قضايا وآراء

عن الصحفيين العراقيين ويومهم / جاسم العايف

من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحالفة معها، من اخطر المناطق التي تواجه العمل الصحفي والإعلامي وكان هذا التشخيص من قبل منظمات دولية محايدة معنية بالشأن الصحفي والإعلامي إذ تم  توثيق قتل أكثر من 315  صحفياً وإعلامياً عراقياً، و25 أجنبياً، قتل بعضهم  على أيدي مسلحين أو مليشيات  وقسم منهم  خلال تواجدهم في أماكن وقعت فيها انفجارات إرهابية وآخرين بنيران القوات متعددة الجنسيات أو بنيران القوات العراقية و تم اعتقال أكثر من 68  صحفياً و اختطاف 58 عراقياً وأجنبياً وتم الإفراج عن بعض المختطفين الأجانب بموجب فدية مالية دفعتها دولهم عبر وساطات محلية. أما الصحفيون العراقيون الذين تم اختطافهم على أيدي مجهولين مسلحين فقد تعرضوا للتعذيب بقسوة ووحشية وأصيب بعضهم بعاهات دائمة قبل الإفراج عنهم، ولا يزال بعضهم مجهول المصير و فقدت عوائلهم أي اثر لهم، وتبخروا كأنهم لم يكونوا قد وجدوا قط في الحياة وعلى الأرض العراقية بالذات .عام 1869 وفي 15 حزيران منه صدرت (زوراء) في بغداد وهي أول صحيفة عراقية تصدر باللغة العربية، بعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف في حكم العراق ومن قبل دولة السلطنة العثمانية والمتلفعة برداء الدين الإسلامي، ذلك الحكم الفاسد الجائر، والذي حاول أن يحرم حتى النطق باللغة العربية، مع إنها لغة (القرآن) الكريم وعده جريمة كبرى تستحق أشد العقاب.  تم اعتبار ذلك التاريخ  منذ أوائل سبعينيات القرن المنصرم، يوماً للصحافة وللصحفيين في العراق. واستعادته في هذه المرحلة يدفعنا لاستذكار عالم المسؤولية في إظهار الحقائق والوقائع أمام الرأي العام وتبصيره بما حدث، للعراق ولماذا وكيف يمكن معالجته. ومحاولة المساهمة في صياغة توجهاته والتخلص بهذا الشكل أو ذاك من أزماته. يكتسب هذا التاريخ أهميته الكبيرة في الظروف التي نعيشها، فبعد سقوط النظام انفتح الفضاء واسعا أمام العراقي لما يبدد عزلته وخنقه عبر الخطاب الأيدلوجي الأحادي الذي لا حقيقة سواه، ولا مكان في المجتمع العراقي إلا لحزبه الأوحد فقط. لعبت الصحافة الوطنية في العراق سرية أو علنية دوراً مشهودا في المسيرة الوطنية العراقية وحاول الحكام الذين تعاقبوا على العراق لجم الصحافة والصحفيين بوسائل قهرية شتى، وإحالة بعضهم للمحاكم والسجن والحجز القسري وإسقاط الجنسية، ولقد قدم بعض الصحفيين العراقيين بمختلف توجهاتهم الاجتماعية - الفكرية التضحيات وتحملوا أنواع المعاناة والاضطهاد والفصل والسجن والتشرد والبطالة وثمة أمثلة دالة على نصاعة الموقف النضالي الوطني لبعض الصحفيين العراقيين وانحيازهم إلى جانب شعبهم ووطنهم و دفعوا لذلك أثماناً قل نظيرها في أمكنة أخرى فغصت السجون بألمع الأسماء الصحفية في العراق وتعرض بعضهم غدراً لأشد أنواع التعذيب وقسم منهم اختفى دون معرفة مصيره، ومنهم من ارتقى المشانق شهداء لقاء قناعاته بقضيته العادلة ومن اجل تبديد المظالم التي تقع على كل العراقيين دون تمييز. إن السجل التاريخي للصحافة في العراق- خاصة- ذلك السجل المرتبط بالقضية الوطنية الديمقراطية العراقية دون تكريس لهوية و منطقة و طائفة و قومية وعشيرة لامعاً وباعثاً على الفخار. وبعد انفتاح الساحة العراقية على أطياف ومشاهد صحفية إعلامية لا يمكن حصرها تتكرر المأساة ثانية بطريقة همجية تجاه بعض الصحفيين والإعلاميين في محاولة لشراء ذممهم أو دفعهم للنكوص والتردد أو عزلهم عن شعبهم العراقي وهو يخوض معركته من اجل الانبثاق الجديد ورسم ملامح المستقبل الذي يجب ان يصبح عليه العراق وشعبه.وفي حالة عدم استجابتهم فلا شيء سوى الابتزاز والاختطاف والقتل بدم بارد بوحشية لا شبيه لها. كل ذلك جرى للصحفيين والإعلاميين في العراق وهم يحاولون نقل الواقع والأحداث في بلد أصبح تحت مجهر العالم كله عقب زلزال 9 /نيسان 2003 حيث ترك العراق بكامله نهبا لكل من هب ودب وتركت بنيته التحتية عرضة للتخريب والسرقة ولم يسلم جراء ذلك كل شيء، وأعقب تلك الكارثة الوطنية قرارات غير صائبة لازال العراقيون يدفعون أثمانها دون مبررات مقنعة، وكان يمكن تفاديها بوسائل أخر وبطرائق أكثر فعالية وشرعية وإنسانية وعدالة. أن كل ذلك الذي جرى للصحفيين والإعلاميين ومما لم يكشف عنه من وسائل التهديد والترغيب والتخويف و الإغراءات لم تقلل في عضد بعضهم وجهودهم لاستكشاف الوقائع اليومية وما يحيط بها من مشاهد مرعبة دموية لا شبيه لها في تاريخنا المعاصر لتمزيق العراق والنيل من نسيجه الاجتماعي تحقيقاً لمآرب ومطامع ومخططات دولية- إقليمية لا شأن للعراق وللعراقيين بها. يواجه بعض المسئولين الجدد العمل الصحفي والإعلامي الذي لا ينسجم وتوجهاتهم بشكوك دائمة ويصبح الصحفي محاطاً بسوء النوايا جراء عمله الحر وبحثه الدائب عن الحقيقة التي غالبا ما تختفي خلف مطامع تخضع للسرية والكتمان والتحفظ. في يوم الصحافة في العراق، ومع صدور (قانون حماية الصحفيين) وإقراره من قبل البرلمان  فثمة تحفظات  كثيرة مثارة حوله والطعن به، كونه قد مرر بضغط السلطة التنفيذية ويرى بعض فقهاء  القوانيين في أن "قانون حماية الصحفيين" الحالي يحتوي على خرق  واضح للدستور العراقي ذاته ، خاصة ما جاء في  المواد الدستورية( 13،14، 38،46 ) كما و يتنافى مع  التزامات  العراق  الدولية  الخاصة  بحقوق  الأنسان والحقوق المدنية  والحريات الشخصية والموقع عليها من قبل  الدولة العراقية بالذات، و يذهب مَنْ يعارض (قانون حماية الصحفيين) الحالي، إلى أنه يتعارض مع التزامات العراق الدولية ويفرض  قيوداُ على حرية الصحافة والجهات الإعلامية  الحرة المستقلة التي انبثقت بفعالية  منذ سقوط النظام البعثي  وخطابه الأحادي  وذلك من خلال العودة إلى  جميع القوانين الموروثة من النظام  الفاشي السابق وهذه الرؤى والتفسيرات تأتي من جهات صحفية عراقية متعددة باعتبار( قانون حماية الصحفيين) لا يفي بما هو مطلوب، إذ تقدم  حوالي (700 ) إعلامي وصحفي  وناشط مدني دعمهم وتأيدهم  للطعن فيه أمام (المحكمة الاتحادية العراقية)لكننا نعتقد، بواقعية راهنة، أن صدوره حالياً هو أفضل من عدمه، إذ يمكن تعديله عبر البرلمان بالذات وبالاستناد لقرار المحكمة الاتحادية، وهي قرارات ملزمة لكل السلطات في العراق ولا يمكن تجاهلها نهائيا خاصة بعد اكتسبها الدرجة القطعية حول تعديل بعض فقرات القانون مثار الخلاف أعلاه . ومع نفاد"قانون حماية الصحفيين"، حالياً، لكن كثير من الجهات عملت على عدم الالتزام  به وفي مقدمتها  الأجهزة الأمنية  والعسكرية الحكومية  وحمايات المسؤولين الحكوميين وبعض النواب بالذات، و على البرلمان والجهات ذات العلاقة القيام بواجبها القانوني والإجرائي للوقوف بوجه الانتهاكات الوحشية التي جرت ولا زالت تجري بعد صدوره تجاه بعض الصحفيين العراقيين،خاصة الشباب منهم، ووضع حد لعمليات الاعتداء  المبيت  والتحفظ والاعتقالات المتكررة عليهم  خارج  القانون ذاته والشواهد والأمثلة كثيرة ومتنوعة، وهي متواصلة بشكل دائمٍ وكثيرة جداً، كذلك مواصلة القتل والاختطاف والابتزاز والتهديدات  التي تنالهم  جراء عملهم ومواقفهم من اجل التوصل للمعلومة وكشفها بحرية وصدق وأمانة أمام الرأي العام العراقي خدمة لوطنهم وشعبهم. ومع كل الخسائر التي وقعت على المكون الصحفي والإعلامي في العراق ومع كل ألأذى المتوقع ومع كل ما جرى وما سيجري فلا يمكن للصمت الإعلامي والصحفي أن يكون سيد الموقف راهناً، لأن العراق ووحدته وتطوره ورفاه شعبه أثمن ما يمكن الحفاظ عليه في زمن بات بعض اللاعبين الدوليين والإقليمين، ومَنْ ينوب عنهم في الساحة العراقية والرسمية بالذات، يحاولَ أن يدفع بالعراق والعراقيين نحو مستقبل مجهول مرعب.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2153 السبت 16/ 06 / 2012)

 

في المثقف اليوم