قضايا وآراء

وعد الله بعصمة النبي (ص) من الناس / رشيد كهوس

لقوله جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ([1]) إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) ([2])، وقوله عز اسمه: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ([3])، وقد رأينا تجليات هذه السنة الإلهية لما تحدثت عن الجهاد النبوي في الفترة المكية، وأتحدث عنها هنا في حديثي عن الجهاد النبوي في الفترة المدنية، وأستنبط هذه السنة الإلهية من غزوة ذات الرقاع.

 هذه الغزوة([4]) أصيب فيها الصحابة رضي الله عنهم بشدة، لكن حينما تقوى الروح المعنوية تفتر جميع القوى، ويتهاوى كل شيء دونها: قوي إيمانهم، ورسخ يقينهم، واتصلوا بأعظم قوة في الوجود قوة رب العالمين، فتضاءل الوجود أمامهم، فخضدت الأشواك، وتكسرت الحجارة، وانطفأ لهيب الرمال، وتغلب الصحابة على هذه الظواهر المادية الطبيعية بأيسر الأسباب فألقوا على أقدامهم الخرق، ولفوها بها([5]).

في تلك الغزوة المذكورة وقعت حادثة ذلك الرجل الذي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم, يروي الإمام محمد بن إسحاق –رحمه الله-عن سيدنا جابر بن عبد الله  رضي الله عنه: أن رجلا من بني محارب  يقال له غورث. قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فقال: يا محمد أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم - وكان محلى بفضة فيما قال: ابن هشام- قال: فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله ثم قال: يا محمد أما تخافني؟ قال: لا، وما أخاف منك؟ قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني ( الله ) منك. ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه، قال: فأنزل الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)([6]) قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان: أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش، أخي بني النضير  وما همَّ به. فالله أعلم أي ذلك كان([7]).

ومن هذه الحادثة ندرك حفظ الله تعالى لنبيه من كيد الكائدين، رغم كيد الأعداء الذين يتربصون به الدوائر في كل حين، فإنهم لن يستطيعوا إلى التخلص منه سبيلا.

فهذه الحماية الإلهية لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم كما رأينا في تلك الحادثة، لهي أبلغ علامة على أن الله رعاه وحماه لمكانته العظيمة عنده، وليؤدي المهمة الجليلة التي أوكلها الله إليه مما يثبت صدق نبوته. لقد عصم الله رسوله وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده. فقد أنجز الله له وعده الذي وعد (والله يعصمك من الناس) فأقام لذوي البصائر دليلا آخر على نبوته بتحقيق إخباره عن ضمان سلامته. ومن أصدق من الله حديثا..!! ([8]).

ولذلك كلما حاول الكفار المنكرون محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، إلا وكانت نتيجتها الفشل الذريع والخيبة والحرمان، وردهم الله على أدبارهم خاسرين مدحورين لم ينالوا خيرا.

 

د. أبو اليسر رشيد كهوس



([1]) وليست العصمة المراد في الآية الكريمة أن لا يتعرض للابتلاء والأذى والمحنة من قومه؛ إذ تلك هي سنة من سنن الله في الدعوات، وإنما المقصود من العصمة هنا أن لا تطول إليه أيادي الغدر التي تحاول اغتياله وقتاله لتُغتال فيه دعوة الإسلام التي بُعث لتبليغها للناس كافة.

([2]) سورة المائدة:67.

([3]) سورة البقرة: من الآية137.

([4]) انظر تفاصيل أحداثها في: سيرة ابن هشام، 3/143-148. جوامع السيرة، ص110. طبقات ابن سعد، 2/61-62. تاريخ ابن خلدون، 1/829. الدرر في اختصار المغازي والسير، ص119-120. أنساب الأشراف، 1/340. تاريخ الطبري، 103. زاد المعاد، 2/165.

([5])صور وعبر من الجهاد النبوي بالمدينة، محمد فوزي فيض الله، ص175.

([6]) سورة المائدة:11.

([7]) سيرة ابن هشام، 3/146. تاريخ الطبري، 102. البداية والنهاية، 2/442.

([8]) نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن، حسن ضياء الدين عتر، ص286.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2024 الاربعاء 08 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم