قضايا وآراء

مقاصد حافظية المرأة الزوج / رشيد كهوس

قال الله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)(سورة النساء: 34): تشير العبارة (حافظات) في الآية الكريمة إلى أن هناك ما يضيع إن لم تحفظه المرأة الزوج، وتشير التي بعدها (للغيب) بأن هناك غيبا وحضورا.

فالحفظ استمرار واستقرار وهو العمود الفقري في الحياة الأسرية، والمرأة بطبعها وفطرتها تحفظ استمرار الجنس البشري بما هي محضن للأجنة وراعية لحياتهم ومرضعة وحاضنة ومربية ومدبرة لضروريات معاش الأسرة...

وما جاء بعد هذه الآية الكريمة السابقة يدل على أن (حافظات) مقصود بها حافظية المرأة ومهمتها ومسئولياتها، قال الحق تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)) (سورة النساء). فإذا نشزت المرأة؛ أي تركت مسئوليتها وعصت زوجها وتمردت واستعصت... فله حق تأديبها بما شرعه الله تعالى بلا شطط ولا ظلم.

ثم تأتي تفاصيل الحافظية الزوجية في آيات أخرى وأحاديث نبوية شريفة أذكر من الأحاديث مثلا: ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة البلاغ والوداع فقال: «أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً، أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ ».(رواه الإمام الترمذي في سننه، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»(رواه الإمام البخاري في صحيحه، باب المرأة راعية في بيت زوجها).

وروى الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه في تفسيره بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ النساء امرأةٌ إذا نظرتَ إليها سرَّتك، وإذا أمرَتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك. قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الرجال قوامون على النساء..." الآية».

وعليه: فمن طبيعة المرأة الصالحة أن تحفظ حرمة الرباط الوثيق بينها وبين زوجها في غيبته وبالأحرى في حضوره.

أما علماء التفسير فقد فسروا (حافظات للغيب):

- حافظات لما ما غاب عنه الأزواج من الأموال، وما يجب عليهن من صيانة أنفسهن لهم، وبيوتهن.

- حافظات لما استودعهن الله من حقه، وحافظات لغيب أزواجهن.

 -حافظات لكل ما هو خاص بأمور الزوجية الخاصة بالزوجين.

- حافظات لأمانتهن ورعاية بيوتهن ، وحافظات للعائلة بالتربية الحسنة، والأدب النافع في الدين والدنيا، وعليهن بذل الجهد والاستعانة بالله على ذلك.

- حافظات لأزواجهن، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره.

أضف إلى ذلك أن سعي الرجل الزوج على أهل بيته وكسبه خارج البيت، يغيبه عن بعض المجالات إن لم تحفظها المرأة ضاعت.

وفي تفسير «الصالحات» قولان:

أحدهما: المحسنات إِلى أزواجهن، قاله ابن عباس رضي الله عنهما.

والثاني: العاملات بالخير، قاله ابن مبارك رضي الله عنه.

أما (القانتات)  فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: المطيعات لله في أزواجهن.

وخلاصة القول: حافظية المرأة لا تقصر على حفظ الحقوق الزوجية فقط، بل تنطلق من إرضاء الله تعالى بداية ونهاية.

فإذا قامت المرأة بوظيفتها (الحافظية) على أحسن وجه حققت بذلك أهم المقاصد العامة للشريعة الإسلامية بحفظها للضروريات الخمس المذكورة في جملة من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وقد جمعها قوله سبحانه وتعالى في خطابه لنبيه وصفوة خلقه صلى الله عليه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة التحريم: 12) والآية تحدد بنود بيعة النساء، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

 

وتتجلى مقاصد حافظية النساء فيما يلي:

حفظ الدين: حفظ الدين رأس المقاصد وغاية الغايات. وهو في مقدمة ما ينبغي أن تحفظه المرأة، تلتزم شريعة ربها، وتحافظ على حقوق الله في زوجها.

حفظ العرض أو النسل: أن تكون عفيفة شريفة محافظة على كرامة زوجها، أضف إلى هذا أن أعظم ما يجب أن تحفظه المرأة نسل الأمة، فلا تختلط الأنساب: عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَن ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ»(رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب الفرائض باب من ادعى إلى غير أبيه).

حفظ النفس: تربية أبنائها على الأخلاق الحسنة، وتوعيتهم وتعليمهم ما ينفعهم في الدين والدنيا..

حفظ العقل: تنمي عقولهم وتقوي ملكتهم، وتسعى لحفظ عقولهم مما يتربص بهم من التغريب والتطرف والانحلال... وأكبر قتل لأبنائها هو أن تتركهم عرضة للجهل وموجات التغريب والانحلال...

أضف إلى ذلك أنه كيف يمكن المرأة أن تقوم بمهمتها إن لم تملك عقلا مدبرا..?

حفظ المال: تدبير شئون بيتها الاقتصادية، ولا تبذر منها شيئا.

وعليه، فإذا حفظت المرأة كل ذلك حققت الغاية الاستخلافية والتعبدية التي خُلق من أجلها الإنسان، وكانت من الصالحات القانتات، ونالت بذلك رضى الله عز وجل: وهذا هو معنى قوله عز اسمه: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)(سورة النساء: من الآية 34).

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2132 السبت  26 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم