قضايا وآراء

في فـــن التصــميم .. العلوم والتكنولوجيا تحت مظلة الجمال

والتي قامت على انقاض بعضها، فكانت ولادة كل منها تعني موت سابقتها، وانما هو نتاج حتمي لحركة الحياة وتطورها في كافة الميادين دونما استثناء، ولغة عالمية وعلمية وجمالية وتقنية وصناعية وانتاجية وتسويقية يحتكم اليها انسان هذا العصر في ادق مفاصل حياته ووجوده . ولعل دراسة منهجية معمقة تكشف اللثام اليوم عن اكبرظاهرة حضارية - فن التصميم - كانت محصلة طبيعية تعلن بان هذا الفن هو قضية حتمية تقترن باكتشاف اخر النظريات في العلوم كافة، ومن المنطقي القول ان كل النظريات والاشياء التي تنتفي الحاجة اليها تسلك طريقا الى الزوال، خاصة اذا صح القول بان الحاجة ام الاختراع، فان الاستغناء او العزوف هوسبب الاندثار، وهكذا يعلن هذا الفن ديمومته وضرورته بقوة مقترنا بكل ما هو افضل واحدث واجمل .

 

 جوهر فكرة التصميم    

 ولما كان جوهر الفكرة في فن التصميم هو وجود حاجة انسانية على المستوى المادي والفكري وبصورة مستمرة لاتتوقف على مدى الايام، فان الحديث عن هذه الحاجة تعني الحديث مبدعين ومكتشفين، وعن مناهج ونظريات وعلوم ذات افاق واسعة جدا، افقية كانت ام عامودية، اجتمعت لتعمل في نسق واحد . وهي ظاهرة حديثة وفريدة في تاريخ فلسفة العلم، حيث كانت العلوم تتطور بمعزل عن بعضها الى حد كبير، ولتدخل التاريخ الانثربولوجي للانسان في مرحلة تاريخية جديدة تعيد معنى طبيعة العلاقة بين الانسان وموجودات الحياة اليومية وفق اسس جديدة .

وعليه فان الفكرة الخلاقة في التصميم ذات المستويين الابداعي والبزوغي تسعى دائما الى تحويل الفرضيات – لدى المبدع - الى حقائق، وازاحة الحقائق القائمة بعد ان عجزت الياتها عن اداء اسباب وجودها وديمومتها امام مستحدثات الامور. وحقيقة هذه الالية كانت السبب الرئيس في سنة تطور كل الافكار والنظريات والاشياء على مدى التاريخ .

 

لغــــة الشـــــكل

تولد الحقائق الجديدة في فن التصميم في شكل جديد، يستورث ويختصر تاريخ كل القيم الجمالية بمدارسها واساليبها ومعانيها وثقافاتها المتعددة، لان طبيعة المحتوى الانساني لفن التصميم كنسق، تجاوز كل الحدود والفواصل، الجغرافية والعرقية والقومية واللغوية والاثنية، ومهما تعددت نظريات الشكل واساليبها المونوفولوجية او الظاهراتية  فقد اقترن الشكل في التصميم بذلك المحتوى وبالوظيفة، كما اقترن بكل ما هو جديد .

وتقترن لغة الشكل في فن التصميم باللغة البصرية لتحيل الخطاب الجمالي فيه الى الثقافة البصرية وما يمتلكه من الاف الصور المختزنة في الذاكرة، فيجعل هذا الفن في مواجهة مباشرة مع علم النفس والبصريات والسيمياء والاتصال، وقدرتهم على تيسيرعملية الرؤية والادراك والياتهما واللتان تؤديان الى عمليات اخرى كالفهم والتاويل والتفسيروالاقناع . 

 

قيــــم فن التصــــميم

يسعى فن التصميم الى الوصول الى صفات الابتمال والتكامل عن طريق تحقيقه اربعة قيم اساسية، ولايمكنه ان يتخلى عن اي منها وهي: (الوظيفية / النفعية / الاستخدامية / التداولية)

وتتبادل لغة الشكل مع القيم الاربعة حوارا منطقيا كبيرا – لامجال للولوج فيه – تبرز اهمية تحقيق التصميم لاهدافه بصورة موضوعية .

فالشكل والوظيفة مثلا، في لغة التابع والمتبوع يكونان عنصرين متلازمين يفقد احدهما قيمته دون العنصر الاخر، هنا تكسب الوظيفة سبب وجود الشكل، والا فما قيمة قلم جميل لايكتب او مافائدة عجلة لاتدور ....؟ اي ان الشكل في التصميم يكسب معناه فقط من خلال ما يؤديه من وظيفة . وحقيقة الامر لايقف التصميم في حدود الوظيفة لانها واحدة من قيم عديدة تجعل من التصميم حقيقة موضوعية.

 

ضرورة فن التصميم

ولمعرفة ما يشتمل عليه فن التصميم والعلوم التي تتعلق بذلك، يكفي النظر الى كل ما حول الانسان، مما يتداوله في حياته اليومية، من عمارة ووفضاءات واثاث واجهزة وادوات ومعدات وملبوسات ومطبوعات ووسائل نقل ووسائط واغذية وادوية واسلحة ومواد ومستلزمات وتقنيات .... الخ، وكل العلوم التي تتعلق بها كل هذه الاشياء من هندسة وفيزياء وكيمياء ورياضيات وعلوم النفس واجتماع وفلسفة وسيمياء واتصال، وعمليات الصناعة والانتاج والخزن والتوزيع، وكثيرا جدا من التفاصيل المتعلقة والامثلة الكثيرة، فتصميم واسطة نقل حديثة يشترك في وجودها الميكانيك والهندسة والكهرباء والانارة والحركة والالكترونيات والفيزياء وتقنيات ونظام المرور، وكثيرا من المعادن والمواد والمستلزمات والاثاث واليات العمل والتشغيل والسرعة والامان والصناعة والانتاج والتسويق .... الخ، كل ذلك تحت مظلة شكل جميل جذاب يحقق (وظيفة، واداء، واستخدام، ومنفعة) كل تلك الخامات والمواد والتقنيات . وهذا الشكل يصاغ يوميا بلغة العصر المختلفة، التي تعيد ترتيب الذاكرة البصرية والخطاب الجمالي الذي يتوق اليه الانسان . انها طريقة فذة لاشاعة الجمال ونفاذه الى ادق التفاصيل ذات العلاقة بالحاجات والمقاييس الانسانية .

 

التصميم واشكالية المنتج والمستهلك

يتضح مما سبق ان جوهر عملية التصميم تقترن بعملية خلق واكتشاف كل ما هو جديد وصناعته وانتاجه وتسويقة، وهذه العمليات وان تجسدت في نهاية الامر بالموجودات المادية للانسان الا ان حقيقة العملية الانتاجية هي عملية فكرية خلاقة تنتج الافكار والنظريات الجديدة التي تتحول الى وجود مادي في خدمة الانسان، وبمعنى اخر فان التصميم الجديد كاكتشاف وحدث وقضية يتعلق بين منتج ومستهلك، منتج ينتج الفكر والابداع وخلق الاشياء، ويصوغ مفردات الحياة وفق رؤيته الخلاقة، ومستهلك تابع ينبهر يوميا بكل ما هو جديد ومفيد ليدفع ثمنه.

وهنا يتضح بجلاء سطوة تصميم الشكل الجديد وجمالياته الخلاقة بالتحكم بعمليات التصميم والصناعة والانتاج والاقناع والادراك والاذواق والسلوك والتسويق وراس المال والجدوى والاقتصاد .

في فن التصميم فقط ينفذ الجمال الى كل موجودات الحياة ومستلزماتها وليتحول من الندرة والاحتكارالى الكثرة والشيوع، ليكون في متناول كل البشر وليرتقي بهم في كل يوم، مع ظهور كل شيء جديد وجميل .

 

أ.د إيــاد حســين عبــدالله

    عميد الكلية العلمية للتصميم - مسقط     

www.ayadabc.co.cc

[email protected]

....................

*مختصر عن بحثي (التصميم فن المستقبل ومستقبل الفن)

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1176 الثلاثاء 22/09/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم