قضايا وآراء

علماني أمين خير من ألف إسلاموي غير نزيه / ذياب شاهين

لأجل الاستفتاء في جواب السؤال التالي -:أيهما أفضل السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر"؟، وحينها تحير العلماء في جوابه غير أن السيد ابن طاووس تدارك الأمر وكتب على ورقة -:(الكافر العادل أفضل من المسلم الجائر) ثم أمضى بتوقيعه على الورقة وتابعه على ذلك العلماء وبذلك نجا الجميع من بطش هولاكو وجبروته وعندما سئل ابن طاووس عن وجه جوابه هذا قال: لأن الحاكم الظالم المسلم إسلامه لنفسه وظلمه على الرعية وأما العادل الكافر فكفره على نفسه ولكن عدله يشمل به الرعية.

سقت هذه المقدمة وأنا استمع إلى خطاب السيد نوري المالكي في حفل استذكار الشهيد محمد باقر الصدر وأخته الشهيدة(بنت الهدى)، وبالرغم من الاحترام العالي الذي أكنه للشهيد الصدر بوصفه رمزا وطنيا بصورة شخصية وكذلك المكانة الكبيرة التي يحتلها في قلوب قطاع مهم ومؤثر في المجتمع العراقي فهو برأينا لا يقل تضحية عن قوافل الشهداء الذين قدمهم الشعب العراقي ممن وهبوا حياتهم على مذبح الحرية والعدالة في العراق سواء أكان ملكيا أم جمهوريا أو حتى ديمقراطيا اليوم على أيدي العصابات الهمجية من مختلف التيارات التي تسرح وتمرح في أرض العراق العظيم.

وبالطبع أن نشهد ولادة قائد إسلامي كالمالكي تخرج من مدرسة الصدرفي هذا الوقت بالذات ليس شيئا بسيطا فالقادة نادرون في تاريخ الشعوب وسواء أعجبنا المالكي أم لم يعجبنا فهو قد وضع لنفسه مكانة مهمة وعالية في تاريخ العراق الديمقراطي، ونجح في انتشال العراق حتى ولو جزئيا من فكوك الأميركان بدون أن يطلق رصاصة واحدة عليهم وهذا شيء كبير ويحسب له، حيث لم يحدث في تاريخ الشعوب إلا لمرات نادرة كما في غاندي الهند أو في مانديلا جنوب أفريقيا وسيحكم التاريخ لا حقا فيما إذا كان المالكي بمنزلة هذين القائدين أم لا لأن الأحياء ليس لديهم القدرة على الحكم في هكذا مواقف وخصوصا في العراق الملبد بالوصولييين والعملاء واللصوص والمنتفعين وبمحيط عربي وأقليمي معاد مئة بالمئة.

نجاحات المالكي داخليا وخارجيا لا يمكن حجبها بغربال، ومن ينكرها ولا  يستطيع رؤيتها فهو  فاقد للبصر والبصيرة بامتياز، وإخفاقات المالكي داخليا وخارجيا أيضا واضحة ويستطيع تأشيرها المراقبون بكل بساطة وحين تؤشر هذه الاخفاقات فهي ليست للتقليل من إنجازات المالكي وكذلك حينما تؤشر نجاحاته فهذا لا يعني تضخيمها لتكون أكبر من حجمها وبالتالي يفقد الرجل توازنه ويفقد بوصلته ويأخذنا إلى هاوية لا أحد يعرف مداها.

لا يمكن لأية قوة أن تسرق نشوة الإسلامويين وهم يعتلون السلطة، فهم يستحقون ذلك ونضالاتهم وتضحياتهم معروفة أيضا، وكذلك على الاسلامويين أن يسمحوا أن تتفتح جميع الأزهار وينتقي منها الناس ما يناسبهم أي السماح لبقية القوى السياسية أن تعمل بحرية وتقدم برامجها ليطلع عليها الناس، وعليهم أيضا أن يوفروا البيئة المناسبة والطبيعية لكي تنمو هذه الأزهار السياسية  وهذا يحتم عليهم ألا يتحولوا إلى أشواك إرهابية تبتلع هذه الأزهار بحكم السلطة التي يمتلكونها الآن ليتحول البستان إلى مستنقع ونرى الأزهار تتقاتل من أجل الضواع فحينها سنخسر البستان والأزهار ونخسر كل شيء.

السياسي العراقي اليوم عليه أن يغادر عقلية دحر الأفكار بالأفكار، فالأفكار لا تتقاتل بل تتحاور، ولا وجود لفكر جامد فالفكر الجامد يموت، بل الحركة هي القانون الطبيعي وتمثل جوهر الأشياء ومنها الفكر بالرغم من عدم قدرة الفكر على التشيؤ، فعندما ينبري سياسي ما ويقول لقد دحرنا الفكر العلماني والحداثوي بالفكر الاسلاموي فهذا يثير السخرية والاشمئزاز مهما كان قائله حتى ولو كان المالكي، فكل فكر وراءه مجموعة من البشر الذي تعتنقه والانسان قد يخسر معركة ولكنه لا يباد ولا يمكن دحره والأفكار لا تموت.

ولو عدنا لشخصية السيد المالكي فهو شخصية محيرة فعلا فهو يثير الإعجاب والاشمئزاز في اللحظة ذاتها وكأنه يحمل الشيء ونقيضه، وله قدرة عجيبة في خلق الأعداء بسبب وبدون سبب، ولا شك أن تصرفاته قبل القمة وبعدها ما يحتاج إلى الوقوف عندها، فتصرفاته مع خصومه السياسيين كانت بارعة وخصوصا إهماله لتصريحات البرزاني وعدم انجراره وراء هجوماته المتكررة عليه شخصيا وعلى أداء الحكومة فالبرزاني لا يمكن التعامل معه إلا بتلك الطريقة لغروره وكبريائه عكس الطالباني الذي قدم نفسه كشخصية كبيرة ورئيسا للدولة بدلا من أن يكتفي برئاسة إقليم لا يعدو أن يكون بمرتبة محافظ في دولة العراق وبالتالي نجح الطالباني وخسر البرزاني وهو ما يفسر سر انقلابه على العملية السياسية برمتها واصطفافه مع العراقية فقد نجح العراق بعربه وكرده بدونه وبدون وصايته المتعالية.

أما بعد القمة فقد وجدنا السيد نوري المالكي يقوم بارتكاب هفوات قاتلة ما كان له أن يرتكبها وألا يستدرج إليها من قبل بعض الاعلاميين الذين كانوا يتعمدون استفزازه بأسئلتهم المشاكسة، فقد ارتكب هفوتين قاتلتين أفقدته الكثير من رصيده وأثارت لدينا الاستغراب، الأولى كانت ذات طابع إقليمي أي لها صلة بعلاقة العراق الخارجية والعربية بالذات حين انتقد السعودية وقطر في طلبهما تسليح المعارضة السورية، وبالرغم من كونه محقا برأيه لحماية سوريا من الانهيار الكامل ولكنه بدا وكأنه مدافعا ومنافحا عن نظام الأسد ذي التاريخ الأسود في قتل العراقيين طيلة الفترة السابقة، كما أن الخطاب العصبي وغير الدبلوماسي في طرح رأيه أثار استهجان الجميع وجعل العراق يفقد معظم مكتسبات القمة التي قدم من أجلها الشعب العراقي الأموال والشهداء  وفقد خلالها سكان العاصمة راحتهم وتعطيل مصالحهم وتقييد حريتهم، يعني ببساطة يمكن لأي شخص أن يعبر عن رأيه بطريقة تجعل حتى الذي يخالفه الرأي يحترم وجهة نظره، ولكن عندما تطرح رأيك بطريقة وكأنك تمتلك مفاتيح الحقيقة فقط والآخرون لا يمتلكونها فهذا شيء معيب فضلا عن أن المالكي ما كان له أن ينفعل أصلا ويتطرق للموضوع في مؤتمره الصحفي، خصوصا بعد نجاح الدبلوماسية العراقية في استحصال موافقة القادة العرب في التوقيع على وثيقة بغداد وفيها ما كان قد قترحه  العراق في مبادرته حول الحل في قضية سوريا، وهذا قد مثل نجاحا كبيرا كان يجب عدم التفريط به، ولكنه بتصريحاته المتسرعة وفرالذريعة التي كانت تتحينها الدول المعادية للعراق ومنها قطر والسعودية لتنال منه شخصيا ومن العراق ومن القمة، وكذلك وفر حجة مجانية لخصومه السياسيبن بالداخل  في محاججته والانقضاض عليه وهوما كانوا يتمنونه بدءا من إيقاف وعرقلة انعقاد مؤتمر القمة في بغداد أو على الأقل نقله إلى أربيل. أو للإساءة لنتائج القمة بعد انعقادها وهو ما حدث فعلا ورأيناه في خطاب خصوم الحكومة بعد نجاحها.

والخطأ القاتل الثاني كان خطأ داخليا أي له علاقة بالوضع الداخلي العراقي ارتكبه المالكي وفاجأ الجميع به سواء أصدقاء كانوا أم وأعداء، وحدث ذلك حين زل لسانه أثناء خطابه في ذكرى استشهاد الصدر، حيث أخبرنا المالكي أنه كان يستعين بأفكار الشهيد الصدر في مقاتلة الأفكار العلمانية والماركسية والحداثوية ودحرها، وقد أشعرنا أنه سعيد بذلك لأنه نجح في تحقيق ذلك ودليله كان  ممثلا باعتلاء حزب الدعوة السلطة اليوم واندحار هذه القوى. وباعترافه بذلك فهو قد أساء أولا لأفكار الصدر الذي سمعنا صوته وهو يطمئن العراقيين من سنة وشيعة على حياتهم وأموالهم وحياتهم حرياتهم، فالصدر الشهيد أكبر من أن يفتي بقتال القوى الوطنية تحت أي مسمى، كما أن استشهاد المالكي بقول أحد التونسيين الذي أخبره أنه يستخدم أفكار الصدر في محاربة علمانيي تونس لهو خطأ كبير آخر فهذا الاستخدام لا يشرف الامام الصدر ولن يشرف حزب الدعوة العراقي خصوصا والعراقيون يعرفون الجرائم التي ارتكبها التونسيين الاسلاميين في قتل العراقيين بطوائفهم كافة، وكان عليه أن يرد هذا الاسلاموي التونسي ليستخدم أفكار الصدر لمحاورة أبناء جلدته من علمانيين ومناضلين بدلا من التفاخر بمحاربتهم، لأننا نعتقد أن أفكار الصدر ليست أفكار عفلق الذي استخدمها البعثيون في مقاتلة وإعدام خصومهم السياسيين وتحويل بلدانهم إلى مقابر للمناضلين والأبرياء بسبب أفكارهم وآرائهم الشخصية.

لقد أساء المالكي بعد إساءته لأفكار الصدر للمناضلين العراقيين من علمانيين وماركسيين وحداثويين، ترى ما ذنب هذه القوى لكي يحاربها المالكي طيلة حياته، وهل كانت كلها في الكفة ذاتها، وإذا كان بين العلمانيين  أناس غير أسوياء هل يستطيع المالكي أن يزكي الاسلامويين كافة بكونهم أسوياء أولا وجود للسيئيين في صفوفهم ، وهذا مستحيل فكلنا يعرف أخبار الذين استوزروا  أو وضعواعلى تماس مع الناس من الأحزاب الإسلاموية كيف تصرفوا وماذا فعلوا بما كان الشعب قد ائتمنهم عليه وأدوا يمين القسم  لخدمة الشعب وحنثوا بيمينهم وبإسلامهم ولم يكونوا أمناء بالمرة، حيث  كشفت المسؤولية عن وجود خلل بنيوي خطير في شخصياتهم فالكثير منهم كان غير أمين بل وجدنا منهم لصوصا ومرتشين وقتلة، ولا أعتقد أن أفكار الصدر التي تربى عليها المالكي هي صاحبة الفضل في تربية هذا الكم من الناس غير الأسوياء، فهي أكبر من أن يستوعبها هؤلاء اللصوص في مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والانسانية، الفكر الاسلامي لو قرأ بطريقة خاطئة سينجب لنا شياطين ومردة ولصوص ولنا في تنظيم القاعدة خير ما نقول، وإذا قرأ بطريق صحيحة فسينجب لنا شهداء وقديسين وأبطال حقيقين ولنا في الصدرين خير مثال على ذلك، وكذلك الأفكار غير الإسلامية قد تنجب لنا شياطين من مثل عفلق وصدام حسن وستالين ولكنها قد تنجب شهداء وعظماء من مثل سلام عادل وفهد وعبد الكريم قاسم وعدنان حسين الحمداني الذي أعدمه صدام.

في نهاية مقالتنا هذه نقول للسيد المالكي لا تجعل من النجاح طريقا للغرور فتفقد توازنك ويفلت لسانك أمام وسائل الاعلام أو الحشود فهي تأخذ من جرفك الكثير، عليك أن تقدم اعتذارا للشهيد الصدر وللقوى الوطنية التي ارتضتك قائدا لهذه المرحلة، ونحن إذ نعود إلى مقولة ابن طاؤؤس في بداية مقالنا فالناس  الذين ارتضوا هولاكو بوصفه حاكما عادلا وهو رجل كافر وفضلته على الخليفة العباسي وهومسلم غير عادل، لا يضيرها أن يحكمها علماني أمين يأتمنونه على حياتهم ومصالحهم ويضمن لهم مستقبلهم ومستقبل عوائلهم، الناس اليوم وبعد هذا الطوفان الهمجي من الأحزاب الاسلاموية وما رأيناه منها من جرائم وهتك أعراض وسرقات يندى لها الجبين ستصفق للعلماني والحداثوي إذا كان أمينا ولا نستبعد أن يظهر رجل كابن طاووس من رجال الدين الأفذاذ لدينا في العراق من يصرح  قائلا (إن علماني أمين خير من ألف اسلاموي منحرف)، عسى أن أسمع هذه الفتوى قريبا من مراجعنا العظام فقد أسيء للقوى العراقية المناضلة وللإسلام كثيرا.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2089 الجمعة 13 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم