قضايا وآراء

ضحى عبدالرؤوف المل تجترح رسائلا شعرية كبحث عن معنى بديل / وجدان عبدالعزيز

(قلبي الق من لمسة حب ..)، انثيالات عكست جماليات اللغة في ذهني ، فهذا الالق تصاعد رؤى عند الكاتبة ضحى عبدالرؤوف المل، وهي تجترح نصوصا أدبية اقتربت كثيرا من الرسائل الباثة عبر كلماتها المتوهجة بكل ما هو جميل (فالإبداع هو القدرة على ابتكار شيء لم يوجد سابقا ويعتمد على مواهب الشخص المبتكر ومعلوماته وخبراته دون ان نهمل محيطه الخارجي الذي يخلق المنبهات والإيحاءات التي تربط بين قدراته الداخلية "الذاتية" والبيئة المنشطة لتنمية ما فكر به أو حاول خلقه .. عند ذاك يخلق النص ان كان المبدع كاتبا او شاعرا) *، وبهذا تكون الكاتبة المل، قد ذهبت إلى صناعة نص أدبي صرحت به كرسالة، لكن تصريحها لايمنع ان تكون هذه الرسالة نصا أدبيا اخذ من الشعر الكثير واقترب من صياغة رؤية، حيث تقول: (فأكتشف إشراقاً يُزيدني حضوراً وسحراً كي أزرع عطراً يجعلني سراً!.. يلوّن زهراً!.. يُشعل جمراً!.. ونرفع تلك الأكف التي نفتحها ونتأمل سيرة حياتنا فيها، لنزداد طُهراً وإيماناً وخيالاً، فما نحياه!.. إنما حلم استفاق وماجت به خيالاتنا، نداعبه ويداعبنا!.. نلامس فيه جزءًا من حقيقة حبّ نحياه بتفاصيل طفولية لا زالت فينا، وقصائدنا التي ستحيا دهراً!.. وربما دهوراً!.. ما هي إلاّ قرابين روحية نقدّمها لأنفسنا، لنكمل طريق الحياة بصفاء وإشراق وتأملات نرى بعضنا فيها عبر المسافات أطيافاً،)، وبقولها هذا قد صرحت بأنها تحاول ملامسة حقيقة الحب التي تبحث عنه من خلال مساحات الشعر التي جالت فيها كثيرا، حتى رست الان في تدبيج رسائل باثة بعدة دلالات .. اذن هي تكتب قصيدة تبثها للآخر على شكل رسالة تبث باتجاهات الداخل "الذات" والخارج "الموضوع" المتمثل بالآخر، أي أنها تحمل ذاتا محترقة بأفكار الدنو من الآخر باعتبار أن الحب سمة العبور الراقية لعلاقات الحياة، بحيث تطلب منها ان تكون متصوفة ذائبة في الآخر بشرط دالة الحب، لان (جوهر كلمة أحبّك هي أنا!.. هي أنت!.. هي هؤلاء!.. هي نحن!.. هي كل نفس قرأت واستمعت، وشعرت بنبضها وبوجودها فينا..)، هذا هو اكتشاف الكاتبة المل عبر رسائلها الأدبية الشعرية الموجهة مباشرة .. لذلك الإنسان الأثير لنفسها الذي عبر كل حدود الشهوات، ليكون معها خارج الجسد كجوهر يلاصق معنى الوجود الحر .. ومعها داخل الجسد يلامس معنى الوجود المقيد بالشهوة وبين هذين الوجودين يكون الصراع على اوجه وبمعنى آخر ان الكاتبة المل قد عاشت لحظتين في مجمل كتاباتها: اللحظة الأولى لاواعية سمت بها حتى كتبت الرسالة القصيدة من خلالها، أما اللحظة الثانية الواعية التي تحولت من خلالها إلى توخي الحذر وتقديم شكل ادبي أسميته انا القارئ الرسالة القصيدة يستوعب مسار الكاتبة في بحثها الجمالي، وهي ترتشف الحيرة وكما هو متعارف عليه بان الكتابة حيرة وقلق وبحث التساؤل لماذا؟ .. لان الكتابة تمثل وجه الحياة الحقيقي .. تقول الكاتبة المل : (حبيبي...

أجمل رسالة حُبّ!.. هي تلك التي لم تبدأ بولادتنا، ولن تنتهي بمماتنا هي استمرارية حرف كملاك نُرسله عبر الأزمنة.. قد يختلف القلم وقد يختلف الزمان، وقد نتوالد في المكان نفسه حتى تطوينا الأجيال ويرتفع القلم من بين الأنامل، فتصبح الحياة كهفاً مظلماً، فهل سنعيش في كهوف أنفسنا وكل منا ينتظر الفعل إرادة كبرى لنلتقي؟!.. ام نختصر أشواقنا بمتَع زائلة؟!.. ام ان الحبّ الحقيقي يولَد ولا يموت في أذيال روايات يتزوج في نهايتها الأبطال؟!.. فالحبّ قد ولِدَ فينا ولن يموت حرفاً وبياناً ولو تلعثم اللقاء وشكى الزمان غرامنا..

حبيبي...

ربما رسائلي مُلثّمة بسحر بيان بسيط ليكون ظلّك فيها ظل حكيم فيلسوف يلامس الحرف بضوء شاعر مغمور بحرف في كتاب، وربما الكشف عنك هو انعتاق شممت فيه بخور الحرية، حرية حُبّ يجعلنا نطير بين المعاني ويعكس علينا فرحاً لا نُصدّقه، والدهشة توقظ جوارحنا وفصولاً تراودنا في أحلامنا.. تهدهد لنا في مَهدها البكور وتفرش لنا لحداً واحداً نملؤه ياسميناً أبيض مشتعلاً بالصدق والطمأنينة والرضي...)  .. إذن فـ(النص الأدبي منتج مغلق، فهو نسق نهائي يمكن تحليله وتفسيره في ضوء علاقات وحداته داخل نسقه الأصغر "النص" بعضها ببعض) **، وهذا يحيلنا إلى ان القراءة هي المفتاح الذي يفك لنا طلاسم النصوص وإيقاظ معانيها النائمة والتي من خلال هذه المعاني تتكون لدى القارئ رؤية ذلك الكاتب ومن ثم اكتشاف الحقيقة في حضور الغياب الذي هو محل بحث أي كاتب في الكون، و(هذا يعني ان المعنى المنتج لايكون هو الذي فكر به المؤلف، بل المعنى الذي يراه المتلقي "القارئ" عند ذاك يكون المعنى هو التعويض او البديل)*، فجملة المعنى ان الكاتبة والشاعرة ضحى عبدالرؤوف المل خلقت نزوعا باحثا عن المعنى باجتراع رسائل شعرية تبثها لحبيب مفترض وأحيانا غائب وهذا الافتراض يخلق نوعا من أنواع تهذيب الذائقة المتوهجة ابدا في البحث عن الحب الذي يولد ولا يموت ..

 

..............

كتاب (استرداد المعنى) عبدالعزيز إبراهيم ـ دار الشؤون الثقافية العامة بغداد الطبعة الأولى 2006م ص103 ـ 177

كتاب (المرايا المحدبة من البنيوية الى التفكيكية) د.عبدالعزيز حمودة المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب / الكويت 1998 م سلسلة عالم المعرفة ص 362

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2076 السبت 31 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم