قضايا وآراء

مقهى (الدَّكة) في البصرة .. فضاء ثقافي .. وزمن سبعيني(1-4) / جاسم العايف

ونسقط على الكثير من مظاهر الحياة المادية، ذلك الإحساس بالمتعة والحماية والأمن، التي يوفرها لنا". غالب هلسا

يقع مقهى (الدَّكة) في البصرة لصاحبه" أبو مُضَر" قبالة نهر العشار في قلب مدينة البصرة..لا يفصله عن النهر إلاّ شارع ضيّق ما أن تعبره حتى تكون على رصيف ينتهي (بدكّة) إسمنتيّة تحوّلت في السنوات التي ازدهر خلالها المقهى إلى مصطبة طويلة يتراصّ عليها يومياً عشرات المثقفين والأدباء والفنانين ما أن يحلّ المساء. أول مَنْ ارتاد،مستوطناً، "المقهى "، المُولع بالسينما والمتخصص فيها بعد ذلك، كاظم الصبر، بحكم البطالة وقرابته مع صاحِبها، وأبو سرحان وأنا، بسبب البطالة الدائمة أيضاً،ثم لحقنا مصطفى عبد الله، لضجره من دراسة علوم الإحياء بجامعة البصرة. وعندها بدأ الرواد على شاكلتنا واهتماماتنا الأدبية والثقافية والفنية يزدادون يومياً،حدث ذلك منتصف عام 1968. كان"مقهى أبو مُضَر" الضئيل حجماً، الخطير صيتاً أقرب إلى (ملتقى) ثقافي للحوار في شؤون الأدب والفن والسياسة بين مثقفين متنوعي المشارب والاهتمامات فيه يلتقون،بعد جولة لا بد منها، صباحاً أو مساءً، في مكتبات المدينة ومنها:( الجميع ) لصاحبها (الياس حنا). تقع مكتبة (الجميع) قريباً من نهاية سوق المغايز، وبعد وفاة (الياس)، رحمه الله، حلّت السيدة زوجته، وهي بملابس الحداد، محلّه في إدارتها،لكنها تخلت عنها بعد اقل من سنة على رحيل زوجها. فتحولت(المكتبة) إلى أكثر من محل لبيع الملابس، والأحذية، والكماليات النسائية،ورحلت كتبها الثمينة ومجلاتها النادرة -الخمسينية والستينية- إلى مصير مجهول. بعد عبور سوق حنا الشيخ الجديد،نحو شارع الوطني، وفي بدايته تقع مكتبة (المثنى) ويديرها الراحل(حميد الساعدي - أبو نزار)، ويساعده في ذلك الصديق (سلمان نجم - أبو كفاح) وهي فرع  لمكتبة(المثنى) الأم في بغداد، وتقع بالضبط مقابل سينما الوطني، التي هدمت الآن. توارت مكتبة (المثنى)، ليحتل مكانها،(زبلوق..للأحذية النسائية والحقائب الأنثوية المستوردة)، ولم يعد لكتبها الأثيرة والكثيرة تلك، أي اثر إلا في الذاكرة. غير بعيد عن (المثنى) وفي منتصف شارع الوطني تماماً، مكتبة (فرجو)، التي اختفت معالمها كذلك، وبات مكانها محلات لبيع الساعات، ووجبات الطعام الخفيفة، والنقالات،حالياً، والمستلزمات الرياضية . بعد منتصف شارع الوطني، ثمة مكتبة" ودود عبد الغني" و كُنيتها (دار الكتاب)، وفي الغالب، نتعامل مع صاحبها(ودود عبد الغني)،  عند شرائنا ما نحتاجه من مجلات وكتب حديثة الإصدار بالآجل، الآن لا مكان لرفوف كتب (ودود)، ولعل بعضنا ما زال في ذمته دراهم  معدودة لـ(ودود) الودود حقاً وفعلاً، الذي هاجر، واختفت (دار الكتاب)، مع هجرته، وتحولت إلى أسواق حديثة، محشوة رفوفها الكثيرة بما يمضغه الفكان الشرهان وتبتلعه (البطون) المرفهة فقط. ربما لا نقتني الكتب والمجلات خلال جولتنا اليومية تلك، من كل تلك المكتبات، بل نشم  روائحها العذبة والعبقة فقط، لنتمتع بالسكينة والاطمئنان والصفاء الروحي. وثمة مكتبات أخر بعضها في مدخل سوق( الهنود) ومنتصفه، لكن أشهرها تلك التي ذكرتها. كل المصائر المحزنة لتلك المكتبات حدثت عند نهاية عقد السبعينيات أو بعده، وأجهز على ما تبقى منها، زمن الحروب المتعاقبة والخاسرة، والحصار الذي فتك بالعراقيين وأزاح قيمهم الإنسانية وثراءهم الروحي، المعروف تاريخياً، بطرائق،ووسائل،وسلوكيات،لا يمكن تصورها إلا لمن عاشها. وقسم من رواد مقهى (الدكَّة) قبل أن يغادروا منطقة (البصرة القديمة ) تجاه المقهى، يتوجهون نحو العم الحاج (فيصل حمود- أبو غازي)، و(مكتبته الأهلية ) التي أسسها عام 1928. وأصر النظام البائد، خلال حملته، لـ(تبعيث)المجتمع العراقي- بالإكراه،والبطش،والقسوة، في حدودها القصوى،على أن تنزع جلدها القديم وتتنكر لاسمها(الأهلي) المعروف، منذ أكثر من ثمانية عقود، وتتحول إلى(مكتبة الفكر العربي)!!. غير أن صاحبها الحاج  "فيصل حمود" وولده" غازي"، أضافا في الإعلان عن اسمها الجديد، المفروض عليها، وأسفله بالضبط،(المكتبة الأهلية سابقاً/ تأسست 1928م)، إشارة واضحة المعاني والدلالات، عن تمسكهما باسمها القديم.استعادت (الأهلية) اسمها الأثير، بعد سقوط النظام مباشرة، ملقية بتسمية (الفكر العربي)، نحو الماضي وجراحاته الشاخصة، العصية على الالتئام. والمكتبة (الأهلية) هي الباقي الوحيد من زمن لن يستعاد قطعاً. ويعمل ورثة الحاج(فيصل حمود)، خاصة ولده الأستاذ (غازي)،على بقائها شاخصة، تواجه المستجدات والتقلبات، وعواصف وزوابع العراق الحالي، ببسالة وإصرار وتمكن. بعد هذه الجولة المعتادة،لابد من العودة إلى (مقهى أبو مضر ودكَّتها الإسمنتية)، ومنهما ننطلق لاستكمال الحوار في دورة الليل، يوم كان لمدينة البصرة ليل للفرح والمتعة والبهجة. وجد مثقفو البصرة في (مقهى أبو مُضَر)، الذي حصل على لقب (مقهى الدّكة) بسبب (دكّته) الشهيرة، ما يعوضهم عن غياب مبنى خاص بفرع اتحاد الأدباء في مدينتهم، هذا الفرع الذي تجاهل المعنيون الرسميّون بالشأن الثقافي آنذاك ضرورة افتتاحه، في ظلّ ضآلة عدد الموالين لهم بين أوساط أدباء ومثقفي المدينة. مرّ وجلس في هذا المقهى،على صغر حجمه، عشرات الأدباء والكتاب والصحافيين والمثقفين العراقيين،وبعض العرب. لا تسعفني الذاكرة على تذكرهم جميعاً،لكني اذكر منهم : أ.د.شجاع العاني،بحكم عمله أستاذاً في جامعة البصرة، والقاص عبد الستار ناصر، والشاعر عبد الرحمن طهمازي خلال سني عمله مدرساً في البصرة، والناقد الحلي الشاب،المعدوم شنقا حتى الموت، قاسم محمد حمزة، والشاعر الشعبي الراحل عزيز السماوي وشاكر أيضاً، والراحل الشاعر صاحب الشاهر، والناقد والصحفي محمد الجزائري، والكاتب والصحفي جياد تركي، عند زياراتهما المتكررة لمدينتهما، والشاعر عواد ناصر، والباحث د. فالح الحمراني، والصحفي سلام مسافر،والكاتب حسين عجه، والقاص إبراهيم احمد، ومعه القاص فاضل الربيعي، عندما كانا يعملان في جريدة(طريق الشعب)، وحتى الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، الذي صحبه إليها أحد الأدباء البصريين، المغتربين حالياً، ولم يقدمه لنا، أو يعرفه بنا، فتجاهلناه تماماً.والفنان كوكب حمزة،معلم الموسيقى في مدارس البصرة، والقادم إليها من ناحية القاسم في الحلة، دائم  الجلوس عصراً على (دَّكَّتها)، ومرةً احتسى الشاي فيها، بصحبة القاص محمد خضير والتشكيلي شاكر حمد وأنا، في وقت متأخر من الليل، الفنان التشكيلي والكاتب والصحفي الراحل-لأسباب مازالت غامضة حتى الآن- إبراهيم زاير، والقاص والروائي جمعة اللامي، عند زيارتهما الخاطفة للبصرة . كما تردد عليها الصحفي والناقد التشكيلي إسماعيل زاير،خلال خدمته العسكرية في القاعدة الجوية بـ(الشعيبة)، والقاص،والروائي بعد ذلك، صديقنا، نجم والي، عند خدمته العسكرية الإجبارية، بصفة مترجم مع الخبراء الألمان (الشرقيين) في القوة البحرية العراقية. وتردد عليها أيضاً الفنان التشكيلي محمود حمد، والمخرج المسرحي فاضل سوداني، والمخرج المسرحي فاضل خليل، عند عمله مدرساً للفنون في البصرة، الذي نُقل سريعاً جداً إلى بغداد،وقد قادهم إليها شاكر حمد. كما كان يتردد عليها الناقد ياسين النصير بعد انتقاله إلى بغداد وزياراته الموسمية لمدينته، ويلتقينا فيها،أحياناً، الشاعر.د حسن البياتي الأستاذ في جامعة البصرة، وزاملنا فيها لفترة محدودة الشاعر والناقد صفاء صنكور أبان عمله في البصرة. مؤخراً ذكر ليّ الشاعر طالب عبد العزيز انه، والشعراء : عبد الزهرة زكي، وجمال جمعة، وجمال مصطفى، وحيدر الكعبي، كانوا يترددون على المقهى،لكنهم أحجموا عن التعرف علينا. دون أن يوضح (طالب) الأسباب التي كانت خلف ذلك الإحجام !؟.ومن الأدباء العرب الروائي إسماعيل فهد إسماعيل الذي تكفل مع الناقد محمد الجزائري، بناء على دعوتنا في صباح احد أيام مربد عام 1972 باستضافة الشعراء محمود درويش وأحمد عبد المعطي حجازي ومعين بسيسو وممدوح عدوان و فايز خضور وعلي الجندي والشاعرة المغربية مليكة العاصمي وعدد آخر من الأدباء العرب،غير قادر الآن على تذكرهم جميعاً، لتناول الشاي والانتظار فيها صباحاً لغرض استصحابهم في سفرة نهرية عبر شط العرب، ثم نحو بساتين قضاء(أبو الخصيب) العامرة في تلك الأيام، وتناول طعام الغداء الذي أعددناه لهم هناك، والاستمتاع بأغاني فرق (الخشابة) البصرية. عند وصولنا إلى مرسى الزوارق بالقرب من تمثال الشاعر (بدر شاكر السياب) للذهاب إلى (أبي الخصيب) صعد الجميع إلى الزورق البخاري الكبير، باستثناء الشاعر محمود درويش الذي رفض ذلك نهائياً، و تراجع وحيداً ومسرعاً، نحو مركز المدينة، دون أن يوضح الأسباب التي حدت به لذلك التصرف، مع انه رحب جداً بالدعوة، كما ذكر لنا ذلك الروائي إسماعيل فهد. كما تردد عليها الشاعر الفلسطيني محمد الأسعد،وشقيقه الشاعر صبحي الأسعد،والكاتب والصحفي الكويتي غازي القناعي، خلال زياراتهم المتكررة للبصرة،بصحبة بعض الأدباء والفنانين والصحفيين الكويتيين والعرب، ممن يعملون في الكويت، وغالباً ما يحدث ذلك مساء يوم الخميس. كما قُدنا إليها،ظُهراً،القاص والروائي إبراهيم أصلان،والشاعر الفلسطيني محمد القيسي،عند حضورهما مهرجان مربد عام1972. وصادف أن جلس فيها قبل الظهر،لاحتساء الشاي، برفقة بعض العاملين في دائرة "دور الثقافة الجماهيرية في البصرة"، القاص والصحفي والروائي المصري جمال الغيطاني، وهو يسعى لإكمال كتابه(حراس البوابة الشرقية)على وفق العقد الذي وقعه مع جهات حكومية، دون أن نعيره انتباهاً،كون أن مَنْ يرافقه من الموظفين الرسميين والعاملين في تلك الدائرة، لم يكلفوا أنفسهم تقديمه إلينا،مع معرفتهم بنا، بسبب حضورنا كل يوم ثلاثاء عصراً في حدائق دائرتهم، والتي عادةً ما تُعقد فيها جلسة ثقافية، نُسهم فيها، أو نَشترك، في حواراتها.

يقع مقهى (الدَّكة) في البصرة لصاحبه" أبو مُضَر" قبالة نهر العشار في قلب مدينة البصرة..لا يفصله عن النهر إلاّ شارع ضيّق ما أن تعبره حتى تكون على رصيف ينتهي (بدكّة) إسمنتيّة تحوّلت في السنوات التي ازدهر خلالها المقهى إلى مصطبة طويلة يتراصّ عليها يومياً عشرات المثقفين والأدباء والفنانين ما أن يحلّ المساء. أول مَنْ ارتاد،مستوطناً، "المقهى "، المُولع بالسينما والمتخصص فيها بعد ذلك، كاظم الصبر، بحكم البطالة وقرابته مع صاحِبها، وأبو سرحان وأنا، بسبب البطالة الدائمة أيضاً،ثم لحقنا مصطفى عبد الله، لضجره من دراسة علوم الإحياء بجامعة البصرة. وعندها بدأ الرواد على شاكلتنا واهتماماتنا الأدبية والثقافية والفنية يزدادون يومياً،حدث ذلك منتصف عام 1968. كان"مقهى أبو مُضَر" الضئيل حجماً، الخطير صيتاً أقرب إلى (ملتقى) ثقافي للحوار في شؤون الأدب والفن والسياسة بين مثقفين متنوعي المشارب والاهتمامات فيه يلتقون،بعد جولة لا بد منها، صباحاً أو مساءً، في مكتبات المدينة ومنها:( الجميع ) لصاحبها (الياس حنا). تقع مكتبة (الجميع) قريباً من نهاية سوق المغايز، وبعد وفاة (الياس)، رحمه الله، حلّت السيدة زوجته، وهي بملابس الحداد، محلّه في إدارتها،لكنها تخلت عنها بعد اقل من سنة على رحيل زوجها. فتحولت(المكتبة) إلى أكثر من محل لبيع الملابس، والأحذية، والكماليات النسائية،ورحلت كتبها الثمينة ومجلاتها النادرة -الخمسينية والستينية- إلى مصير مجهول. بعد عبور سوق حنا الشيخ الجديد،نحو شارع الوطني، وفي بدايته تقع مكتبة (المثنى) ويديرها الراحل(حميد الساعدي - أبو نزار)، ويساعده في ذلك الصديق (سلمان نجم - أبو كفاح) وهي فرع  لمكتبة(المثنى) الأم في بغداد، وتقع بالضبط مقابل سينما الوطني، التي هدمت الآن. توارت مكتبة (المثنى)، ليحتل مكانها،(زبلوق..للأحذية النسائية والحقائب الأنثوية المستوردة)، ولم يعد لكتبها الأثيرة والكثيرة تلك، أي اثر إلا في الذاكرة. غير بعيد عن (المثنى) وفي منتصف شارع الوطني تماماً، مكتبة (فرجو)، التي اختفت معالمها كذلك، وبات مكانها محلات لبيع الساعات، ووجبات الطعام الخفيفة، والنقالات،حالياً، والمستلزمات الرياضية . بعد منتصف شارع الوطني، ثمة مكتبة" ودود عبد الغني" و كُنيتها (دار الكتاب)، وفي الغالب، نتعامل مع صاحبها(ودود عبد الغني)،  عند شرائنا ما نحتاجه من مجلات وكتب حديثة الإصدار بالآجل، الآن لا مكان لرفوف كتب (ودود)، ولعل بعضنا ما زال في ذمته دراهم  معدودة لـ(ودود) الودود حقاً وفعلاً، الذي هاجر، واختفت (دار الكتاب)، مع هجرته، وتحولت إلى أسواق حديثة، محشوة رفوفها الكثيرة بما يمضغه الفكان الشرهان وتبتلعه (البطون) المرفهة فقط. ربما لا نقتني الكتب والمجلات خلال جولتنا اليومية تلك، من كل تلك المكتبات، بل نشم  روائحها العذبة والعبقة فقط، لنتمتع بالسكينة والاطمئنان والصفاء الروحي. وثمة مكتبات أخر بعضها في مدخل سوق( الهنود) ومنتصفه، لكن أشهرها تلك التي ذكرتها. كل المصائر المحزنة لتلك المكتبات حدثت عند نهاية عقد السبعينيات أو بعده، وأجهز على ما تبقى منها، زمن الحروب المتعاقبة والخاسرة، والحصار الذي فتك بالعراقيين وأزاح قيمهم الإنسانية وثراءهم الروحي، المعروف تاريخياً، بطرائق،ووسائل،وسلوكيات،لا يمكن تصورها إلا لمن عاشها. وقسم من رواد مقهى (الدكَّة) قبل أن يغادروا منطقة (البصرة القديمة ) تجاه المقهى، يتوجهون نحو العم الحاج (فيصل حمود- أبو غازي)، و(مكتبته الأهلية ) التي أسسها عام 1928. وأصر النظام البائد، خلال حملته، لـ(تبعيث)المجتمع العراقي- بالإكراه،والبطش،والقسوة، في حدودها القصوى،على أن تنزع جلدها القديم وتتنكر لاسمها(الأهلي) المعروف، منذ أكثر من ثمانية عقود، وتتحول إلى(مكتبة الفكر العربي)!!. غير أن صاحبها الحاج  "فيصل حمود" وولده" غازي"، أضافا في الإعلان عن اسمها الجديد، المفروض عليها، وأسفله بالضبط،(المكتبة الأهلية سابقاً/ تأسست 1928م)، إشارة واضحة المعاني والدلالات، عن تمسكهما باسمها القديم.استعادت (الأهلية) اسمها الأثير، بعد سقوط النظام مباشرة، ملقية بتسمية (الفكر العربي)، نحو الماضي وجراحاته الشاخصة، العصية على الالتئام. والمكتبة (الأهلية) هي الباقي الوحيد من زمن لن يستعاد قطعاً. ويعمل ورثة الحاج(فيصل حمود)، خاصة ولده الأستاذ (غازي)،على بقائها شاخصة، تواجه المستجدات والتقلبات، وعواصف وزوابع العراق الحالي، ببسالة وإصرار وتمكن. بعد هذه الجولة المعتادة،لابد من العودة إلى (مقهى أبو مضر ودكَّتها الإسمنتية)، ومنهما ننطلق لاستكمال الحوار في دورة الليل، يوم كان لمدينة البصرة ليل للفرح والمتعة والبهجة. وجد مثقفو البصرة في (مقهى أبو مُضَر)، الذي حصل على لقب (مقهى الدّكة) بسبب (دكّته) الشهيرة، ما يعوضهم عن غياب مبنى خاص بفرع اتحاد الأدباء في مدينتهم، هذا الفرع الذي تجاهل المعنيون الرسميّون بالشأن الثقافي آنذاك ضرورة افتتاحه، في ظلّ ضآلة عدد الموالين لهم بين أوساط أدباء ومثقفي المدينة. مرّ وجلس في هذا المقهى،على صغر حجمه، عشرات الأدباء والكتاب والصحافيين والمثقفين العراقيين،وبعض العرب. لا تسعفني الذاكرة على تذكرهم جميعاً،لكني اذكر منهم : أ.د.شجاع العاني،بحكم عمله أستاذاً في جامعة البصرة، والقاص عبد الستار ناصر، والشاعر عبد الرحمن طهمازي خلال سني عمله مدرساً في البصرة، والناقد الحلي الشاب،المعدوم شنقا حتى الموت، قاسم محمد حمزة، والشاعر الشعبي الراحل عزيز السماوي وشاكر أيضاً، والراحل الشاعر صاحب الشاهر، والناقد والصحفي محمد الجزائري، والكاتب والصحفي جياد تركي، عند زياراتهما المتكررة لمدينتهما، والشاعر عواد ناصر، والباحث د. فالح الحمراني، والصحفي سلام مسافر،والكاتب حسين عجه، والقاص إبراهيم احمد، ومعه القاص فاضل الربيعي، عندما كانا يعملان في جريدة(طريق الشعب)، وحتى الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، الذي صحبه إليها أحد الأدباء البصريين، المغتربين حالياً، ولم يقدمه لنا، أو يعرفه بنا، فتجاهلناه تماماً.والفنان كوكب حمزة،معلم الموسيقى في مدارس البصرة، والقادم إليها من ناحية القاسم في الحلة، دائم  الجلوس عصراً على (دَّكَّتها)، ومرةً احتسى الشاي فيها، بصحبة القاص محمد خضير والتشكيلي شاكر حمد وأنا، في وقت متأخر من الليل، الفنان التشكيلي والكاتب والصحفي الراحل-لأسباب مازالت غامضة حتى الآن- إبراهيم زاير، والقاص والروائي جمعة اللامي، عند زيارتهما الخاطفة للبصرة . كما تردد عليها الصحفي والناقد التشكيلي إسماعيل زاير،خلال خدمته العسكرية في القاعدة الجوية بـ(الشعيبة)، والقاص،والروائي بعد ذلك، صديقنا، نجم والي، عند خدمته العسكرية الإجبارية، بصفة مترجم مع الخبراء الألمان (الشرقيين) في القوة البحرية العراقية. وتردد عليها أيضاً الفنان التشكيلي محمود حمد، والمخرج المسرحي فاضل سوداني، والمخرج المسرحي فاضل خليل، عند عمله مدرساً للفنون في البصرة، الذي نُقل سريعاً جداً إلى بغداد،وقد قادهم إليها شاكر حمد. كما كان يتردد عليها الناقد ياسين النصير بعد انتقاله إلى بغداد وزياراته الموسمية لمدينته، ويلتقينا فيها،أحياناً، الشاعر.د حسن البياتي الأستاذ في جامعة البصرة، وزاملنا فيها لفترة محدودة الشاعر والناقد صفاء صنكور أبان عمله في البصرة. مؤخراً ذكر ليّ الشاعر طالب عبد العزيز انه، والشعراء : عبد الزهرة زكي، وجمال جمعة، وجمال مصطفى، وحيدر الكعبي، كانوا يترددون على المقهى،لكنهم أحجموا عن التعرف علينا. دون أن يوضح (طالب) الأسباب التي كانت خلف ذلك الإحجام !؟.ومن الأدباء العرب الروائي إسماعيل فهد إسماعيل الذي تكفل مع الناقد محمد الجزائري، بناء على دعوتنا في صباح احد أيام مربد عام 1972 باستضافة الشعراء محمود درويش وأحمد عبد المعطي حجازي ومعين بسيسو وممدوح عدوان و فايز خضور وعلي الجندي والشاعرة المغربية مليكة العاصمي وعدد آخر من الأدباء العرب،غير قادر الآن على تذكرهم جميعاً، لتناول الشاي والانتظار فيها صباحاً لغرض استصحابهم في سفرة نهرية عبر شط العرب، ثم نحو بساتين قضاء(أبو الخصيب) العامرة في تلك الأيام، وتناول طعام الغداء الذي أعددناه لهم هناك، والاستمتاع بأغاني فرق (الخشابة) البصرية. عند وصولنا إلى مرسى الزوارق بالقرب من تمثال الشاعر (بدر شاكر السياب) للذهاب إلى (أبي الخصيب) صعد الجميع إلى الزورق البخاري الكبير، باستثناء الشاعر محمود درويش الذي رفض ذلك نهائياً، و تراجع وحيداً ومسرعاً، نحو مركز المدينة، دون أن يوضح الأسباب التي حدت به لذلك التصرف، مع انه رحب جداً بالدعوة، كما ذكر لنا ذلك الروائي إسماعيل فهد. كما تردد عليها الشاعر الفلسطيني محمد الأسعد،وشقيقه الشاعر صبحي الأسعد،والكاتب والصحفي الكويتي غازي القناعي، خلال زياراتهم المتكررة للبصرة،بصحبة بعض الأدباء والفنانين والصحفيين الكويتيين والعرب، ممن يعملون في الكويت، وغالباً ما يحدث ذلك مساء يوم الخميس. كما قُدنا إليها،ظُهراً،القاص والروائي إبراهيم أصلان،والشاعر الفلسطيني محمد القيسي،عند حضورهما مهرجان مربد عام1972. وصادف أن جلس فيها قبل الظهر،لاحتساء الشاي، برفقة بعض العاملين في دائرة "دور الثقافة الجماهيرية في البصرة"، القاص والصحفي والروائي المصري جمال الغيطاني، وهو يسعى لإكمال كتابه(حراس البوابة الشرقية)على وفق العقد الذي وقعه مع جهات حكومية، دون أن نعيره انتباهاً،كون أن مَنْ يرافقه من الموظفين الرسميين والعاملين في تلك الدائرة، لم يكلفوا أنفسهم تقديمه إلينا،مع معرفتهم بنا، بسبب حضورنا كل يوم ثلاثاء عصراً في حدائق دائرتهم، والتي عادةً ما تُعقد فيها جلسة ثقافية، نُسهم فيها، أو نَشترك، في حواراتها.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2079 الثلاثاء 03 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم