قضايا وآراء

وثيقة المدينة المنورة للسلام / رشيد كهوس

وما كانوا عليه من أحقاد وحمية الجاهلية، واستطاع بفضلها إيجاد مجتمع إسلامي موحد. وهذا نصها:

"بسم الله الرحمن الرحيم، - هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم،

- أنهم أمة واحدة من دون الناس،

- المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون،

- وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين،

-  وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين،

-  وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين،

-  وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين،

-  وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين،

-  وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين،

-  وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،

- وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا (1) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل(2)،

- وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه،

- وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة (3) ظُلم، أو إثم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين؛ وإن أيديهم عليه جميعهم، ولو كان ولد أحدهم؛

- ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن،

- وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.

- وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم،

- وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم؛ وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا.

- وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله،

- وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه؛

- وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن،

- وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه

- وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر مُحْدثا ولا يؤويه، وإنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل؛

- وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.

وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين،

- إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته،

- وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف،

-  وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف ؛

- وإن ليهود بني ساعدة ما ليهود بني عوف ؛

- وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ؛

- وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف،

- وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف،

- لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (4) إلا نفسه وأهل بيته،

- وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم،

- وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم،

-  وإن موالي ثعلبة كأنفسهم وإن بطانة يهود كأنفسهم،

-  وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ينحجز على ثأر جرح،

- وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا ؛

- وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم،

- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم،

- وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة،

- وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم،

- وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.

- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره،

-  وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها،

- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب،

- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين،

-  على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم،

-  وإن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة. مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة. وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه،

-  وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره؛ وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم أو أثم؛ وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم»( سيرة ابن هشام، 2/368- 370).

إن هذه الصحيفة أو الوثيقة أو المعاهدة تم بموجبها تنظيم العلاقات في هذا المجتمع الإسلامي الجديد سواء بين مكوناته عامة أم بين من انضوى تحته من اليهود المدينة خاصة.

لقد وضعت الصحيفة المبادئ الأساسة للمجتمع الإسلامي الجديد؛ باعتبار المسلمين أمة واحدة، بعضهم أولياء بعض، يتعاونون بينهم ويتحابون ويتراحمون، واضعين النُّعرات القبلية وحمية الجاهلية تحت أقدامهم، لا فرق بين أسود وأبيض ولا بين عربي وعجمي إلا بالتقوى.

كما بينت الصحيفة حقيقة الحرية معرضة عن التعصب... حتى ولو مع اليهود الذين أعطت لهم حقوقهم كاملة، كحق الجوار ما التزموا ببنود الصحيفة.

إن الصحيفة في عباراتها الواضحة ونصوصها العادلة تناولت المعاهدة على نصرة المظلوم، وحماية الجار، ورعاية الحقوق الخاصة والعامة... ووافق يهود المدينة على نصوصها فيما يتعلق بعلاقة المسلمين مع غيرهم، خاصة في الدفاع عن يثرب إذا هاجمها عدو، والخروج من المدينة لمن يبتغي تركها، والقعود فيها لمن يحفظ حرمتها...

لكن هل كانت الأمة الملعونة في القرآن من اليهود صادقة في اتفاقها مع المسلمين على هذا العهد؟! هذا سؤال تجيب عنه غزوة بني قينقاع وقريظة، وإجلاء يهود بني النضير وطرد يهود خيبر.

إن النبي صلى الله عليه وسلم مد يده إلى أولئك اليهود مصافحا، وتحمل من الأذى ما لا تستطيع الجبال الشم أن تتحمله، لكنه كان مسامحا، ولما أجمعوا على التنكيل والدس والمكر والقضاء على دين الإسلام حصدتهم سنة الله التي لا تحابي أحدا.

هذا، ومن المعلوم أن تلك الصحيفة بينت لنا القمة التي وصل إليها المجتمع الإسلامي في السياسة والاجتماع، حيث ضم طوائف مختلفة جمعها الإسلام، وهذا لم تصل إليه المجتمعات التي تعتبر نفسها اليوم في أعلى هرم الحضارة والازدهار.

 

د.أبو اليسر رشيد كهوس/المغرب

 .......................

الهوامش:

(1) قال ابن هشام: المفرح المثقل بالدين والكثير العيال.

قال الشاعر: إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة * وتحمل أخرى أفرحتك الودائع. الروض الأنف، 2/348.

(2) عقل: العقل وهو الدية. الروض الأنف، 2/348.

(3) دَسِيْعَةَ ظُلْمٍ: أي دَفْعاً بِظُلْم. غريب الحديث، أبو الفرج ابن الجوزي، كتاب الدال، باب الدال مع السين. 1/336.

(4) أوتغه: أهلكه، ووتغ وتغاً: هلك.أساس البلاغة، حرف الواو، مادة: وتغ، ص889.

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2020 السبت 04 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم