قضايا وآراء

علم القوافي (3): مدى القافية في القصيدة الواحدة / كريم مرزة الاسدي

كلا ...  لو كانت القافية كما يقول أخفشنا البصري تتكون من الكلمة الأخيرة من البيت، لِما اتفق العروضيون جميعاً على هذا (المتكاوس) (35)، وأوردوا قول العجاج شاهدا عليه:

جبر الدينَ الإلهُ فَجَبَرْ

 وهو أكثر من كلمة عرفية، اللام والألف والهاء من (الإله)، وكلمة (فجبرْ) العرفية، وأكثر من كلمتين نحويتين أو لغويتين، ولكنَّ العروضيين أخذوا بالكلمة العرفية بدليل لم يذكر أحد منهم توجد قافية أكثر من كلمتين  !! وإليك أمثلة أخرى للإستناس حول حدود القافية من حيث  تشكيلها من أقل من كلمة حتى الكلمتين:

لكاتب هذه السطور قصيدة من سبعة وأربعين بيتاً، موجودة في ديوانه الأول - ستأتي على بعض أبياتها عند الكلام عن ألف التأسيس - وهي من (مجزوء الكامل):

 أ وما رأوا هـذي الجبا    لَ الشامخاتِ مكابرة ْْ؟

شتـّانَ بينَ الطرفِ مُنـْ     خفضاً وعيـْنكَ ساهرةْ (36)

القافية في البيت الأول جزء من كلمة (كـَابِرَة ْ  /ه //ه  - ب -  2 3  على أساس 2 وتد خفيف مفتوح و 3 وتد مجموع)، وفي البيت الثاني كلمة واحدة (سَاهِرَة ْ  /ه //ه)، ولفظهما (متدارك)، ومن قصيدة شهيرة ورائعة  لابن الرومي في رثاء ابنه الأوسط،يقول من (البحر الطويل):

بكاؤكما يشفي وإنْ كان لا يُجـْدي          فجودا فقد أودى نظيركما عندي

بنيّ الذي  أهدتـهُ  كفـّاي  للثـرى          فياعـزّة المُهدى وياحسرة َالمُهدي(37)

قافيتا  البيت الأول بصدره وعجزه كلمتان كاملتان  عرفيتان، ففي الصدر (يُجـْدي  /ه/ه  - -  2 2  )، وفي العجز (عِنـْدي  /ه/ه)، ولفظهما (متواتر)، و (عندي)  تعتبر كلمة عرفية واحدة،أمّا من الناحية اللغوية والنحوية، فهي كلمتان، إذ ياء المتكلم تعتبر كلمة مستقلة، (عند) ظرف مكان مضاف، و(ياء) المتكلم مضاف إليه، وما هكذا بقافية الشعر، فالكلمة تعتبر  واحدة في علم القوافي، وفي البيت الثاني القافية (مُهْدي   /0/0)، وهي جزء من كلمة بعد حذف الألف واللام ، اللفظ متواتر هادىء، يتمتع بالروية والحكمة،والاستسلام لمشيئة الله، وربما تكون أكثر من كلمة، كما في بيتي أبي فراس الحمداني، وهو يخاطب سيف دولته (البحر البسيط):

إذا لقيتَ رفاق البيض ِمنفرداً    تحتَ العجاج ِفلا تستكثرُ الخَدَمُ

تفدي بنفسكَ أقوامـاًَ صنعتهمُ     وكان حقـُّهمُ أنْ يفتدوكَ همُ (38)

قافية البيت الأول (رُلْ خـَدَمو  /ه ///ه    - ب ب  -    2  4 على أساس 2 وتد خيف مغلق، و 4 فاصلة صغرى بعد إشباع الضم إلى واو)، (الراء) من كلمة و(الخدم) كلمة ثانية ألف الوصل لا تلفظ، وشبعت الضم الى واو، ، والبيت الثاني قافيته (دُوْكَ هُمُو   /ه ///ه) كما ترى أكثر من كلمة في البيتين، مقطعان طويلان في الأول والأخير، وبينهما مقطعان قصيران،  ولفظ قافيتهما (متراكب)، فيه نوع من الأصرار والإستعجال في ذكر الخبر، والحالة الأخيرة تتكون القافية من كلمتين عرفيتين، كما هو الحال في بيتي أحمد شوقي من قصيدته (بين الحجاب والسفور)، وهي من (مجزوء الكامل):

يا ليت شعري يا أسيـْ     ــرُ شج ٍ فؤادُ،أمْ خلي

واسألْ لمصرَ عنـاية ً      تأتي و تهبط ُ مِنْ علِ ِ(39)

القافيتان في البيت الأول  (أمْ خـَلِي   /ه //ه   - ب -   2 سبب خفيف مغلق، و3 وتد مجموع)، والبيت الثاني (مِنْ عَلِي  /ه //ه) الكتابة عروضية، ولفظهما (متداركان) . مقطعان طويلان، وبينهما مقطع قصير واحد، وإذا قرأت أو سمعت بأن إحدى القوافي تتكون من أكثر من كلمتين، فاعلم يقصدون لغويتين أو نحويتيت، وليس بعرقيتين كما هو متعارف عليه في علم القوافي . .

    ولابد أن نذكر  توجد قصائد تتضمن أكثر من نوع واحد من هذه الألقاب، نظراً لدخول  الزحافات الجائزة على تفعيلات أواخربعض الأبيات دون الأخرى، وأحيانا تجوز حتى العلل في تفعيلات أضرب بعض الأبيات  للبحر نفسه  - سنفصل الأمر لأهميته -  ، فبيت العجاج - كما كتبته أنا - قافية صدره لفظه (متدارك)، وهو أكثر من كلمة أيضا،كتابته عروضياً (لـََلْعَوَرْ /ه//ه)، ولا عيب في ذلك  .

والأن نشير إلى ما يراه الدكتور شكر عياد عن المقاطع التي تشكل القافية، إذ يلخصها: "هي المقطع الأخير، إذا كان زائد الطول (^)،أو  آخر مقطعين طويلين، وما قد يكون بينهما من مقاطع " (40) () (-....-)، ما بين الأقواس داخل النص وخارجه، لكاتب هذه السطور للتوضيح، وأعيدأكرر لمن فاتته حلقات علم العروض  - وفي الإعادة إفادة - (^) مقطع صوتي زائد الطول، أمّا مفتوح (قامْ)، أو مغلق (حبْرْ)، (-) مقطع طويل، إما مفتوح (لا...ما)، أو مغلق (لمْ ...منْ) . أو مقطع قصير (ب)، و يتكون من حرف صامت  + صائت قصير، أي حرف بحركته مثل (لـِ...فـَ   حرف الجر وحرف العطف للتابع)،وحسان تمّّام يذهب إى المقطع اأقصر حرف مشكل بالسكون (مْ...لـْ  حرف الميم املدمغة، ولام التعريف)

 فإذن  القافية أساسها كمي في اللغة العربية  وليست منبورة،وأرى ليس للنبر وظيفة في نظم الشعر كلـّه  وعند كتابته ، لأن أساسه كمي أصلاً ، ولكن لها أثراً محسوساً، وذلك  بأن  يطيل المنشد في الشعر و القافية أو يُقصر، بمعنى  للنبر العربي  أثر كمي ، أو يلقيها بتعبيرات خاصة، بشكل مؤثر أو غير مؤثر، وهذا ملموس عند إلقاء الشعر نفسه من قبل شخصيَن مختلفين، أحدهما يطربك حتى النشوة ، والآخر ينعسك حتى الغفوة،أي يتداخل الكم بالنبر والنغم والشعر نظمه واحد  !!  وللهجة المناطقية أو القطرية نبرتها الخاصة ولكن أيضاً غير موثرة على الشعر والقافية  ، بينما  كما يقول د .علي يونس : " القافية في الشعر الأنجليزي - وهو شعر نبري -  وظيفة أساسية  " (41)، ويأتي بكلمتين كمثال قد نقلهما من مصادر انكليزية ، وهما (رنك) منبورة، و(كنك)غير منبورة  (42) :

RING، KING FROM THINKING

يمكن أن تكتب الألفاظ  بالعروض الرقمي   كما أرى أنا - وبعض الكتب تذهب إلى ما يشبه ذلك وليس تماماً -:

 1- المترادف /ه ه،إذا كان (قامْ) مفتوح يكتب رقمياً 2 ه، أما  المغلق(حَبْرْ) يكتب*2ه

 2 - بينما يكتب المتوانر المفتوح (سامي /ه/ه ...2 2)، ولكن المغلق (وَجْدِي /ه/ه...2* 2) .

             3 - تريد المتدارك المفتوح (يَاعُلا /ه//ه...2 1 2)،والمغلق نه (لمْْ تَفِي /ه//ه  2*21) بإشباع  الكسرة .

4 - والمتراكب المفتوح كتابتة عروضية (لاقـَدَمِي /ه///ه....2 11 2)، المتراكب المغلق (مِنْ قَدَمِي /ه///ه...2*11 2)

5 -  والأخير المتكاوس المفتوح (مَانَ صَرَعِِي  /ه////ه...21112)،والمغلق (مَنْ نـَفـَعَكَا /ه ////ه...2*2111).  وأنا لم أكتب هذا في المتن، لأنني اتبعت النظام المقطعي، وكل (ب) (43) تساوي (1) بالعروض الرقمي، والحرف الصامت (الساكن) أيضا يحسب واحدأ، إذا كان متصلاً بالحرف المتحرك، أما إذا وجد ساكنان في آخر القافية، الأول يأخذ رقم واحد، و والساكن الثاني، أما يأخذ واحداً أيضاً، أو ه.(راجع حلقة رقم 4 التي كتبتها عن علم العروض)، والنجمة (*) الني وضعتها إزاء رقم 2 للدلالة عن أن السبب مغلق مثل (لمْ ..منْ)، اما التي لا تجاورها النجمة، فهو سبب مفتوح (ما ...لا)،ونقف عند هذا  لكي لا نطيل عليك ضجرا، وإلى حلقة أخرى .  

 

.........................

(35)التغم الشعري عند العرب: د . شرف و د. خفاجي ص 232 مصدر سابق

(36) وطني - الديوان الأول -: كريم مرزة الاسدي ص  58 - 59  دار الوراق للنشر - 1997 - دمشق   (37) ابن الرومي حياته وشعره: نشكيل كمال ابو مصلح ص 201 المكتبة الحديثة 1987 بيروت

(38) ديوان أبي فراس الحمداني: تحقيق د، محمد التنوجي ص 268 - 269 -- 1987م  دمشق

(39) الشوقيات: أحمد شوقي - ضبطه علي  العسيلي - المجلد الأول ص 150 - 153، 1998 م  مؤسسة الأعلمي - بيروت - .

(40) موسيقى الشعر العربي: شكري محمد عياد ص 89 دار المعرفة 1968مالقاهرة .

(41) نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي: د . علي يونس ص 82 مصدر سابق .

(42) المصدر نفسه .

(43)بعض المصادر ترمز للمقطع القصير (5) آو (7) بدلا من (ب) 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2073 الاربعاء 28 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم