للعلمانية أسماه (العلمانية الباردة)، لأنه اكتشف قسوة (العلمانية الشمولية) التي استغلت كل شيء بصورة مادية، حيث أصبح الإنسان آلة في عالم مادي ضمن أدوات الاستعمال المتنوعة لزيادة رأس المال والبحث عن الأرباح .

الإنسان أصبح جزءاً من المادة، جزءاً من سوق العرض والطلب، لا يختلف كثيراً عن باقي المواد الجامدة في منظومة (المادية العلمانية)، التي دعت إلى إحلال الله سبحانه وتعالى في الإنسان ليشرع قوانين ولوائح حسب المصلحة المادية دون أي وازع أخلاقي .

ولذا فإنَّ (العلمانية الجزئية) هي الوجه الآخر (للإمبريالية)، فالتفريق بين الدين والسياسة، أدى إلى الصمت حيال حياة الإنسان الخاصة كالزواج والقيم   والأخلاق، حيث ترك ذلك للإنسان يديره كيفما يحلو له، ولذا نشأت (العلمانية الشمولية) وهي لا تقتصر على (فصل الدين عن السياسة) بل فصل الإنسان عن القيم كلها، وجعل الإنسان مركزاً للكون، ومرجعاً بالنسبة لنفسه وللآخرين، مما سهل عملية التنظير لاقتناص ثقافة الشعوب وسرقة مواردها وخيراتها الطبيعية بجشع  واضح .

 

الدكتور قاسم خضير عباس

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1165 الجمعة 11/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم