قضايا وآراء

لماذا يقدّم المسؤول مصالحه على مصالح شعبه؟ .. تعقيبا على استطلاع صحيفة المثقف الغراء / عبد الاله الصائغ

مثل هذه الاسئلة عصية على الاجابة فنصف سكان المقابر الجماعية او المقابر الفردية جاءوا اليها او جيء بهم لأنهم تداولوا الحديث عن المسؤول !! وفي معجماتنا العربية الكلاسية تسميات مكتظة إن هي إلا صفات وشمت المسؤول من نحو: المسؤول الراعي الحاكم الرب القرن الحامي القائد الفتى الفارس الذائد السائس السيد ! القائمة طويلة ومملة فقط انظر الفعل الثلاثي المجرد لما اوردناه اعلاه ! قديما استنادا الى سير جيمس فريزر وغصنه الذهبي كان المسؤول هو المغتصب لغصن الحكم الذهبي فاذا احتازها سعى الى توريثها لاولاده او احفاده فإن كان ابتر عقيما ورثها لأخيه او عمومته ! ثم صار المسؤول هو القائد الناجح في السلم وفي الحرب.

 وفي واحدة من حقب تاريخ البشرية كان المتنافسون على المسؤولية يخرجون الى العراء تحيط بهم الجماهير بشكل دائرة فيتبارزون فاذا كانوا اثني عشر متنافسا مثلا فلابد ان تتم التصفيات فالاثنا عشر في الجولة الاولى يغدون ستة منتصرين احياء وستة خاسرين مقتولين ! وفي الجولة الثانية يصبح المنتصرون ثلاثة والخاسرون ثلاثة ثم تتوالى المبارزات حتى يلبث واحد حيا منتصرا يقود الرعاع بسطوته ! ثم جاءت فترة يكون للمسؤول صفات الوسامة والجسامة والضخامة والفتك وينتخبه مجلس القبيلة ! وفترة صار عدد الاولاد من الذكور سلما للتفوق ! ومن ثم دخل المسؤول في بودقة الحضارات فتلون بلونها كما الحرباء ولبث المسؤول متوفرا على السلطتين الدينية والمدنية ! ومع كل الاحباطات والخيبات والاستثناءات بقي القائد انسانا مميزا بثلاث قوى اولها المحتد وثانيها الفروسية واخيرها الذكاء !

لكن الوعي الجمعي للعراقيين المغرقين في القدم حدد للفارس صفة الرائي الذي يمتلك رؤية استباقية تعجز عنها الناس فتغني له اي تنحاز له وتمكنه من حكمها قارن افتتاحية ملحمة جلجامش :

هو الذي رأى كل شيء فغني بذكره يا بلادي وهو الذي عرف جميع الأشياء وأفاد من عبرها وهو الحكيم العارف بكل شيء

ثمة حلقة مفقودة بين العهد السومري ومن بعد البابلي والعهد الجاهلي تحدثت عنها في كتبي ولذلك يقول زهير بن ابي سلمى :

ألا ليت شعري: هل يرى الناسُ ما أرى  من الأمْرِ أوْ يَبدو لهمْ ما بَدا لِيَا؟

بَدا ليَ أنَ النّاسَ تَفنى نُفُوسُهُمْ   وأموالهمْ، ولا أرَى الدهرَ فانيا

وإنِّي متى أهبطْ من الأرضِ تلعة    أجدْ أثراً قبلي جديداً وعافيا

أراني، إذا ما بتُّ بتُّ على هوًى فثمَّ إذا أصبحتُ أصبحتُ غاديا

إلى حُفْرَة أُهْدَى إليْها مُقِيمَة يَحُثّ إليها سائِقٌ من وَرَائِيا

كأني، وقد خلفتُ تسعينَ حجة ، خلعتُ بها، عن منكبيَّ، ردائيا

بَدا ليَ أنّ اللَّهَ حَقٌّ فَزادَني   إلى الحَقّ تَقوَى اللَّهِ ما كانَ بادِيَا

بدا ليَ أني لَستُ مُدْرِكَ ما مَضَى   ولا سابِقاً شَيْئاً إذا كان جائِيَا

وما إن أرى نفسي تقيها كريمتي   وما إن تقي نفسي كريمة َ ماليا

ألا لا أرى على الحَوَادثِ    باقِياً ولا خالِداً إلاّ الجِبالَ الرّواسِيَا

وإلاّ السّماءَ والبِلادَ وَرَبَّنَا     وأيّامَنَا مَعْدُودَة واللّيالِيَا

لذلك كان العربي يستحي ان يسود قومه دون مسوغات للسيادة وهي على اية حال غير المحتد والوراثة قارن عامر بن الطفيل جاهلي

اني وان كنت ابن سيد عامر وفارسها المشهور في كل موكب

فما سودتني عامر عن وراثة ابا الله ان اسمو بام ولا اب

ولكني احمي حماها واتقي اذاها وارمي من رماها بمنكبي

وقارن لقيط بن يعمر الإيادي جاهلي يرسم صورة القائد

هو الجلاء الذي تبقى مذلته إن طار طائركم يوما وان وقعا

هو الجلاء الذي تبقى مذلته إن طار طائركم يوما وإن وقعا

قوموا خفافا على امشط ارجلكم ثم افزعوا قد ينال الأمر من فزعا

هو الفناء الذي يجتث اصلكمو فمن رأى مثل ذا رأياً ومن سمعا

فقلدوا امركم لله دركمو رحبَ الذراع بأمر القوم مضطلعا

لا مترفا ان رخاء العيش ساعده ولا اذا عض مكروه به خشعا

مازال يحلب در الدهر اشطره يكون متبعا طورا ومتبعا

حتى استمرت على شزر مريرته مستحكم السن لا قحما ولا ذرعا

هذا كتابي اليكم والنذير لكم لمن رأى الرأي بالإبرام قد نصعا

وقد بذلت لكم نصحي بلا دخل فاستيقظوا ان خير العلم ما نفعا

وقارن ميمون بن قيس البكري – الأعشى الكبير – جاهل

 وهو يرسم صورة شعرية للمسؤول بحيث يمنحه شيئا من السحر والالوهية:

 

قوم   بيوتهم   أمن   لجارهمو يوما إذا ضمت المحذورة الفزعا

وهم إذا الحرب أبدت عن نواجذها  مثل  الليوث  وسم  عاتق  نقعا

غيث  الأرامل  والأيتام   كلهمو لم تطلع الشمس إلا ضر أو نفعا

من يلق هوذة يسجد غير متئب إذا تعصب فوق التاج أو  وضعا

له   أكاليل   بالياقوت   زينها  صواغها لا ترى عيبا ولا طبعا

لم ينقض الشيب منه ما يعاب به وقد تجاوز عنه  الجهل  فانقشعا

أغر  أبلج  يستسقى  الغمام  به  لو صارع الناس عن أحلامهم صرعا

قد حملوه فتي السن  ما  حملت  ساداتهم  فأطاق  الحمل  واضطلعا

من ير هوذة أو  يحلل  بساحته  يكن  لهوذة  فيما  نابه  تبعا

تلقى  له  سادة  الأقوام  تابعةكل سيرضى بأن يرعى له  تبعا

يا هوذ يا خير من يمشي على قدم  بحر  المواهب  للوراد  والشرعا

يرعى إلى قول سادات الرجال إذا   أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا

ومن المؤلم حقا ان الفترات البربرية الدموية المنقرضة عادت تتنفس وتنافس الاحياء على الحياة فتنتصر عليهم ! ارتدت البربرية الجديد قناعات عديدة منها الاخلاق الحميدة ومنها القيم الرشيدة ومنها صلاح الأمة ومنها حفظ الاصول ... وكان ذلك كله مطروحا للمناقشة والمناكفة والمجادلة والمكاشفة فالفكر الشمولي ضعيف جدا لأنه فكر يمتد افقيا فإذا لاقى فكرا ممتدا عموديا اضطرب واختلج ! لكن الطامة الكبرى حين استعمل الفكر الدينوي قناع الدين وساط الناس بسوط الرب ! وبلغ الامر في الفترات المظلمة في بلاد الفرنجة ان يبيع القس مساحات من الجنة للمغفلين فيتدافع الناس لشراء صكوك الغفران ! حتى ظهر القس المصلح مارتن لوثر كنكَـ 1483- 1546 فأبطل دور رجال الدين في السياسة وحيوات الناس بعد ان سيق رجال الفكر والتنوير الى المحارق وقد نجا غاليلو غاليلي من التحريق سهوا ! ومن المؤلم حقا ان تجربة اوربا مع الدين السياسي قريبة وكنا ندرسها في مناهجنا إلا ان المتشددين من الاسلامويين نفذوا من خرم ابرة الانظمة الشمولية الدكتاتورية التي كانت تهرطق بالعلمانية والديموقراطية فجاع الناس وهربوا من اوطانهم لحماية ارواحهم وعوائلهم واموالهم وهاهي ملايين الشباب المتحضر تخرج عن نص المسؤول الحاكم وتسقطه بالوسائل السلمية وتعود الى بيوتها حالمة بالغد الجميل وهي لاتدري انها اسلمت مصير بلدانها الى انظمة اشد شمولية وعتوا وهي الانظمة السلفية الوهابية السعودية ! ان ادعياء الطهر الاسلامي الموعود تعاونوا مع المحتلين الانجليز والامريكان لكي يقدموا تجاربهم الديموقراطية بعد ان فشلت التجارب العلمانية واللبرالية (كذا) واذا كان النظام القديم الاموي يتهم المعارضين بالطالبية والحكم العباسي يتهم المعارضين بالشعوبية والزندقة والحكم العثماني يتهم المعارضين بالرافضة فان الحكم الديني الجديد في الشرق العربي الذي عرف لعبة صناديق الاقتراع البكماء واستثمرها لصالحه يتهم المعارض بالكفر بالله الواحد الاحد ! واستثمروا الثقل الاجنبي في تصفية خصومهم او تجويعهم او تحييدهم ! فإن ساعة الحكم الشمولي الجديد قد دقت وتواقت معها النفاق والسرقة وتكريس ثقافة الموت والبكاء يكون القتل

اقامة لحدود الله وسرقة المال العام حفاظا على تقاليد الله فهو يرزق دون حساب ويفقر دون حساب اما المحسوبية والمنسوبية وحرمان البلد من خيرة خبرائه فذلك تنفيذا لحكم الله في المفسدين ! وصارت الظاهراتية الاسلاموية بديلا من الوازع وبعيدا عن اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم ! والله اكبر من ان تمثله فئة ضئيلة الفكر والرؤية واعدل من ان يمنح صلاحياته للمهوسين ! وهذا ما سوف يستمر الى يوم القيامة إن لم يلتفت الرأي الأممي العام الى محنتنا مع الأنظمة الأسلاموية التي يتبرأ منها الأسلام الحنيف ويتبرأ منها الله ورسوله .

 

عبد الاله الصائغ فرجينيا 26 فبروري 2012

 

خاص بصحيفة المثقف

 

للاطلاع

استطلاع: لماذا يقدّم المسؤول مصالحه على مصالح شعبه؟

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2043 الأثنين 27 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم