قضايا وآراء

فرويد وخرافة شعب الله المختار (4)

 

مدخل لا بد مه..

لامشاحة في أن تهويد الكيان الصهيوني بالكامل، هوالحلم الاسرائيلي الأبدي، ورؤيته المستقبلية، التي تنبع من الاحتفاظ بالتراث اليهودي، كاملا، الذي هو مصدرقوته، والسر الوجودي لجميع اليهود في العالم من علمانيين ومتدينين ومارقين،

 

واذا كانت الصهيونية هي حركة (علمانية - حداثية – ديموقراطية) - كما يصفها منظروها الأوائل -، ...

واذا كان الغرض من انشاء الدولة اليهودية هو انقاذ الملايين اليهود من اضطهاد الجويم حسب زعمهم، فلم فلسطين بالذات؟...

 

فيأتي الردالصهيوني كما يلي:

 - بأن الصهيونية هي تجسيد لفكرة العودة الى فلسطين، وهوتجسيدلا تتساءل الصهيونية عن طبيعته، ولا من واجبها ذلك، ولا يحق لأحدأن يسأل، أو يتساءل عن الكنه والأسباب،

 

 - وان بداهة الارتباط اليهودي بأرض الميعاد، هوارتباط صوفي - استسراري - غنوصي –لاعقلاني، لم تنقطع أواصره عبر التاريخ الطويل، كما فسر ذلك المفكر الصهيوني الأمريكي برانديز حين قال ان الحنين الى فلسطين لم يبرح قط أفئدة اليهود بالتملي من الهيكل لأكثرمن ألفي عام ولهذا تم الاصرار منذ البداية على أن التجمع لا بد أن يتم في فلسطين - ماعدا فئة قليلة منهم لم يعد لها أي وزن منذ حرب حزيران، من الذين كان يطلق عليهم اسم الصهاينة الاقليميون الذين بحثوافي الأربعينات عن أية بقعة في العالم لانشاء الدولة اليهودية عندما عرضت عليهم أماكن نائية معزولة مثل جزيرة جرينلاند .

 

 وبالتالي فان هدم المسجد الأقصى هوالالتزام والاستجابة الطوعية للضروروات: التوراتية، والتاريخية، والتراثية، والأخلاقية (بالمنظور اليهودي) والشرعية (بالمنظور الديني) والثقافية والقيمية، اذلا قيمة لأي يهودي - مؤمنا كان أم مارقا - في العالم - بموجب هذه الالتزامات - بدون اعادة بناء الهيكل الذي هومحور روحانية كل الروحانيات الكونية و توحيد للديانات - حسب مزاميرهم - بما فيها البراهماتية الهندية التي هي غير دين سماويي ابراهيمي، و بمسح ماعداها من مفاهيم للربوبية أوالألوهية التي تعتمدها كل من المسيحية والاسلام.

 

وقد لا يوافق الصهاينة الليبيراليون أمثال بن غوريون أوالماركسيون أمثال بورشوف أو الفلاسفة اليهود الأوربيين العقلانيين مثل برنارليفي او جاك ديريدا أو برغسون أو دوركايم أو ادغارموران علي صياغة الحاخامات الأرثوذوكس لتصوراتهم للدولة العبرية، ولكنهم مجمعون بكل انتماءاتهم الفكرية والمذهبيةعلى تلك الرابطة الروحية الصوفية اللاعقلانية التي تربطهم جميعا ب أرض الميعاد ، وبهيكل الملك سليمان، وبيقينهم الكامل، من ماسح الأحدية بساوباولو، الىالمصرفي بنيويورك، أوالفيلسوف بباريس، والنحات بروما، أوالصياغ بلييج (بلجيكا) أو الموسيقاربفينناالى تاجرالأقمشة بفاس، أو بائع الخردوات بخان الخليلي، بحتمية اعادة بناء الهيكل السليماني المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى،

 

كما أنه لا يحق لأي مسلم ومسيحي، أن يتساءلاعن سرالصمت المطبق للحكومات العربية والاسلامية، ومجلس الكنائس الدولي والفاتيكان، وقسم حماية التراث الثقافي العالمي بمنظمة اليونسكو

 

 بينما، نجدالنخب اليهودية العالمية، قد أثبتت للعالم المتحضرالغربي الحداثي والديموقرطي الغارق والمشبع بالأنوار الفولتيرية ، والعقلانيات الديكارتية وشكيتها، والأخلاقيات الكانتية وضعانيتها، ودياليكتيكيات هيغل ومثالياتها ب أن أسطورة العودة الرومانسية اللاعقلانية، قد تحولت الى واقع ملموس، والى رؤية، بل والى فلسفة الدولة الرسمي، ومنهج حياة، ومعرفة، ونظرية كونية، وبرنامج سياسي، ونهج أخلاقي وتربوي وثقافي وروحي.. - على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي اليهودي الملحدAlain Finkielkrautألان فانكيلكروفت

 

 ومن يجرؤ اليوم، في هذا الغرب المتنور و الحداثي و العقلاني حتى النخاع، على الاجابة على هذا التساؤل البسيط والواضح: لم يقبل هذاالعقل الغربي الدياليكتيكي الجبار، بفكره الفلسفي المهول الغني والمتنوع بكل شموله وسعته، والرافض للمقولات الدينية، وكل أشكال التصورات التراثية للبشرية ورؤاها الروحية، والذي يؤمن الا بالمجون واللذات الأبيقورية الحسية السرمدية كأسلوب حياة، والالحاد والوضعانية كنمط تفكير، في أن يحقرعقله، و يقبل بسذاجة اسقاط اللاهوت التوراتي على تفسيرالتاريخ البشري، وتاريخ منطقة الشرق الأوسط بالذات؟

 

وستجد الاجابة التالية، فورا، في كل ردودهم في منتدياتهم الثقافية وفي جامعاتهم العريقة:بأنه ستبقى القيم التاريخية والحضارية والدينية اليهودية التوراتية، هي أساس وجود اليهودي في العالم، وبالتالي فما على البشرية الا بأن تتقولب و تتنمط حسب الهسترات اليهودية والأهواء الأوروبية، والعربدات الأمريكية في كل مظاهرهذياناتها اللاعقلانية وأنفها معفر في التراب، سواء أكان المنظرنتانياهو، والمنسق مجموعة بروكسل، والحامي، ذلك اليانكي الأمريكي الجديد: المسلم الأسود وريث المصلح الزنجي لوثركنغ ، الحائز على جائزة السلام الدولي، لنشرعولمة وقيم الحروب الناعمة الجديدة، مفخرة كينيا السوداء، ومنقبة الديموقراطية الأمريكية البيضاء باراك حسين أوباما كما تسطره اليوم الكتابات بكل اللغات الغربية،

 

وبالامكان كتابة مجلدات عن البروباجاندا الصهيونية لعلمانييهم وملحديهم في الصحف الغربية وخاصة الفرنسية، ليتأملها جيدا نخبنا الغافية والمستغفلة، لكي يحددوا رؤية واضحة لمشروع احيائي للأمة ، والافلننتظرالطوفان، مثقفين، ونخبا، وعلماء دين، وساسة، وحكومات، وشعوبا، كما تخطط له مراكزالبحوث في تل ابيب بمعية عواصم الغرب في حين أن فلسطينيينا يتقاتلون داخل فلسطين على سلطة لا يملكونها أصلا، وعلى أرض غير آمنين فيها، ومههدين بأن تتزلزل من تحت أقدامهم في أية لحظة، بموجب اجماع مافيات الكبار وبمباركة الدول السايسكوبية العربية الجديدة، وابناء بني العقلم الفلسطينيين المتنافسين سرا وعلانية في الهرولة الى المسارعة في التخلص من القضية التي يجمع على قدسيتها، عرب ومسلمو ومسيحيوالمعمورة وكل و شرفاء الأرض من كل الانتماءات الانسانية، في عالم يعيش فيه عالمنا العربي - الاسلامي تحت ضغوط قذارات سوريالية، تحت اشعاعات عالم الذلقراطية - حسب تعبير مفكرنا المغربي الكبير المهدي المنجرة

 

ولاجرم أيضا، في أن الهوية الاسرائيلية مهددة من الداخل، فان جيل بن غوريون، وموشي ديان، وغولدا مايير، ورابين، وبيجين، وشارون من الصهاينة ا لرومانسيين قد انتهى عهدهم وولى، الا أن الدولة العبرية تدرك ان استراجيتها الوحيدة للبقاء هي:في نشررسالتها الكونية –كما تزعم - بالتتشبث بالقيم اليهودية المزيفة (الماورء - قبرية) التي هي وحدها - في زعم مفكريها من داخل اسرائيل وخارجها - الضامن لوجودها والسبيل الأوحد لاختراق الأنظمة العربية كلها، وبالمزيد من الاختراق (العمقي) للمؤسسات الغربية الفكرية، وتوجيه ثقافاتها (بعيداعن قيم فولتيروروسو، وديكارت، وموننتسكيو، وكانط وهيغل، وكل منظري التنويروالحداثة والعقل والقيم الانسانية الكونية العليا)

 

فرويد وموسى والتوحيد:

وعودة بنا الى فرويدنا، لنرى كيف يفسرالدافع الذي دفع موسى–عليه السلام - للتبشير بعقيدة التوحيد بين اليهود؟

مناط اجابة فرويد، أنه انبثقت في ذهن موسى ذي الطبيعة المقدامة، والذكاء الوقاد، والبصيرة النفاذة، فكرة الاستعاضدة عن الأمبراطورية الشاسعة الآفلة والمنهارة لمملكة أخناتون بسبب عقيدته الدينية التي سببت في الاطاحة بملكه، فعزم موسى كأميرمصري طموح للسلطة - حسب زعم فرويدالذي لا يرى في موسى سوى أميرجموح متسلق - باعادة الشعب الجاحد للتوحيد عبر امبراطورية جديدة، وبشعب جديد يمنحهما موسى العقيدة الجديدة التي لفظتها مصر...

 

وحجة موسى في هذا المنحى هو - حسب زعم فرويد - أنه كما قال لعل موسى كان أحد حكام الأقاليم المصرية المجاورة للحدود (التي لم يحدد فرويد مكان تواجدها) فكان بحكم طبيعته، عليما بأحوال القبائل السامية (وكلمة القبائل السامية جاءت في بحث فرويد مغفلة بالغموض حتى يفهم منها بأن شعوب المنطقة ليسوبساميين/ وهو تكرارللزعم التوراتي الذي يعي فرويد نقده -، التي كانت تستوطن تلك الأقاليم أو تجوب ربوعها، وقد اختار من بينها شعبه الجديد، موطدا بينه وينهم أواصرالألفة حين قادها للخروج من مصرسليمة - حسب زعم فرويد -، ويحدد خروج اليهود من مصر بين عامي 1358و1350ق.م

 

وبناء على لعل هذه أفرغ فرويد بوضعانيته العلموية ومنهجيتيه التاريخانية ويهوديته المتحجرة - التي خاصية كل علمانييهم من هرتزل الى انشتاين - كل هالات النبوة عن موسى، اذوصفه بأنه مجرد أميرجشع مغامروطموح جرئ، هدفه الأوحد السيطرة والسطوة والسلطة والاطاحة ب البيت الحاكم المصري - حسب زعمه -

 ويعترف فرويد بأن أحبار اليهود، قد أحاطوا موسى بأساطيرلا حصرلها، وحاكوا حوله على مرالدهور من الروايات الخيالية، الأمرالذي أسبغ على موسى، الكثيرمن الغموض، كما تروى التوراة نفسها،

وحقيقة الأمرهنا - |التي لم يتعرض لها فرويد بالرغم من كونه أحد أعمدة مؤسسي علم النفس والانثروبولوجيا الدينية– بأن الدعامة الرئيسية للتوراة، هي أن تكون على مدى التاريخ حمالة أوجه بطريقة مقصودة ومغرضة، لكي يتم التلاعب بالنصوص التوراتية، لتأويلها حسب مقتضى الحال والظروف السياسية الطارئة، كما هو الأمرفي قضية المسجد الأقصى، والتهويد الكامل لاسرائيل حاليا، وقد تم عرض شخصية موسى الملغوزة عبرالتاريخ اليهودي لتحيينها و تلوينها و تطوريها عبرالتقلبات الفكرية الأوربية، بغرض الاستمراربالامساك بتلابيب عقلية وجدان اليهود باللأغازوالأسراروالأحاجي والأساطير، وبالتحديد منذ ظهورما يسمىبعلوم الخفائيات و الاستسرارات في القرن الخامس الميلادي التي احتد فيها، الصراع الخفي حينا، والسافرأحيانا أخرى، بين اليهودية والفلسفة الاغريقية، ثم المسيحية الفتية التي فضحت سجع كهان اليهود، فعجلت التجمعات اليهودية بظهورو الهيرمونوتيكية Hérmetisme كقراءة جديدة للتوراتية - التلمودية ، التي تبنت ابتداع منهج التأويلات الرمزية الاستسرارية للانجيل، تمهيدا لاستحداث مذهب القبالة الخفائي المأحوذ عن القراءات الباطنية الغنوصية للتلمود، مهادنة للفلسفة الاغريقية من جهة، ولتطويعها مستقبلا، استجابة لأغراض وأهداف اليهود الخفية عبرالتاريخ سواء بالتخلص من المسيحية مبكرا عن طريق اختلاق الخلافات حول رجال الكنيسة وأقوالهم لا حول تعاليم السيد المسيح عليه السلام، ثم ما كان من احتواء كلا من الفلسفة الاغريقية والمسيحية الغربية فيما بعدعندما استعصت عليها الكنيسة الشرقية الأرثوذوكسية لاحقا، وهذا ما ميز مدرسة الأسكندرية الفلسفية التى وضعت اللمسات الأخيرة في تلاقيها، ثم تعميق تقاطعها، بل وصراعها مع الكاثوليكية الغربية حينا من الدهر الا ان تم التصالح بينهما في القرن التاسع عشر، (وهو ما يفسر العداء اليهودي السافر لمسيحي فلسطين بنفس العداء لأخوانهم المسلمين) وكما تبين تاريخيا فى ظهورالبروتستانتية، والتجمعات الدينية السرية المغلقة، مثل المحافل الماسونية المتنوعة (فى الغرب والشرق) والقراءات التحريفية للمسيحية، وتغلغلها فى الاتجاهات الفلسفية الغربية (وأصول الاتجاهات الفلسفية اللاعقلانية معظمها من صنع فلاسفة يهود أوربيين، أمثال لايبنتز (الموفق بين الايمان اليهودي والفلسفة) وسبينوزا (في نظريته وحدة الوجود اليهودية، وفلسفة برغسون (في نظريته حول الطاقة الروحية في الايمان اليهودي والحدس السيكولوجي، وليفي برول ( في علم الظواهر) ودوركايم في الطوطيميات وغيرهم من المئات).

 

 ثم تجلي التاثير التلمودي–القبالي في كل مجالات الفنون وخاصة في مجالات المعمار'والهندمة والسينما، والديكورالمعاصر، لما تقدمه القبالة، من حلول منبثقة عن أسرارها وأفكارفي مجالات الاستلهامات والابداعات الفنية التشكيلية، وخاصة في فرنسا والولايات المتحدة حيث يعتبراليهود القارة الأمريكية حقل تجاربهم الخصبة، والأمريكيين بمثابة قطيع البشرالمدجن السهل التطويع والتمييع.والتضبيع....

 

للبحث صلة

د.الطيب بيتي العلوي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1196 الثلاثاء 13/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم