قضايا وآراء

علم القوافي (2): ألقاب القافية وحدودها / كريم مرزة الاسدي

من حيث آخر ساكنين والمتحركات التي بينها، والمتحرك السابق للساكن الأول، وتبيان أحوالها من لزوم وجواز وفصيح وقبيح وغيرها . ويعرفه (السكيرجي) في (مسامرته): علم القوافي، من علوم اللغة العربية، وهو من تتمة علم العروض، يبحث عن تناسب و عيوب أواخر الأبيات الشعرية، ومعنى القافية في نظر محققي هذا الفن،التابعة لما قبلها (18)، الشاعر الملهم العبقري المرهف الحس، لا يحتاج إليه، ولا لعروضه، لأنه أكبر منهما، وأساساً وجد الشعر قبل وضع هذين العلميَن وغيرهما، ولكنه يفيد النقاد، والشعراء عند الإبتداء، أوعند الإلتباس والسهو أحياناً لدى الشعراء الكبار، فاللحظات الإنسانية متباينة على كلّ حال، ولله الكمال !، ثم الأدن المرهفة ليست على حد سواء عند جميع الشعراء، لذلك يرغب أن يعرف هؤلاء، أومتذوقوا الشعر، حسن الشعر وجودته أو عيوبه، وكيفية نظمه، وصحة سلامته وأحكامه، هنالك إشارات غير دقيقة ترجع واضع (علم القوافي) للمهلهل بن ربيعة الذي هلهل الشعر أي أرقه، أو سلسل بناءه (19)، إذ يذكر الدمنهوري " وواضعه مهلهل بن ربيعة خال امرىء القيس " (20)، بل يذهب بعضهم أنه أول من قصد القصيد لقول الفرزدق " ومهلهلُ الشعراءِ ذاك الأول " (21) ولكن الدكتور حسين نصار يؤكد أن مؤسسه الخليل بن أحمد،بناء على إشارات قوية (22)، ويذهب معه أغلب القدماء والمعاصرين.

لنأتي أولاً على ألقاب القافية وحدودها، أي نبين موقع الحرفين الساكنين بالنسبة للحروف المتحركة وعددها، وبهذا سنخالف ماورد في معظم كتب علم القوافي، والسبب أرغب بالدخول من الأشمل للأخص ، أي من الخارج إلى الداخل وبتوسع ، وأنت الأعرف أنّ دراسة العام أسهل من دراسة الأختصاص ، وهومقدمة له للفهم !!:

1 - المترادف (23): اجتماع ساكنين متتاليين آخر البيت،، أحدهما يردف الآخر، يسبقهما حرف متحرك (/ه ه)، وهذا مقطع زائد الطول (^)، ويسميه القرطاجني (السبب المتتالي)، وبالعروض الرقمي يعطى " 2 1" أو " 2 ه "، وهذا يحدث في القافية (المقيدة) التي رويها ساكن، كـقول ابن النـّبيه:

النـّاس للموت كخيل الطـّرادْ           فالسّابق السّابق منها الجوادْ

هذا مطلع قصيدة، والقافية جزء من كلمة في صدره (رّادْ)، وفي العجز (وَادْ) ، أرجو منك يا قارئي الكريم أن تدقق في القافية (وَادْ)،تتضمن حرفي علـّـة، الواو المحركة بالفتح، والألف الساكن وما قبله حركة(فتح) من جنسه، ولا يجوز أن يُحرّك الحرف ما قبل الألف إلا بالفتح، فلكون حرف الألف ساكناً ، وما قبله حركة من جنسه، فهو حرف مد دائما (سنذكر فيما بعد متى تكون حروف العلة حروف مدٍّ ، أو لين، أو تبقى على حالها علة فقط)،ومثل هذه الواو المتحركة (حرف العلة فقط)، أعطيك هذا البيت الثاني للشابي ، وأول قافيته ياء مفتوحة، وهي حرف علة، لا مدٌّ ولا لين، والأف بعدها حرف مدٍ ، والقافية (يَاة ْ ْ):

آلا أيّها الظالمُ المستبدُ         حبيبُ الظلام ِعدوُ الحيَاة ْ        

2- المتواتر: هو أن يقع متحرك واحد بين ساكني القافية،إضافة إلى المتحرك ما قبل الساكن الأول (/ه /ه)، فكما ترى سببين خفيفين متتاليين، أي تتكون القافية من مقطعين طويلين (- -)، وبالعروض الرقمي " 2 2 "، مثال قول جميل بن معمر(24):

ألا يا صبا نجدٍ     متى هجتَ من ْ نَجْدِ

القافية كلمة واحده، أكتبها عروضياً بإشباع الكسرة الى ياء (نَجْدي)

ولكاتب هذه السطور من قصيدة (الوافر):

إذا ما ضلَّ شعركَ بعد رشدٍ     فصبراً أيّها العربيُّ صَبـْرا

فأنتَ   رفيعُ ذوق ٍ منْ قديم ٍ     لقد أورثتهُ عصراً فعَصْرا(25)

البيت الأول القافية لفظها متواتر من كلمة واحدة (صَبـْرا /ه/ه)، والبيت الثاني (عًًَصْرا /ه/ه)، وهي جزء من كلمة بالمعنى العرفي ، تذكر أن القافية تبدأ من الحرف المتحرك الذي يسبق آخر ساكنين من البيت.

3 - المتدارك: وهو لفظ القافية الني يتوالى فيها حرفان متحركان بين آخر ساكنين، مع الحرف المتحرك الذي يسبق الساكن الأول (/ه //ه)، كما ترى تتكون من سبب خفيف يليه وتد مجموع، بالعروض الرقمي " 2 3 " ، وبالنظام المقطعي (- ب -)، وسمي بالمتدارك، لأنّ التدارك دون التراكب، فالخيل وغيرها إذا جاءت متداركة، أحسن من أنْ يركب بعضها بعضاً (26)، ومثاله:

مِحنُ الفتى يُخبرنَ عن فضل ِالفتى       والنّارُ مخبرة ٌبفضل ِالعنبر ِ

يخطأ صاحب (ميزان الذهب) أن يجعل القافية " بَر ِ" (25)، والصحيح (عَنـْبَر ِ)، وبالكتابة العروضية (عَنـْبَرِي بإشباع الكسرة (/ه //ه)، والقافية جزء من كلمة، لأن ألف ولام التعريف تصبح جزءاً من الكلمة، وإليك مثال آخر، القافية فيه كلمة مستقلة، صدر مطلع معلقة امرىء القيس:

قفا نبكِ منْ ذكرى حبيبٍ ومَنـْز ِل ِ     بسقطِ اللوى بينّّّ الدخول ِ فحَوْمَل ِ

قافية الصدر (منـْزِلِي) بعد إشباع الكسر (/ه//ه)،   أمّا قافية العجز (حَوْمَلِ ِ)،، وهنا نذكر نقطتين، الأولى القافية جزء من كلمة أيضاً، كتابتها عروضياً (حَوْمَلِي /ه//ه)، بالرغم من أنّ الفاء ليس من أصل الكلمة، لأنها حرف عطف (28)، فالمراد بالكلمة العرفية لا النحوية و اللغوية ، والثانية حرف الواو في (حَوْمَل ِ)، هو حرف لين، وليس حرف مد، لأنها ساكنة، وما قبلها حركة من غير جنسها (29) (أنظر الهامش رجاءً)

     4 - المتراكب: لفظ لقافية تتركب من ثلاثة متحركات بين ساكنين إضافة الى المتحرك قبل الساكن الأول، فتصبح القافية (/ه ///ه)، سبب خفيف تليه فاصلة صغرى، بالنظام المقطعي (- ب ب -)، بالعروض الرقمي " 2 4 "، " وإنـّما سمي متراكباً لأنّ الحركاتِ توالتْ فركب بعضُها بعضاً " (30) مثاله قول زهير ابن أبي سلمى::قفْ بالّديار التي لم يعفها القِدمُ     بلى وغيّرها الأرواحُ والدّيمُ (31)

دقق عزيزي القارىء الكريم أنّ قافية الصدر بالكتابة العروضية (هَلْ قِدَمُو /ه ///ه)، كتبنا اللام الساكنة لأنّ القاف من الحروف القمرية ، بينما قافية العجز تكتب عروضياً (وَدْ دِيَمُو /ه ///ه) الدال شُدّدت فلامها لا تلفظ، لأنها من الحروف الشمسية، القافية أكثر من كلمة في الشطرين،ولاحظ أيضاً الياء محركة بالفتحة، فهي حرف علـّة فقط، فلا هي بحرف مدٍّ، ولا لين،، والسبب عدم سكونها !

ولي من قصيدة من (مجزوء الوافر):

فمنْ أعذارهُ سببٌ     فهلْ لشهامةٍ سَبَبُ ؟! (32)

القافية وكتابتهاعروضياً (تِنْ سَبَبُو /ه ///ه) ،فهي أكثر من كلمة .

ومن القافية المتراكبة قول الشاعر:

لا تعادِ الناسَ في أوطانهمْ       قلـّما يُرعى غريبُ الوطن ِ

وإذا ما شئتّ عيشاً بينهمْ       خالق ِالنّاسَ بخلق ٍ حسن ِ

أترك إليك معرفة قافية البيتين، على أن تعتبر حرف الواو في قافية البيت الأول حرفاً قمريا، والتنوين في قافية البيت الثاني تكتبها نوناً ساكنة، وأن تشبع حركة حرفي الروي في البيتين، وكان الله في عونك !!

5- المتكاوس: جعلت هذا المنكاوس في الأخير، وقلبت ترتيب ما ورد في معظم كتب علم القوافي، شأني شأن الخطيب التبريزي، ولو أنّه مرّ على ألفاظ القوافي مرور الكرام، واراني ثقيلاً في الإطالة، وعذري أكتب للقارىء العام والخاص (المختص)، وأمزج بين ما استجد وما قدم كديدني في علم العروض، وعلى قدر الإمكان والقدرة والإستطاعة، والوقت المتاح، وصبرك المباح !! المهم قافية المتكاوس أربع حركات تنحصر بين الساكنين الأخيرين إضافة الى المتحرك الذي يسبق الساكن الأول (/ه ////ه)، يتضمن هذا، مثاله اللفظ سبباً خفيفاً مع فاصلة كبرى ، وبالعروض الرقمي " 2 5 "، ونادراً ما تأتي هذه الخمسة الثقيلة بالشعر، إلا بالرجز، وهو أسهل البحور، وبالنظام المقطعي (- ب ب ب -)،   يقول شيخنا التبريزي "وإنما سُمي متكاوساً للاضطراب ومخالفة المعتاد، ومنه كاست الناقة، إذا مشت على ثلاث قوائم، وذلك غاية الاضطراب، والبعد عن الاعتدال " (33)، ومن أمثلة هذا الضرب - ولا أعني الضرب العروضي، وهو آخر تفعيلة في البيت - قول العجاج:

هلا سألتَ طلالاً وحَمَمَا

القافية (لاًوَحَمَمَا....لِنْ وَحَمََمَا /ه////ه)، وأرجو أنْ تتذكروتميز - قوله الآخر:

وعوّرَالرحمنُ مَنْ ولـّى العََوَرْ         قدْ جبـر الدّينَ الإلـَهُ فـَجَبَرْ

كتابة قافية العجز عروضياً (لاهـُ فـَجَبَرْ /ه ////ه) اللام كما أسلفنا حركتها الفتحة، لأنها تسبق الألف، وهو حرف مد، وبقية الحروف محركة،والقافية كما ترى تتكون من سبب خفيف ، وفاصلة كبرى، ومن ناحية المقاطع فالمتكاوس يتشكل من مقطع طويل مفتوح (لا)، وثلاثة مقاطع قصيرة، ومقطع طويل مغلق (بَرْ) (34)، أي (- ب ب ب -)، أما من ناحية العروض الرقمي " 2 5"، وهذه الـ " 5" - الفاصلة الكبرى - ثقيلة ونادرة في الشعر العربي،آلا ترى نسبة الساكن للمتحرك "1: 4"، الكم الصوتي فيها مجهد، والكيفي ثقيل ، وأودُّ أنْ أشير إلى أنّ الفعل (جبرَ) الأول متعدٍ، يأخذ مفعولاً به هو (الدينَ)، بينما الفعل (جبرَ) الأخير لازم، يكتفي بفاعله، ولا يتجاوزه الى مفعول به ، وننهي هذه الحلقة بالفعل (جبر)، المتعدي اللازم،وهو فعل واحد والله الواحد، لكم الود والتقدير، والعذر عن التقصير !!    

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) مسامرة نيل الأرب في أدب العرب:: أحمد سكيرج ج1 ص 92 - المكتبة السكنرجية التجانية -

(19)العروض وإيقاع الشعر العربي:: د. سيد البحراوي ص 90 مصدر سابق .

(20)الدمنهوري...السيد محمد: الحاشية الكبرى على الكافي في علمي العروض والقوافي ص 15 - 1322هـ - مصر. وراجع:كتاب القوافي:تصنيف القاضي أبي يعلي التنوخي - تحقيق د.عوني عبد الرءوف- كذا - المقدمة ص 15 - 978م - مكتبة الخانجي بمصر

(21) كتاب القوافي: المصدر نفسه  

(22) د. حسين نصار: القافية والعروض ص 9 دار المعارف - 1980 - القاهرة

(23) المفصل في العروض والقافية: عدنان حقي ص 203 - مصدر سابق يقول: " ورد في كتاب الخلاصة الوافية للأستاذ حامد سليمان جاءت القافية مؤنثة، وألقابها مذكرة، لأن المراد ليس القافية نفسها، بل لفظ حروفها

(24) راجع:سمط اللآلىء للبكري ص 49 - لجنة التأليف والترجمة والنشر - 354 هـ - القاهرة، وينسب البيت لآخرين.

(25) حصاد أيام وأيّام: كريم مرزة الاسدي - ص 87 - 1998م - دمشق- الديوان الثاني.

(24) الخطيب التبريزي: الكافي ص 148،مصدر سابق .

(25) ميزان الذهب: السيد أحمد الهاشمي ص121 مصدر سابق.

(27) يقول ابن مالك في ألفيته:

كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقمْ            واسمٌ وفعلٌ ثمّ حرفٌ الكلمْ

فحرف العطف يعتبر كلمة مستقلة من الناحية النحوية واللغوية، وما هكذا بالشعر .

(29) حروف العلـّة ثلاثة (الألف والواو والياء)، هذه الحروف، إذا كانت محرّكة تبقى حروف علـّة فقط مثل (خرْوَع)، وكلّ كلمة إذا سبق حروف علـّتها حرف ساكن،تبقى حروف علـّة فقط ، لأنه لا ييتوالى ساكنان في اللغة العربية إفي آخر كلمات بعض القوافي ، أمّا إذا كانت حروف العلة ساكنة ، فننظر حركة الحرف الذي يسبقها، إن كان من جنسها، فنطلق عليها حروف مدٍّ، كـ (بَاعَ، يبـِـيعُ،يَقـُولُ)، بينما حروف اللين، فهي ما كانت ساكنة سيان الحركة التي قبلها من جنسها أم لا، فهي أعمُ من حروف المد، أي كلّ حرف لين هو حرف مدّ ، والعكس غير صحيح، مثل (قـَوْل، بَيْع)، علما لا تسبق حرف الألف إلا حركة الفتح من جنسه، فهو دائما حرف لين ومد، سنستفيد من هذه المعلومة فيما بعد !

(30) الكافي ...: الخطيب التبريزي ص 148 مصدر سابق.

(31) الشاهد من المصدر نفسه، نقلا من ديوان زهير ص 145 راجع

(32) حصاد أيّام وأيّام : ص 63 مصدر سابق.

(33) الكافي: التبريزي ص 147 مصدر سابق

(34) راجع بحثتا في علم العروض الحلقة الرابعة .

      

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2053 الخميس 08 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم