تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

لماذا العلمانية ضد الإسلام؟

وهل تحولت المسيحية بطوائفها وأناجيلها إلى قلعة حصينة من قلاع العلمانية، وبالتالي انتفت حاجة العلمانيين إلى مناقضتها ومراجعة نصوصها التي غدت في متناول الجميع بشكل أو بآخر، وأنها لم تعد حكراً على سلطة بعينها؟.

هذه الاسئلة وغيرها يطرحها الكثير من الإسلاميين، لا سيما عندما تتعرض ديانتهم لسهام النقد اللاذع من العلمانيين، ويظل تفسيرهم الوحيد لهذا النقد، أن وراء الأكمة ما وراءها، أي الإشارة إلى وجود تواطؤ مضمر بين غلاة العلمانية وبين عتاة المسيحية أو اليهودية لإظهار الإسلام في أبشع صوره واستمرار النبش في ماضيه البعيد، من خلال أساليب التأويل الملتوية لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وكأن الصراع بين الإسلام والعلمانية، مشحون بدوافع سياسية، أكثر منها معركة فكرية، بين الشك واليقين .

ولرب قائل يقول، إن أساس التناقض بين العلمانية والإسلام، أن الأخير لم يعد يجد من يدافع عنه على غرار المسيحية واليهودية، اللتان تلتف حولهما مجاميع القوة بشتى أنواعها وأشكالها، ولهذا يظهر التحدي للمسيحية وكأنه تحد لدوائر القوى المتمركزة في العالم المسيحي، ثم أن هذا التحدي لن يسمع صوته، إذا ما كان على هيئة فكرة أو أطروحة، ربما يسمع صوته إذا كان على هيئة تهديد أو تفجير .

وقد يعلل البعض سبب انكباب العلمانية ضد الإسلام، أن في الإسلام ما يستحق المجادلة والمناقضة، بعكس ما بقي من المسيحية واليهودية، لجهة تحولهما وانتقالهما من عصر إلى آخر، إضافة إلى التغيير من الداخل، أي من قلب الكنيسة، وتالياً من قلب الكتاب المقدس، وبالتالي لم يعد مجدياً نقد المسيحية كدين سماوي يعتمد اعتماداً كاملاً على فلسفة التثليث أوما يسمونه بالأقانيم الثلاثة، التي تدخل في منظومة الإيمان الغيبي مثلها مثل الإسلام الذي يعتمد بدوره على الأركان الخمسة .

والملاحظ أن العلمانية، لا تتناول الإسلام في نقدها كإيمان غيبي، وإلا كانت تناولت المسيحية بنفس المقدار، فأدوات الإقناع  لدى المسلمين تصل إلى حد اليقين المطلق الذي يصعب التشويش عليه في العقل والقلب، وكذلك الحال مع المسيحية، كأكبر ديانتين يؤمن بهما ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، لكن تناول العلمانية للإسلام يظهر من خلال الأشخاص ومدى تطبيقهم للنصوص، من دون أن يظهر في النص بحد ذاته، وإن ظهر على مستوى النص، ستكون الغلبة لصالح الإسلاميين لأنهم لن  يوفروا أدنى وسيلة، ابتداءً من الدحض المقرون بالأدلة، وصولاً إلى التكفير إن تعذرت وسائل الدحض وسبله .

يبدو أن الصراع بين العلمانية والإسلام، ليس صراعاً مفاهيمياً، بل هو صراع رمزي، بمعنى آخر، الصراع مع رموز الإسلام بقديمه وحديثه، أي مع أشخاصه، وليس مع نصوصه، لهذا نجد أن المعركة حامية الوطيس بين غلاة العلمانية الذين يدافعون عن معتقداتهم سعياً إلى الوصول لعالم لا يقدس النصوص ولا النفوس، وبين الإسلاميين الذين لا يقبلون المس لا برموزهم ولا بنصوصهم، مهما كانت حجج وذرائع الآخرين، لذلك نجدهم يطرحون سؤالاً عميقاً، لماذا العلمانية ضد الإسلام ؟.

نعتقد أن لا أحد يملك جواباً وافياً وكافياً لهذا السؤال، نظراً لتعدد الإجابة، فالعلمانية قد تكون ضد الإسلام، نتيجة لواقع سياسي معقد، تقف وراءه دول الغرب مجتمعة، وقد تكون نتيجةً لسوء الفهم المتبادل بين الاسلام الرافض لمضمون العلمانية، وبين العلمانية الرافضة لشكل الإسلام .

إن الرفض المتبادل بين العلمانية والإسلام، لا يؤسس لثقافة حوار عقلاني هادئ بينهما، بقدر ما يؤسس لحوار غرائزي صاخب، يملأ صداه أرجاء العالم .

 

كاتب عربي

[email protected]  

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1188 الأحد 04/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم