قضايا وآراء

الشاعر علي مولود الطالبي رجل في سماء الحكاية / وجدان عبدالعزيز

تتسع عند شلالات فضية تشاكس خواء الروح، وتستجدي غمامة الوصل من إهداء الشاعر علي مولود الطالبي .. في رحلة عبر (ضوء الماء) لتصبح المدينة تساوي الحبيبة والوالد يساوي العراق في حالة ليس افتراضية، إنما هي باتت هما يعاشر الشاعر ويرافقه، هذه الروح  التصقت بكتاب (ضوء الماء) لتتكون معادلة الحب الذي يسكن أعماقه، حاملا جماليات الروح التي تنوء تحت الآلام الجسد (فبعد أن تعرض الجسد لتعطيل مباشر ومقصود في الكثير من أدواته، وأقفلت أمامه فرص الاستيعاب الوظيفي لحراكه المتجه طبيعيا إلى انجاز معنى الحياة ورسم صورتها المثلى، ارتدّ إلى كيانه ولاذ بإبعاده الفيزيائية والاعتبارية وتمركز على ذاته، في السبيل إلى إيجاد حلول لفكّ شفرة الحصار الدموي القاسي الذي يتعرض له . وكان الكلام الثر الذي توفره قصيدة النثر ـ وقد تخلصت من عبء الوزن والقافية ـ قابلا لمثل هذه الوظيفة ومكيفا لها، على النحو الذي انفتحت القصيدة فيه على شكل معين من أشكال الحرية والرحابة والاجتهاد) *، وقد نجد محاولات الطالبي واضحة في نزوعاته الجسدية وهو يستعير تعابير قصيدة النثر لتكون ملاذه في هذا الجانب .. يقول الشاعر :

 

(إني أضيع اذا أحصيت أشواقي

الحب يعزف لحنا بين أحداقي

إني احبك .. يا الله من ولهي

طير النوى طار في صلبي وأعماقي

يابلسم الروح كوني معطفا لفمي

لان بين شفاهي طعم دراق)

 

هذه المسيرة الانفعالية التي يعيش أجواء الرحلة من خلالها الشاعر الطالبي وكما قلت متوترا بين الحسي الجسدي، واللاحسي الروحي، فيضيف قائلا :

 

(حبها الأسمى .. قدر

النجوم الزهر .. تنثال ..

كحبات مطر ..

إنني اهواك ارضا ..

مزجت فوق ثراها ...

صرخة الجرح .. وانغام الوتر)

 

ورغم اضطراب الخطاب هنا بين الضمير الغائب وبين الضمير المخاطب، الا انه رسم لوحة تمسكه بالحبيبة، كأرض مزج فوق ثراها الجرح كحالة مؤلمة والوتر كنغم يحاول أن يعزف عليه بأوتار الأمل .. وهذا نزوع جمالي نحو أفق الروح المحلقة إلى الأعلى، لأنها تمتلك عاطفة راقية ونقية وصادقة تنبع من الأعماق وتعانق الق الروح .. الا وهي عاطفة الحب .. ثم يصرح الطالبي مخاطبا بغداد :

 

(ايه يابغداد يا أنثى .. على خصلاتها .. صلى النهر

فأريج الضوء فاح

وشذاك اليوم لاح ..

ان حبي سوف يبقى

خالدا طول الدهر)

 

فالخطوة الأولى جسم حبيبته في جسد بغداد كمحاولة جادة للجمع بين الحبيبة وبين المدينة وكان حبه استبدال بين الحبيبة وبين المدينة  بغداد او لنقل حلول بواسطة الحب، لان الحب خلود، فبغداد وحبيبة الشاعر خالدتان، وهو تحصيل حاصل في تأويلات الشعر .. بعد ذلك يقول :

 

(سأكتب الشعر كي أبقى اعيش به

دوما فان صدى العشاق أغراني

امشي وتتبعني الأنهار عاشقة

ومن سحاب هواها زاد ايماني)

 

 

ليثبت ان هاجسه الوحيد، هو الحب والعشق مضمخان بالموقف والرؤية، وكأنما الشعر هو الرئة التي يتنفس بها عطر الحياة، فتكون الكلمات فرشاة الرسم للشعر الذي يداخل أعماق الشاعر فقصد صور جميلة، ليشكل من خلالها علاقته الواعية .. كون الوعي يبني معرفة بالتعبير من خلال الصور الشعرية عن علاقته بالمحيط، لذا كان يمزج بين الذات القلقة والموضوع المحيط، كقوله :

 

(أنا أسقيك نظرة الورد

واعطيك امصار العصافير على كل الأزقة

اصنعي من جلدي ما تشائين

بيت، فراش، لباس ...

انثري على جسدي صغار النجوم

ومن قشعريرة الصبح اغزلي اسلاك الوصال

بين لوح الخضار

ورجف الليل

انت امرأة محالة ...

اناقة تمثال موشح بالحرير

نقش في اعمدة الجمال

نهر حليب يغطي الجسم)

 

وجاءت هنا صوره مشبعة بالمغايرة والاختلاف، ليعبر من خلالها عن تجربته الذاتية الباحثة عن جمال العلاقة مع المرأة، كحبيبة، كأميرة، لذا (تعد اللغة في إطار عضويتها التشكيلية الشعرية من هاهم وسائل التعبير الفنية في النص الشعري الحديث وأخطرها على النحو الذي يضعها في مجال المغامرة وحيز التمرد على الأطر والقياسات والصياغات والألفة المعهودة .) **، مما حدى بالطالبي ان يجعل من المرأة كملاذ له وذلك القبح الذي يعيش في وسطه متخلصا من السلطات الاجتماعية التعسفية، وهو يردد : (احبك ... كما الليل للنائمين) وهنا احمل معنى الحب، كونه اطمئنان واستقرار كماهو الليل للنائمين في صورة عكست جمالية مستقرة في ذهن الشاعر الطالبي، حتى انه ماهى بين العراق الوطن والاب الوطن أيضا وأعطى أبعادا للأب إثباتا لمقولته (رجل في سماء الحكاية)، حيث يقول :

 

(أبي عانق الشمس

منذ السفر

أبي قال للماء

أين المفر؟

ابي كان ضوءا

باقداح عيني

وهل يلبس الغيم ..

الا المطر؟ )

 

اذن حدثت حالات تعويض واستبدال، حتى الوصول الى نتيجة مفادها ان الضوء والمطر هو العراق وهو الأب واستمرت هذه المعادلات المنطقية، ليخفف من جموح الخيال وسريالية الفكرة، وغاية المعنى الاتصال والمباشرة بضوء القداسة .. ولايتوانى يركب (لحظات هاربة) الى (تزاوج ... الحب ثورة !!!) وهنا قاد ثورة انفعالية متأرجحة بين القبول والرفض، بيد انه يكون في (حلم مضرج .. باليقين)، كمعنى متوهج  بـ (ضوء الماء) الذي أعطاه صفة المبدئية بقوله: (اني احبك مثلما انت / ومثلي دائما ابقى احبك للابد)، لماذا؟، لان (جبان هو البعد / يهرب القلوب من اوكارها) حتى يصل الى حالة الحلول في الحبيبة (ولابد ان تصبحي لي انا /كقلبي انا .. / كصرحي .. / نحب .. ونهوى .. ونرقى .. / كأثنين في جسد واحد) وهنا تجسدت المعاني الذي كان يبحث عنها الشاعر علي مولود الطالبي من خلال ديوانه (ضوء الماء)، غير ان الديوان يبقى محل جدل يحتاج لأكثر من قراءة وحوار ..

 

............................

مصادر البحث :

كتاب (الفضاء التشكيلي لقصيدة النثر) أ.د.محمد صابر عبيد /نقد5 دار الشؤون الثقافية العامة بغداد العراق ط1 2010م ص 174

كتاب (عضوية الأداة الشعرية) أ.د.محمد صابر عبيد سلسلة كتاب جريدة الصباح الثقافي رقم 14 2008م ص59

ديوان (ضوء الماء) للشاعر علي مولود الطالبي ـ تموز طباعة، نشر، توزيع الطبعة الأولى 2010م

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2142 الثلاثاء  05 / 06 / 2012)

في المثقف اليوم