قضايا وآراء

الخيارات المتاحة لاختيار نظام انتخابي أمثل في العراق / وليد كاصد الزيدي

من أجل تحقيق المتطلبات الديمقراطية، كونها أداة يتم من خلالها انتخاب الهيئات التشريعية والحكومات، واذا ما كان النظام الانتخابي مقبولاً فانه يعمل على تحقيق المصالحة أيضاً، وقد لا يكون النظام الانتخابي الذي يتم اختياره في تنظيم أول انتخابات ضمن مرحلة انتقالية هو الأفضل لكي يستخدم بشكل مستمر.

هنالك العديد من المقترحات في هذه الايام تتحدث عن ابتكار نظام انتخابي جديد لانتخابات مجالس المحافظات التي من المزمع اجراءها مطلع العام المقبل، من بينها نظام المزج بين القوائم لأكثر من نظام انتخابي، بغية تحقيق قدر أكبر من المرونة للناخب والمرشح، وهو أقرب الى - النظام المختلط المتوازي- الذي يعّد أحد النظم الرئيسة ضمن عائلات النظم الانتخابية المعمول بها في أغلب دول العالم إذ يتم فيه المزج بين أحد نظم الأغلبية – نظام الفائز الول في الغالب - مع نظام التمثيل النسبي. ان التفكير بتعديل واصلاح النظام الانتخابي من قبل مهتمين بالشأن الانتخابي من العراقيين هو أمرٌ مفرح يستحق الثناء والاطراء، إذ كانت الدراسات المتعلقة بهذا الجانب يعمل عليها مشاورون وخبراء اجانب ليسوا أكثر دراية بالواقع العراقي من أبناء البلد.

وقبل الخوض في ايجابيات وسلبيات هذا النوع من النظم، لابد من التطرق بشكلٍ سريع الى نوع النظام الانتخابي المتبع في العراق منذ عام 2005 . فقد جرت انتخابات الجمعية الوطنية مطلع عام 2005 باستخدام نظام التمثيل النسبي بالقائمة النسبية المغلقة على المستوى الوطني باعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة . ولعل من بين أسباب اختيار هذا النظام حينذاك، ملائمته للواقع العراقي وذلك لأنه يعطي نتائج اكثر شمولية في التمثيل، ولبساطته للناخب لدى الإدلاء بصوته، وهو يعمل على تسهيل عملية الاقتراع، كما يقلل من متطلبات تثقيف الناخبين، ويخلق نظاماً أكثر شفافية، فضلاً عن كونه لا يتطلب بيانات إحصاء سكاني او اعتماد للحدود الادارية لدى تحديد الدوائر الانتخابية طالما يعتمد العراق دائرة انتخابية واحدة، وهو أيضاً أفضل للنساء والأقليات، لملائمته تحقيق تمثيل نسائي مناسب وتمثيل عادل للأقليات، وفي نفس الوقت يشجّع على تشكيل تحالفات معتدلة، كما يسمح بالتمثيل المحلي، وهو الأكثر تجنباً للمشاكل الأمنية، إذ ان الدوائر الانتخابية على المستوى الوطني أو مستوى المحافظات توّفر للمرشحين فرص أوسع لإطلاق الحملات الاعلامية بأقل عدد من المشاكل الأمنية والعنف المحلي، كما يقلل من احتماليات العنف الموجّه ضد المرشحين.

وعلى مستوى انتخابات مجلس النواب، يعدّ الأكثر ملائمة للتصويت في الخارج، إذ أن الدائرة الانتخابية على المستوى الوطني تسمح للمصوتين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات بشكل فعال، وربما اقل فعالية لدى اعتماد التصويت على مستوى المحافظات، الذي قد يكون أكثر اثارة للجدل في جانب تحديد معيار الاقامة السابقة والعائدية لكل محافظة.

ونتيجة لظهور دعوات كثيرة بشأن ضرورة تطوير النظام الانتخابي بعد ثلاث عمليات انتخابية جرت عام 2005، من أجل اعطاء الناخب فرصة افضل لمنح صوته الى مرشح وليس الى حزب فقط، فقد ظهرت أصوات متزايدة بعد انتخابات عام 2005 تنادي باجراء تغييرات على خصائص النظام الانتخابي المتبع . وقد تم تعديل النظام الانتخابي الذي تم العمل به في انتخابات مجلس النواب لعام 2005 بعد مشاورات مطوّلة قبيل انتخابات مجالس المحافظات عام 2009، قبل ان يجري اختيار نظام التمثيل النسبي باستخدام (القائمة النسبية المفتوحة المحددة) بدلاً من القائمة المغلقة . في حين أجرى قانون انتخابات مجلس النواب رقم 16 لسنة 2005 المعدل والصادر أواخر عام 2009، جملة من التغييرات المهمة واعتمد نفس النظام، كما عَمِل على زيادة مقاعد مجلس النواب، وقلل من عدد المقاعد التعويضية الوطنية، وضَمنّ كوتا النساء مرة أخرى في القانون الانتخابي بصيغة جديدة.

ان عملية الانتقال من نظام القائمة المغلقة إلى القائمة المفتوحة يتوقف عادةً على جوانب متعددة في النظام الانتخابي مثل ( وحدة التمثيل، حجم الدائرة، وصيغة توزيع المقاعد ). لذا فان هنالك العديد من الخيارات المختلفة ترتبط بنظام القائمة المفتوحة، وتأثيراتها العملياتية والسياسية، بالإضافة إلى الآليات المتبعة لضمان تمثيل النساء والأقليات.

ومن الجدير بالذكر، أن ظهور أعداد كبيرة من الأحزاب السياسية يبدو بأنه أحد الميزات الملازمة للانتخابات التي تعقب سقوط الأنظمة الديكتاتورية، لكن كثيراً منها لا تلبث أن تتلاشى بعدما تثبت فشلها في الانتخابات، ففي العراق وبمناسبة خوض انتخابات مجلس النواب عام 2005، سجل عدد كبير من الأحزاب والائتلافات، حيث تنافس في الأنتخاب 6655 مرشحا و 307 كياناً سياسياً و 19 ائتلافاً. أما في عام 2010 وبعد انتهاء فترة تسمية المرشحين في 20 كانون الأول 2009، أعلنت المفوضية ترشيح 12 ائتلافاً و 161 كياناً سياسياً و6500 مرشحاً.

يعمل نظام التمثيل النسبي على إفراز برلمانات تتمثل فيها كافة المصالح، بغض النظر عن عائدية الأقليات إلى هويات أيديولوجية، أو عرقية، أو عنصرية، أو لغوية، أو مناطقية، أو دينية، ذلك أن استثناء شرائح وفئات معتبرة من الرأي العام من التمثيل في البرلمان المنتخب، خاصةً في البلدان حديثة العهد بالديمقراطية والتي تعمل على انجاز انتخابات حقيقية، من شأنه أن يسفر عن نتائج سلبية كبيرة. يضمن نظام التمثيل النسبي فرصة كبيرة لتمثيل الاقليات واحزاب الاقلية افضل مما يوفره التصويت بالمزج بين القوائم.

لقد وجد نظام التمثيل النسبي تطبيقاته في العديد من البلدان ذات التعددية العرقية والاثنية واختلاف الطوائف أيضا، (ومن بينها العراق)، وذلك لأن توزيع النسب لا يمكن ان يتم في حالة انظمة تعتمد الاقتراع الفردي . ونظام التمثيل النسبي، يعدّ أكثر عدالة من نظام الاكثرية وذلك بسبب امتلاكه خاصية التوزيع المتناسب للمقاعد الانتخابية مع مستويات تمثيل الاحزاب، وهو يحدّ من تدخل الكيانات السياسية في العملية الانتخابية، وذلك لأن التشريع الانتخابي يُؤمّن للكيانات المشاركة في الانتخابات إمكانية مراقبة سير العملية الانتخابية ومراقبة عمل المكاتب والمراكز الانتخابية المختلفة.

ولعل الحالة اللبنانية جديرة بالاهتمام والدراسة في هذا المضمار، كونها مشابهة الى حدٍ كبير للحالة العراقية، سيما في أوجه متعددة تتعلق بالنظام الانتخابي المتُبّع والمتضمن جوانب تلزم تضمين التعددية الطائفية والاثنية في القانون الانتخابي، وان كانت اقل وقعاً في القانون الانتخابي في العراق، تحت دواعي ضرورات التوافق التي لها ايجابياتها وسلبياتها في آن.. يشير أحد اهم الباحثين في الشان الانتخابي في لبنان، الوزير الاسبق عصام نعمان، الى انه قد نجم عن تجربة استخدام نظام التمثيل الأكثري المشروط بالتمثيل الطائفي في لبنان منذ انتخاب أول مجلس تمثيلي في عام 1922 ولغاية الوقت الحاضر، أن أدى الى تكلس النظام السياسي- ان صح التعبير - وإعادة انتخاب الطبقة الحاكمة لنفسها، وهو ما أدي الى عدم تجديد الطبقة السياسية بوضوح، وما أعقب ذلك من أزمات سياسية بعد كل انتخابات نيابية تقريباً، و الذي يدفع الى تعميق الشعور لدى الناخب اللبناني بعدم جدوى الانتخابات كآليه لتداول السلطة.

من الجدير بالذكر، لبنان تُطبق نظام الانتخاب الاكثري البسيط بحيث يُعتبر فائزاً في الانتخابات من ينال العدد الاكبر من اصوات المقترعين في الدائرة من بين المرشحين عن الطائفة ذاتها وعن القضاء ذاته او المنطقة في حدود المقاعد المخصصة لكل طائفة في هذا القضاء او المنطقة، واذا تساوت الاصوات فيفوز المرشح الاكبر سناً.

ونتيجة للتاثيرات السلبية لهذا الانظام الاكثري، فقد ظهرت العديد من الدعوات للانتقال الى نظام التمثيل النسبي – المطبق في العراق كما سبق ذكره - تحت مبررات انه يسهم على نحو أمثل في معالجة آثار الطائفية من خلال إفساح المجال أمام أي أقلية، بصرف النظر عن صفتها وتركيبتها، كي تُمثل في البرلمان بمنأى عن هيمنة الأكثرية العددية، إذ ان نظام التمثيل النسبي يُعطي الناخب هامشاً واسعاً من المرونة، ففي أجواء تتصف بتنامي العصبيات العرقية  والطائفية، يستطيع الناخب أن يقترع للائحة تتضمن مرشحين من طوائف واثنيات مختلفة وحائزة بالتالي صفة التمثيل الوطني، فتنال مجتمعة نسبة مئوية من الأصوات تحدد لها نسبتها المئوية من المقاعد، ولكن الناخب يستطيع في الوقت نفسه أن يختار من بين المرشحين في اللائحة مرشحاً واحداً ممن يرغب بالتصويت له اذا ما تم اعتماد نظام القائمة المفتوحة . هكذا يتيح التمثيل النسبي أمام الناخبين تأمين التصويت بعدالة أكثر من غيره من الانظمة.

واذا ما وجهت انتقادات لنظام التمثيل النسبي كونه يؤدي الى تشتييت وشرذمة الكيانات في البرلمان، إلا أن ذلك يمكن معالجته من خلال اتباع نسبة الحسم بالابعاد، اي وضع حد ادنى لما يجب ان تناله كل قائمة من الاصوات كي تتمكن من الحصول على مقاعد نيابية . كما هو الحال في تركيا مثلاً، نسبة الحسم 10 % وفي المانيا وبولونيا، 5 %، وفي ايطاليا والسويد، 4 %، وعدد آخر من البلدان التي تعمل بهذه الآلية.

يوفّر نظام التمثيل النسبي ميزة اضطرار القوى السياسية والاحزاب والاقليات الصغيرة الى التحالف والائتلاف مع التجمعات القريبة منها في الحجم او في التطلعات لتضمن تمثيلها في البرلمان أو للحصول على مكاسب سياسية أو اقتصادية مناسبة، سيما التي تقع ضمن مناطقها. في حين ان نظام المزج بالقوائم يؤدي الى زيادة عدد المقاعد الفردية في البرلمان على حساب تخفيض عدد المقاعد للاحزاب، وبسب النتائج اللانسبية التي يفضي اليها هذا لنظام، فانها ستؤدي إلى حد كبير في تقليل فرص اتئلاف عدد أكبر من الكيانات كونها لن تحصل على عدد كافٍ من المقاعد، بسبب ذهاب عدد كبير من الاصوات الى كيانات فردية، وهذا يقود الى تعقيد عملية تشكيل الحكومات وتكوين التحالفات، والتوصل الى اتخاذ القرارات بشكلٍ أيسر وأفضل في الهيئة التشريعية. ولعل افضل ما يضمنه نظام التمثيل النسبي هو الاستقرار من خلال استيعاب عدد أكبر من القوى السياسية في االهيئة التشريعية، فينتقل الصراع من الشارع الى مؤسسات ذات قواعد وضوابط دستورية وسياسية.

ان اعتماد نظام انتخابي جديد في العراق، عبارة عن مزيج من التصويت الفردي ضمن دوائر متعددة وبين التمثيل النسبي، سوف يؤدي الى نتائج غير تناسبية في المناطق الشاسعة، و ان النجاح في استخدامه يعتمد بشدة على الكيانات شديدة التنظيم في تسمية العدد الصحيح من المرشحين تبعاً لما يحظون به من دعم في المنطقة الانتخابية، وعلى مدى تمكّن كل حزب من الاعتماد على مؤيديه في التصويت لصالح مرشحي الحزب حتى يتسنى زيادة عدد المقاعد التي يكتسبها هذا الحزب.

وفيما يتعلق بتمثيل النساء والأقليات، فانه لا يوفّر ضمانات لتخصيص كوتا للنساء، كما لا يعطي ضمانات لتمثيل الأقليات، فيما عدا اذا ما تم اتباع اسلوب تضمين النساء ضمن قائمة التمثيل النسبي التي أُقتطعت عدد من مقاعدها الى النظام الفردي ضمن رؤية نظام التصويت بالمزج المقترح الذي نتحدث عنه . كذلك معالجته الاقليات بطريقة غير كافية من خلال "حجز بعض المقاعد" التي لا يسمح بالتنافس عليها إلا لبعض مجموعات الأقليات المحددة، أو يتم التخلي عن الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة للتأهل للأحزاب التي تمثل الأقليات. وهو بذلك يتنافى مع الاسس والمعايير التي تسعى الى تحقيقها النظم الانتخابية الرصينة في العالم، إذ تتعدد السبل الرامية لتحسين مستويات تمثيل الأقليات - وكما هو الحال بالنسبة لتمثيل المرأة- فتعمل النظم الانتخابية التي تستند إلى دوائر انتخابية ذات أحجام أكبر (أي التي تنتخب أعداد أكبر من الممثلين عن كل منها) على تحفيز الأحزاب السياسية لترشيح مزيد من المنتمين للأقليات على قوائمها، ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال حجز عدد من المقاعد لضمان تمثيل الأقليات في البرلمان، إذ يتم حجز المقاعد لمجموعات معرفّة ومحددة من الأقليات العرقية أو الدينية في بلدان تتنوع تركيبتها الاجتماعية، وقد عمل وفقا لهذا المبدأ النظام الانتخابي في العراق في انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 و مجلس النواب 2010 باعطاءه فرصة للاقليات للحصول على مقاعد محجوزة سلفاً ( المسيحيين والصابئة والشبك والايزيدية )، ولعل تحقيق ذلك يعدّ أكثر صعوبة في ظل نظام التصويت بالمزج بين القوائم.

وفي ما يتعلق بالمرأة، فقد أعطى اعتماد نظام القائمة النسبية في العراق منذ عام 2005 وتبعا لما نص عليه الدستور العراقي لعام 2005، الفرصة للمراة العراقية في الحصول على مقاعد تفوق على نسبة 25% من مقاعد البرلمان، إذ حصلت النساء على نسبة 25,3 % من المقاعد وبعدد 82 مقعداً من مجموع 325 مقعداً في البرلمان العراقي عام 2010.

تستخدم حوالي نصف الديمقراطيات نظام قائمة التمثيل النسبي، ويعود سبب ذلك أنه يحقق الكثير من أهداف النظام الانتخابي بدرجة عالية. إن بساطة النظام تعني أنه يسهل فهمه ما يساعده أن يكون شفافا،كما أنه شامل جداً حيث أنه يمثل مجموعات الأقليات إجمالاً بما يوازي نسبتها المئوية من المجتمع . أخيراً، يُنظر إلى هذا النظام على أنه عادل حيث يتم توزيع المقاعد حسب توزيع الأصوات.

ومن الجدير بالذكر، سوف يجري استخدام النظام المختلط متوازي في انتخابات المؤتمر الوطني العام في ليبيا المزمع اجراءها الشهر المقبل ضمن نظام تصويت متوازي يتضمن نظام الفائز الاول لعدد من الدوائر المفردة ونظام الصوت الواحد غير المتحول لدوائر متعددة المقاعد ونظام التمثيل النسبي لدوائر اخرى.

 

-2-

ان شرط بناء اي دولة مدنية ديمقراطية، هو باعتماد نظام عادل للانتخابات، وهناك من يرى أن لا سبيل إلى إجراء انتخابات ديمقراطية، حرة ونزيهة وعادلة، إلا باعتماد التمثيل النسبي أساساً لنظامها، سيما في المجتمعات الأهلية التعددية ذات الأقليات الدينية والإثنية والثقافية التي لا يمكن تمثيلها بعدالة إلا من خلال اعتماد النسبية كونها النظام الأمثل - كما قال مصممه جون ستيوارت مل- لضمان تمثيل الأقليات بصورة صحيحة وعادلة.

ففي النظام المتوازي لا علاقة للنظامين (التعددية/الأغلبية والنسبي) ببعضهما البعض، حيث لا يعمل النظام النسبي على تعويض الخلل في تناسب نتائج انتخابات التعددية/الأغلبية . وفي ظل النظم المتوازية يمكن أن يعطى الناخب ورقة اقتراع واحدة حيث يدلي بصوته لمرشحه المفضل وللحزب الذي يختاره، كما يمكن أن يُعطى ورقتي اقتراع منفصلتين واحدة منهما للمقعد المنتخب بموجب نظام التعددية/الأغلبية بينما تستخدم الورقة الأخرى للاقتراع لانتخاب المقاعد بموجب النظام النسبي . يتطلب نظام الانتخاب المتوازي استخدام نظامين انتخابيين مختلفين أو أكثر في نفس الوقت، مما ينتج عنه احتياجات لوجستية إضافية لتدريب موظفي الانتخابات وتوعية الناخبين حول كيفية الاقتراع.

ومن جانبٍ آخر، ففي حال شغر أحد المقاعد التمثيلية في الفترة الواقعة بين الانتخابات، يتم ملئ المقعد الخالي في ظل نظام القائمة النسبية من خلال المرشح التالي المدرج في قائمة الحزب الذي يتبع له الممثل السابق، مما يلغي الحاجة لتنظيم انتخابات تكميلية أو فرعية. أما في ظل نظم التعددية /الأغلبية فعادةً ما تنطوي على إجراءات لتنظيم انتخابات فرعية لشغل المقاعد الشاغرة في الفترات الواقعة بين الانتخابات، وهذا يعني انه في ظل نظام المزج بالقوائم، سوف تجري عملية سد الشواغر من حصة مقاعد التمثيل النسبي التي هي قليلة أصلاً نتيجة لاستقطاعات متعددة طالتها كما سبق ذكره، جميعها من حصة الاحزاب.

كما يُعد نظام التصويت بالمزج، في ما يتعلق بعملية عدّ الأصوات وفرزها معقداً، حيث يتطلب إعداد النتائج جمع الأصوات لصالح كل واحد من المرشحين من جهة وللأحزاب المشاركة من جهة أخرى، وهو ما يتطلب عدّ الأصوات وفرزها من ورقتي اقتراع مختلفتين، أو من خلال عمودين أو قائمتين ضمن ورقة اقتراع واحدة، ومن ثم ادراجها ضمن استمارات عدّ قد تتجاوز الثلاث، وهو بذلك يتطلب زيادة في عدد موظفي العد والفرز وزيادة في الوقت المخصص لانجاز هذه العلمية . وفي مركز ادخال نتائج الانتخابات، سوف تكون عملية تبويب النتائج اكثر تعقيداً وتحتاج الى مدة زمنية أطول، ما يؤدي وبشكلٍ عام الى تاخير اعلان نتائج الانتخابات .

ان تصميم النظم الانتخابية ذات الايجابية العالية والاكثر فاعلية واستدامة، تتطلب سهولة الفهم والتعامل معها من قبل الناخبين وكافة المشاركين في العملية الانتخابية، إذ يقود تعقيد النظام الانتخابي وعدم وضوح النظام الى صعوبة الفهم، وإلى نتائج غير مقبولة، فهو يتطلب مستويات عليا من التثقيف الانتخابي والتوعية قبل الانتخابات واثنائها، ولعل صعوبة الفهم وعدم الوضوح في النظام، سيقلل من نسبة المشاركة في الانتخابات، ومن ثم ينتج عنه عدم ثقة الناخبين بنتائج الانتخابات، إذ أن هناك علاقة مباشرة بين مستوى المشاركة في الانتخابات ( بمعنى نسبة الناخبين المشاركين بالاقتراع) والنظام الانتخابي المعتمد. يتميز نظام التمثيل النسبي بالقائمة النسبية بالبساطة وسهولة الفهم والتطبيق من قبل العاملين على ادارة الانتخابات وكافة المشاركين من كيانات سياسية وناخبين ومراقبين على حد السواء إذا ما قورن التصويت بالمزج بين القوائم، في حين لا تتوفر في نظام التصويت بالمزج بين القوائم هذه الميزات الايجابية.

فعلى سبيل المثال، كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2005 في ظل اعتماد نظام التمثيل النسبي بالقائمة النسبية (المغلقة )، هي الاعلى بين دول المنطقة إذ توجّه  11,888,906 مليون ناخب من أصل 15,568,702 مليون ناخب مسجل إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس النواب وبنسبة مشاركة بلغت 76.36% من إجمالي من يحق لهم الاقتراع من الناخبين، في حين اكتسبت عملية انتخابات مجلس النواب 2010 التي جرت باعتماد نظام التمثيل النسبي بالقائمة النسبية (المفتوحة المحددة )، مشاركة واسعة في المحافظات التي التي لم تكن لديها مشاركة في انتخابات 2005 بسبب الظروف الأمنيه المتردية آنذاك، إذ بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات في عموم العراق % 63.03 . من بين حوالي 19,240,093 ناخب، أدلى 11,888,906 باصواتهم في ثمانية عشر محافظة .

يلعب عدد الممثلين المرشحين عن كل دائرة انتخابية في ظل أي من نظم الانتخاب النسبية، دوراً أساسياً في تحديد مدى نسبية نتائج الانتخاب، إذ تحقق النظم التي تستند إلى دوائر انتخابية كبيرة الحجم ( من حيث عدد الممثلين المرشحين عن كل منها) أعلى مستويات النسبية، حيث أنها تضمن بذلك حصول أصغر الأحزاب على تمثيل ما في الهيئة التشريعية المنتخبة (البرلمان). أما في ظل وجود الدوائر الصغيرة فيكون تأثير نسبة الحسم أكبر بكثير،ولن تسنح الفرصة للحصول على أي من مقاعد الدائرة، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى اعتبار تلك الأصوات على أنها أصوات ضائعة أو مهدورة، إذ ينتج عن نظام التمثيل النسبي انحسار في أعداد الأصوات الضائعة أو المهدورة، فعندما تنخفض نسبة الحسم تفضي كافة الأصوات تقريباً إلى انتخاب مرشح ما، وهو ما يزيد من قناعة الناخب بالفائدة من المشاركة في العملية الانتخابية والتوجه إلى مراكز الاقتراع، حيث تزداد القناعة لدى الناخبين بأن لأصواتهم تأثير حقيقي من شأنه أن يحدث تغييراً فعلياً في نتائج الانتخاب، مهما كان ذلك التغيير متواضعاً. فعلى سبيل المثال، استخدمت جنوب أفريقيا نظاماً انتخابياً نسبياً في انتخابات العام 2004، حيث فاز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ANC بنسبة 69,69 بالمئة من الأصوات، وحصل بذلك على ما نسبته 69,75 بالمئة من مقاعد البرلمان . وعليه، فلقد كان النظام الانتخابي المستخدم تناسبياً للغاية ولم يتجاوز عدد الأصوات الضائعة تلك الأصوات المعطاة للأحزاب المشاركة في الانتخابات والتي لم تفض للفوز بأية مقاعد ما نسبته 0,74 بالمئة فقط من المجموع الكلي للأصوات. في حين لا يوفر نظام التصويت بالمزج بين القوائم، هذه الميزة، بل يُنتقد هذا النظام بانه يعمل على ضياع الاصوات وهدرها أكثر من غيره من النظم.

وبشأن التصويت عن بعد المعمول به في العديد من البلدان، بما فيها الديمقراطيات الناشئة والراسخة، وذلك في محاولة لرفع مستويات المشاركة، وقد يتم التصويت عن بعد من خلال الاقتراع شخصياً في موقع يختلف عن مركز الاقتراع الذي يتبع له الناخب، أو في موعد يختلف عن موعد الانتخابات. يسهل تطبيق التصويت عن بعد في ظل نظام القائمة النسبية المستند إلى قوائم وطنية حيث يتم ترشيح قائمة واحدة عن كل حزب، بينما يصبح بالغ التعقيد في ظل نظام يستند إلى دوائر انتخابية أحادية التمثيل أو صغيرة.

اعتمد التصويت في الخارج في الانتخابات العراقية عامي 2005 و 2010 بنجاح في ظل نظام القائمة النسبية، إذ أدلى 204716 ناخباً بأصواتهم من بين 299388 ناخب مسجلين في برنامج انتخابات الخارج لتوزيع المقاعد الوطنية، أي بنسبة68% من المجموع الكلي للناخبين المسجلين لانتخابات الخارج . أما بالنسبة للتصويت في الخارج في انتخابات مجلس النواب 2010 فقد أدلى 249,832 ناخباً باصواتهم من اصل قرابة 1,3 مليون ناخب مؤهل للانتخابات في ستة عشر بلداً.

كما يمكّن نظام التمثيل النسبي بالقائمة النسبية المهجرين والنازحين من المشاركة في الانتخابات سيما في حالات ما بعد الصراع بشكلٍ أفضل من بقية النظم الانتخابية. إذ نجد مشاركة فاعلة للمهجرين والنازحين في العراق في انتخابات عامي 2009 و 2010 الذين بلغ عددهم اكثر من مليون شخص بحسب احصائيات وزارة الهجرة والمهجرين .

خلاصة القول، ان نظام التمثيل النسبي يمتاز بانه لا يؤدي الى ذات النتائج التي تفرزها نظم الاغلبية ما يجعله ينتج هيئات تشريعية ذات تمثيل افضل، إذ ان اغلب البلدان التي تدور فيها صراعات داخلية و انقسامات اجتماعية تكون مسألة مشاركة أكبر عدد ممكن من المكونات والاقليات، وتمثيل النساء ضرورة لا مناص منها من اجل تحقيق التعايش السلمي بغية تدعيم النظام الديمقراطي بشكل عام، وهو لا يمكن تحقيقه إلا من خلال نظام الانتخابي أكثر تناسبية لكي تمنح فرصة لاحزاب الاقلية من أجل تمثيل أفضل. يعمل هذا نظام التمثيل النسبي على إشراك أكبر عدد ممكن من المجموعات في السلطة التشريعية، كما يوفّر فرصة أكبر لاتخاذ القرارت الهامة أمام مرأى الجميع، وبما يحقق متطلبات شرائح أوسع من المجتمع . إذ يسهم هذا النظام قي ترسيخ مبدأ الشراكة في الحكم بين الأحزاب والمجموعات ذات الاهتمامات المختلفة،ولعل المجتمع العراقي لا يمكنه تحقيق التعايش السلمي دون اشراك كافة المكونات بما فيها الاقليات في السلطة التشريعية وفي شؤون ادارة الدولة.

ما تتطلبه مسألة اصلاح النظام الانتخابي في المستقبل القريب، هو الابقاء على نظام التمثيل النسبي بالقائمة النسبية المفتوحة المحددة - كخطوة أولى في هذه المرحلة - مع الانتقال الى العمل بدوائر انتخابية على مستويات ادنى من المحافظة، لضمان تمثيل المرشحين لكل ناحية وقضاء، إذ تخلو العديد من هذه الوحدات الادارية حالياً من امتلاك ممثلين لها في الحكومات المحلية، كون الفائزين في الانتخابات تمركزوا في اقضية ونواحي معينة بعدد أكبر – وان لم يزد عدد سكانها عن عدد سكان تلك التي لم تحصل على ممثلين لها- وذلك بسبب طبيعة النظام الانتخابي الحالي المعتمد على المحافظة كدائرة انتخابية . ولعل ذلك يصعب تحقيقه حالياً ما لم تكتمل عملية التعداد السكاني، تتوفر بعدها بيانات ومعطيات كافية لمفوضية الانتخابات العراقية عن الوحدات الادارية والحدود الفاصلة بينها واعداد السكان في كل منها، لكي تعمل على اعتماد الناحية كوحدة ادارية اصغر في الانتخابات، أو اعطاء الصلاحية لمفوضية الانتخابات باعتماد الوحدات الادارية التي لديها وفقاً لتوزيع مراكز التموين في وزارة التجارة طالما تعتمد المفوضية على قاعدة بيانات البطاقة التموينية منذ تاسيسها عام 2004، وبعد ان يجري تعديل القانون الانتخابي المتضمن ماهية النظام الانتخابي للعملية الانتخابية . 


 متخصص في شؤون الانتخابات

في المثقف اليوم