قضايا وآراء

عقوبة قذف المحصنات في الفقه الإسلامي / رشيد كهوس

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(4))(سورة النور). تجريح وتفسيق للمعتدي على أعراض المؤمنات.

أيُّ تكريم إلهي للمرأة حين ينزل الوحي بحمايتها ورعايتها والذود عنها: يقول الله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25))(سورة النور).

هذا وعيد إلهي شديد لمن تكلم في أعراض المؤمنات، وقذفهن بما يخدش كرامتهن ولو تلويحا.

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره "زاد المسير": "قوله تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات} يعني: العفائف { الغافلات} عن الفواحش، {لعنوا في الدنيا} أي: عذبوا بالجلد، وفي الآخرة بالنار" انتهى.

وهنا نقف مع ألفاظ الآيات الكريمة: (المحصنات): العفائف من النساء الحرائر المسلمات، قال الله تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)(سورة التحريم: من الآية12)، ولفظة (المحصنات) دالة على النزاهة عن الزنا.

(الغافلات): عما يرمين به، البريئات مما ينسب إليهن.

ولذلك فقد وازى الله سبحانه وتعالى حرمة المؤمنات بحرمة المقام العالي في قوله عز اسمه وتقدست كلماته: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58))(سورة الأحزاب).

فمن أعظم المنكرات وأخبث الخبائث وأكبر الكبائر أن تُتهم مؤمنة مما هي منه براء كناية أو صراحة.

وكان الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلد من عرض بالفاحشة في حق امرأة: عن عبد الله بن عمر قال: أن أباه كان يجلد في التعريض بالفاحشة. لذلك كان الفاروق رضي الله عنه يقول: "إن حمى الله لا ترعى حواشيه"(أورده الإمام ابن حزم في المحلى بالآثار).

ولعظم جرم قذف المحصنات شدد الفقهاء في المسألة: فمثلا من تزوج امرأة ووجدها فقدت عذريتها... فإذا نطق بتهمة الزنا فيعتبر قذفا بلا ريب إن كانت المؤمنة معروفة بعفتها، ويجلد على قذفه إياها، لأن المرأة قد تفقد عذريتها بغير الزنى، يقول الإمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله في المحلى بالآثار:"وذهاب العذرة يكون بغير الزنى وبغير وطء كوقعة أو غير ذلك" اهـ.

أما إذا أخبر الشخص أنه وجدها غير عذراء فقوله لا ينفي احتمال جرح ووقعة وحادثة.

 

شروط إقامة حد القذف:

يشترط في المقذوف به: التصريح بالفاحشة أو التعريض الظاهر الذي يفهم منه القذف ويستوي في ذلك القول باللسانين: (اللسان والقلم).

واتّفق الفقهاء على أنّ القذف بصريح الزّنا يوجب الحدّ بشروطه .

وأمّا الكناية: فعند الشّافعيّة والمالكيّة: إذا أنكر القذف صدّق بيمينه، وعليه التّعزير عند جمهور فقهاء الشّافعيّة، للإيذاء، وقيّده الماورديّ بما إذا خرج اللّفظ مخرج السّبّ والذّمّ، فإن أبى أن يحلف، حبس عند المالكيّة، فإن طال حبسه ولم يحلف عزّر.

ولكنّهم اختلفوا في بعض الألفاظ:

فعند الشّافعيّة إذا قال لرجل: يا فاجر، يا فاسق، يا خبيث، أو لامرأة: يا فاجرة، يا فاسقة، يا خبيثة، أو أنت تحبّين الخلوة، أو لا تردّين يد لامس، فإن أنكر إرادة القذف صدّق بيمينه; لأنّه أعرف بمراده، فيحلف أنّه ما أراد القذف، ثمّ عليه التّعزير.

وعند المالكيّة: إذا قال لآخر: يا فاجر، يا فاسق، أو يا ابن الفاجرة، أو يا ابن الفاسقة، يؤدّب، فإذا قال: يا خبيث، أو يا ابن الخبيثة، فإنّه يحلف أنّه ما أراد قذفاً، فإن أبى أن يحلف يحبس، فإن طال حبسه ولم يحلف عزّر .

 

ويثبت حد القذف بـ:

1-الإقرار: أي بإقرار القاذف نفسه.

2-الإشهاد: أي بشهادة الشهود على القاذف.

الشروط التي يجب توفرها في المقذوف وهي:

1-العقل.

2- البلوغ: فلا يحد من قذف الصبي أو الصبية، ولكن إمام دار الهجرة وعالم المدينة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه قال : إذا قذف بنتا قبل البلوغ ولكنها من الممكن أن يزنى بها والعياذ بها، فإنه يستحق الحد لأنه قد يفسد عليها مستقبلها ويؤذي أهلها.

ولكن جمهور العلماء قالوا يَزر، ولا حد عليه.

3- أن يكون المقذوف مسلماً.

4- أن يكون المقذوف عفيفا بريئا مما رمي به.

5-الحرية.

أما الشروط التي يجب توفرها في القاذف فهي كالتالي:

1-العقل.

2-والبلوغ.

3- والاختيار.

وهذه الشروط هي أصل التكليف فإذا كان القاذف مجنوناً أو صبيا أو مُكْرها فلا حد عليه. لقوله: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق) رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود والترمذي في سننيهما، والحاكم وغيرهم من حديث الإمام عليّ رضي الله عنه.

والآية التي افتتحنا بها هذه المقالة تحكم على القاذف بثلاثة أحكام :

أحدها : أن يجلد ثمانين جلدة .

الثاني : أنه ترد شهادته أبداً .

الثالث : أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله و لا عند الناس.

وفي الختام:

ليس هناك أفضل من إشغال اللسان بالدلالة على الخير، وذكر الله تعالى، وحفظه من الوقوع عما يستوجب غضب الله تعالى ولله در القائل:"ما يهلك الإنسان إلا عثرات اللسان".

وصدق سيد الوجود صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.

إِنَّ مِنْ ‏ أَرْبَى ‏ ‏الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ ** ‏فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2142 الثلاثاء  05 / 06 / 2012)

في المثقف اليوم