قضايا وآراء

الدين والسياسة .. الإسلام السياسي في ميزان العصر (2)

إن حالة الشرذمة الطبقية وركود الحراك الاجتماعي واستحالة نهوض طبقة اجتماعية مجددة ومنتجة الذي خلقته العولمة الرأسمالية المتوحشة أدى إلى تأسين المجتمعات التابعة مما أدى إلى بعث الحياة في المتحجرات والدينصورات وزحف الطحالب ذات اللون الاخضرالسائب قاتلا أي إمكانية لتفتح الزهور الملونة العطرة رمز التفتح والنماء والتفاؤل.

ومثل هذا الوضع إنما هو وسطا ملائما للغاية لهيمنة الأفكار الدينية وعاملا مشجعا لتسيس الدين من اجل إعادة بناء الجنة الموؤدة والظفر بالجنة الموعودة.

 

 الدولة والدين:

إن هيمنة الدين على الدولة وهو الهدف المطلوب من تسييس الدين أي دين كان إنما يسعى لقيام دولة ذات نظام تولتا ري شمولي فدبرت نظام استبدادي ديكتاتوري وهنا يحاول الإنسان إن يفلت من النمر ليسقط في عرين الأسد.

 فالدولة ممكن إن ترعى كافة الأديان والعقائد وتتمثل في قوانينها وتشريعاتها وطريقة حكمها القيم السامية والنبيلة لجوهر الأديان ولكنها حتما ستسقط في شباك التولتارية والشمولية والاستبداد إن هي حملة اسم أيا من الأديان أو مذهبا من المذاهب ليكون دينها الرسمي. وان ما يحدث في بعض البلدان التي أعلنت أنها جمهوريات بمسميات دينية ونصب رموزها أنفسهم ولاة على العباد والبلاد بمختلف أديانهم وقومياتهم وتوجهاتهم إنما قاموا بتوسيع ثقب أوزون القيم الدينية فتمرد الناس على حكمهم بعد إن كشفت عورة ولاة الأمر وظهر مقدار حبهم للكراسي والدنيا الزائلة كما يقولون!! ولنا بما حدث ويحدث في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثالا معاصرا لما نقول وكما ذكر السيد القبنجي واصفا ما وصل إليه حال الشعب الإيراني قائلا (إن الإحصاءات التي تتقدم بها دائرة الإحصاء في الجمهورية الإسلامية بين الحين والآخر تشير إلى حقائق مذهلة عن زيادة الجريمة والجنوح وتفكك الأسرة والانحطاط الأخلاقي بنسب عالية، فقبل أيام ذكر التلفزيون الإيراني إن إيران أصبحت تحتل المرتبة الرابعة في العالم في معدل ألطلاق بعد أمريكا والسويد ومصر، إما القتل والجريمة فيزداد سنويا بمعدل 20% وهكذا الحال في نسبة المدمنين على المخدرات (ثلاثة ملايين مدمن) ونسبة العطالة (2 مليون عاطل) ونسبة الانتحار وبخاصة الفتيات (300 حالة سنويا في طهران وحدها) والبغاء (30 ألف مومس في طهران فقط) والحبل على الجرار كما يقولون)(11) .

ومن كل ما تقدم يرى العديد من حكماء ومتنوري الإسلام بضرورة رفع هيمنة الدين عن الدولة ورفع هيمنة الدولة على الدين مما يعتبر إساءة وتدخل في مهام ومجال عمل الآخر، ومن هؤلاء نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وسيد ألقمني وأياد جمال الدين واحمد القبنجي وضياء الشكرجي وسروش وشريعتي بلا ضافة إلى جمع العلمانيين واللبراليين واليساريين وغيرهم.

وهنا نرى خطل أو عدم دقة مقولة عزل الدين عن الدولة باعتبار إن الدين مبادئ وقيم أخلاقية سامية لا يمكن إن تتجرد منها مؤسسات الدولة وإلا أصبحت دساتيرها وقوانينها بلا روح وبلا سند ثقافي للشعب المحكوم .ولكن إذا كانت السماء يسكنها الملائكة المجردين، فان الأرض يقطنها البشر اللذين يحملون مختلف الغرائز والطبائع كالجوع والشبع والفرح والحزن وحب التملك والسطوة والتسلط و الجنس وما إليه، وإذا كان الزمان والمكان ثابت غير متغير في السماء فان زمان ومكان وظروف البشر واحتياجاته متغير متبدلة متغيرة على الدوام، مما يستدعي إن تكون القوانين والدساتير التي تنظم حياتهم متغيرة متبدلة بشكل مستمر، وما يدعم هذا القول وجود الناسخ والمنسوخ في آيات وسور القرآن الكريم في فترة وجيزة امتدت طوال فترة حياة الرسول الكريم باعتباره المتلقي الوحيد للوحي، ولكنه بالتأكيد يجب إن يكون الأمر عبرة للإنسان والتكيف مع مستجدات الحياة وإلا لكان الله قد انزل القرآن على الرسول دفعة واحدة لا تقبل التغيير والتبديل ومن يطلع على أسباب النزول والناسخ والمنسوخ من آيات القران وتسلسلها التاريخي حسب أوقات نزولها والغرض من نزولها بالإضافة إلى أحاديث الرسول (ص) الموثوقة لوجد إن الوحي كان بين الناس لا يفارقهم يتلمس حاجاتهم وإمكانياتهم وأمنياتهم وكما قال السيوطي (لمعرفة أسباب النزول فوائد، واخطأ من قال لا فائدة لجريانه مجرى التاريخ. ومن فوائده الوقوف على المعنى أو إزالة الإشكال)(12) .، فعلى الإنسان المسلم أن لا يكون من (الرويبضة- قالوا: هو الرجل التافه الحقير في أمور العامة)(13) وان الرويبضة هو ن يتنكر لنوعية العصر الذي يعيش، ويبحث عن أجوبة محددة لأسئلة في عصر سابق!! .

) الإسلام الدين والعبادات والفروض المعروفة فكل ما عداه قابل للتغير والتدبير والتجديد بما يلاءم حياة الإنسان وتجددها ومسبوق السيد القبنجي ( القضايا التي يدركها الإنسان بالعلم الحضوري كالجوع والعطش والحزن وألم، فلا معنى لان يقال بان الله تعالى اعلم من الإنسان بهذه القضايا، لأنه لا معنى للقول بان الله تعالى يعلم بحزني وجوعي أكثر مني، أو يعلم بشدة عطشي للماء أكثر مني !!!)(14)

ومن الصعوبة بمكان إن يستوعب الإنسان المعاصر وهي يعيش ألاف المتغيرات الثقافية والسياسية والعلمية والاجتماعية والمدى الغير مسبوق الذي وصل إليه واقع الاتصال والتواصل بين مختلف شعوب الأرض وحضاراتها المختلفة فيأتي من يقول :-

(إن الإسلام جاء بكل ما يحتاجه البشر من قوانين وتشريعات فلا يحتاج بعدها إلى أعمال عقله وأتعاب ذهنه في خلق تشريعات جديدة للموضوعات الجديدة)(15) .

 

الإسلام والديمقراطية:

يتحدث الكثير من المفكرين والكتاب عن الديمقراطية في الإسلام سواء ببعدها السياسي أو بعدها الاجتماعي، ولكننا لا نرى ذلك ليس بالنسبة للدين الإسلامي فقط ولكن بالنسبة لكل الأديان، وان كان هناك حيز من الديمقراطية وقبول الرأي المختلف فإنما هي ديمقراطية داخل الدين الواحد أو المذهب الواحد وليست ديمقراطية شاملة، ويجب الفصل بين الديمقراطية السياسية ومفهوم إمكانية تعايش مختلف الديانات والمذاهب والعقائد ولكن خارج السلطة السياسية فمن الممكن إن يتعايش القس والإمام والحاخام والكاهن في مجتمع واحد وفي ظل دولة واحدة ولكن من الاستحالة بمكان إن يجلسا على كرسي حكم واحد إلا أن يتخلى كل منهم عن صفته الدينية أثناء ممارسته للحكم أو جلوسه على كرسي السلطة وهذا هو ما تطالب به القوى العلمانية بعكس ما يشاع عنها في سعيها لنبذ الدين والقضاء عليه.(ففي كل حركة إسلامية فان مكان الجبهة هو الطليعة ودورها الأساس وفي مواجهة الأعداء لجأت الثورة الإسلامية للحسم والإرهاب –نعم الإرهاب)(16).

ويرى حزب التحرير في الأردن أن الحزب (يعمل لتطبيق الإسلام كاملا في جميع أحكامه عبادات كان أم معاملات..كما لا يجوز تطبيقها بالتدريج لأننا ملزمون بجميعها، ويجب أن يكون تطبيقها كاملا ودفعة واحدة..وحين يكون الواقع مناقضا للإسلام فانه لا يجوز تأويل الإسلام حتى يتفق مع الواقع لان ذلك تحريف الإسلام)(17) .

وإذا أمكن إن تقبل بعض الأنظمة الدينية الديمقراطية السياسية والتعددية في الحياة العامة فلا يمكن إن تتقبل بروح رحبة ونفس راضية الديمقراطية اللبرالية وحرية الفرد في ممارسة حياته الخاصة وخياراته وأفكاره بحرية تامة حتى وان كان من أتباع دين ومذهب آخر ناهيك إن يكون ملحدا لا يؤمن بالله.

فمبدأ الشورى مثلا هو ممارسة حرية إبداء الرأي داخل نخبة من الدين الواحد وليس بين أديان مختلفة وقد لمسنا ممارسات الإقصاء والمفاضلة حتى بين أتباع الدين الواحد أنفسهم فالمهاجرون غير الأنصار كذلك تم حصر الخلافة والحكم بقريش دون غيرهم من قبائل العرب الأخرى ، وقد طغى صراع دام وضاري بين أفخاذ قريش نفسها بين من هو الأحق في تولي الخلافة والحكم بين بني هاشم وبني أمية وبني العباس والذي لازلنا نعاني من نتائجه وإفرازاته لحين التاريخ.

وليس غائبا عنا الصراع الدامي والمرير بين مختلف مذاهب المسيحية نفسه بين الكاثوليك والارثودكس وبينهما وبين الأديان الأخرى ولا زالت الحروب الصليبية تملا كتب التاريخ بصور العنف والدموية والوحشية، واغلبنا نتحدث بفخر وكبرياء عن (فتوحات) الدولة الأموية والعباسية والفاطمية رغم إننا نقرا (لا أكراه في الدين) وكانت جيوشنا تجلب ألاف النساء الأسرى ليقتسمها القادة والجند بعد إن يتم فرز حصة (الخليفة) الذي يحظى طبعا بحصة الأسد حتى امتلك بعضهم ألاف الجواري الحسان والولدان والغلمان كغنائم من البلدان (المفتوحة) بقوة السلاح !!!

يروي ابن كثير إن معاويه خطب الناس في الكوفة فكان مما قال (ما قاتلتكم لتصوموا ولتصلوا أو لتزكوا، قد عرفت إنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتآمر عليكم فقد أعطاني الله ذلك وانتم كارهون )(25) .

فعن أي ديمقراطية يتحدث المتحدثون سواء في الماضي أو الحاضر.

أي ديمقراطية وعدالة هذه أن يأتي أحدهم إلى الدنيا سيدا بينما يولد الآخر عبدا وكيف ينسجم هذا مع مقولة الناس يولدون أحرارا؟؟!!

فالديمقراطية اللبرالية ألحقه إن تكون لك حرية الاعتقاد والتعبد وممارسة الشعائر كما تشاء ولا كن ليس لك إن تتحدى أو تتجاوز الدستور الديمقراطي عند مزاولتك للحكم تحكم بنص الدستور والقانون الوضعي في الحكم وتتعبد وتتصرف حسب دينك ومعتقدك في شأنك الخاص.

فليس للاصولين الأمثلة بشكل صلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وما شابه وكما يقول طيب تزيني:-

( ضرورة التمييز بين مستويين اثنين مما يطلق عليه راهنا (الأصولية الإسلامية) الراهنة هما (الأصولية الاجتماعية) و(الأصولية السياسية المسيسة)، أما الأولى منهما فتتمثل بجمهور هائل متعاظم من مواطني المجتمع العربي المسلمين الخاضعين... من عسف وإفقار وتهميش وإذلال، أو بعبارة مكثفة-لافتقاد للخبز والكرامة والحرية والثقافة، في حين تتمثل الثانية (الأصولية السياسية المسيسة) بالنخب السياسية الإسلامية التي تتعاظم الأدلة والقرائن على إنها- على الأقل في معظمها- ضالعة في إنتاج تلك الايدولوجية الظلامية وفي قيادة الممارسات الإرهابية الظلامية مع شطائر من النظم السياسية العربة ذاتها، باتجاه المحافظة على التأزم والاضطراب والإرهاب ومصادرة أراء الآخرين في خارج الحبة)(18) .

وستذكر بعضا من الأمثلة بشكل مختصر تمثل نموذج لما ذكر تزيني في أعلاه:-

( بتقديمه الشيخ محمد بن محمد الفزازي(من المغرب) في حوار بث من القناة التلفازية المدعوة ب(الجزيرة)، في الثالث من آذار ن هذا العام 1998م. لقد قال الرجل بوثوقية تامة (القوانين الوضعية تحت أحذيتنا) وأعلن بصيغة تجعل من الإسلام دين وصاية على الآخرين، قتل وإرهاب واستعداء ومصادرة لحريات البشر (حرية الاعتقاد نوع من الردة على الدين)، ومن ثم (رحم الله الذي قتل فرج فوده وحسين مروه) وأخيرا يجيب على السؤال التالي (كيف تقف هنا على هذا النبر وتدعو إلى القتل) قائلا(هكذا يريد الله)(19).

ولا نعرف كيف يمكن أن يستقيم هذا القول مع قول وحديث عبدا لله ابن عباس الذي قال عنه رسول الله(ص)هو (حبر هذه الأمة) انه قال(إن الله لا يعذب على الشرك وإنما يعذب على الظلم) هذه روح القران كما فهمها من تخرجوا في مدرسة النبوة مباشرة- كما يقول سيد ألقمني ويتساءل قائلا:-

أليس عدم المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق ظلما؟؟

أليس عدم المساواة بين المرأة والرجل في الميراث اليوم ظلما؟؟

أليس عدم المساواة بين غير المسلم والمسلم اليوم ظلما؟؟

أليس العمليات الانتحارية ضد المدنيين المسالمين ظلما؟؟

(20)

 ويمكننا إن نضيف قائمة طويلة من التساؤلات والمظالم دون أن نحصي عدد الممنوعات والمحرمات التي تبلغ كثرتها وتنوعا بكثرة ونوع وتعدد المجتهدين وأهل الفتوى.

 

 وأد حرية الفكر والتفكير العقلاني التنويري:

باختصار شديد نشير إلى الحركة الاعتزالية التي وضعت العقل في المقدمة عند تفسير النصوص والأحكام والروايات فما كان منسجما مع التفكير العقلاني الحر مقبول ومالا يكن يعتبر مرفوضا وهي حركة سبقت حركة التنوير في أوربا ولكن الفرق هنا إن لا وجود لحامل اجتماعي للفكر العقلاني(ألمعتزلي) بسبب من تكلس وركود الحراك الطبقي في الدول الإسلامية بسبب كون الدولة الإسلامية هي المالكة للأرض ومعتمدة على الخراج كدولة ريعية، فالاعتزال جاء بالدرجة الأولى متأثرا بالفلسفة اليونانية المترجمة، وبذلك هي أشبه ما تكون بالسلعة المستوردة وقد راقت للخليفة السلطان في بداية الأمر فأصبحت منهج وفلسفة الحكم مما أسرع في موتها وسقوطها قبل أن تثبت جذورها في ارض الإسلام وهكذا كان مصير ما بعدها سواء من قبل الكواكبي أو محمد عبده أو صاحب المشروطة أو من تأثر بهم في عصرنا الحاضر كما أسلفنا مثل احد القبنجي أو ضياء الشكرجي وأياد جمال الدين وغيرهم بسبب واقع الميوعة الطبقية وهيمنة الفئات الطفيلية الغير منتجة والتابعة في البلاد ووهن إن لم نقل شلل الطبقة البرجوازية المنتجة بسبب القطع الذي سببه الاستعمار الخارجي واكتشاف الثروة النفطية مما أعاد الدولة العراقية إلى مسيرتها الأولى كدولة تعتمد على ريع النفط بنسبة تزيد على ال90%. مما يجعل الآفاق شبه مغلقة إما حركات التغيير والعقلنة في مثل هذه البلدان وان (إمكانية بروز آفاق مفتوحة وجديدة أمام إنتاج قراءة إسلامية معاصرة تستجيب لمقتضيات العصر وتحدياته، يد إن هذا مشروط بأمرين اثنين واسمين –كما يذكر طيب تزيني-:-

أولهما يتمثل بوجود أو بولادة حامل اجتماعي بشري يحفز على ذلك مما يعني إننا هنا أمام شرطية تحول اجتماعي فئوي وطبقي يحتضن الولادة الجديدة العسيرة ويحمي صيرورتها واحتمالاتها.

أما ثانيهما فيقوم على عملية تكوين اطر عميقة وواسعة من العلماء والباحثين والمفكرين القادرين على إنتاج مثل تلك (القراءة الإسلامية) يدا بيد مع جماهير الأمة العريضة وتعميمها في أوساطها على نحو يجعل من هذه الأمة مشاركا في ذلك بعيدة عن أية نخبوية)(21).

 

الاسلام السياسي في ميزان العصر:

وفي الختام لو عدنا إلى أصل عنوان موضوعنا إلا وهو الإسلام السياسي وميزان العصر لتطلب منا الأمر أن يكون لنا اطلاع وإلمام بمختلف أطياف و الإسلام السياسي الفاعل حاليا على الساحة السياسية والذي بالتأكيد سنجد مستويات مختلفة من حيث التشدد والاعتدال وحسب الظرف والبلد والمذهب أو الطائفة التي ينتمي لها هذا الحزب أو التيار السياسي الإسلامي والأمر الثاني يفترض بنا أن نلقي الضوء ونفهم ماهي سمة العصر لنتعرف على الأوزان ووحدات القياس والوزن التي يستعملها ويوزن بها هذا الميزان مختلف المواقف والأفكار والمناهج والسلوكيات والقوانين المطلوب منه وزنها وإذا عرف هذا العصر بكونه عصر الديمقراطية بمفهومها السياسي واللبرالي ووضع حرية الفرد في مقدمة اهتماماته، وبناءا على هذا لو وضعنا (الإسلام السياسي) في كفة الميزان ووضعنا في الكفة الأخرى الديمقراطية السياسية، الديمقراطية اللبرالية، حقوق الإنسان والحرية الفردية، الإيمان بالتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، الموقف من المرأة، الموقف من الأديان والطوائف الأخرى، حرية الفكر والعقيدة والنشر والعمل، الحداثة وما بعد الحداثة...الخ.

لخرجنا بنتيجة غير ايجابية على وجه الإجمال حينما نزنها بوحدات موازين العصر من معاني ودلالات للمفاهيم والممارسات والمواقف التي وضعت في الكفة الثانية من ميزان العصر مقابل كفة الإسلام السياسي كأحزاب وتنظيمات دينية وإسلامية سياسية والاستثناء هو وجود متدينين إسلاميين إفراد مهتمين بأمور السياسة سيحصلون على درجات ايجابية ممتازة لو وضعوا في كفة الميزان الثانية. وكما ذكر سيد ألقمني ملخصا الممارسات المشتركة مع أحزاب الإسلام السياسي قائلا:-

(المشترك بين الجميع حديثهم عن الديمقراطية السياسية "حرية صندوق الانتخاب" دون جوانب الديمقراطية التأسيسية ودونها لا ديمقراطية اقصد الجانب الحقوقي الذي يؤسس حقوق الاختلاف وحقوق المرأة وحقوق الأقليات وحق الاعتقاد الحر وإطلاق حق تشريع البشر لأنفسهم بما يناسب مصالحهم ومعطيات واقعهم.وكلها حقوق مرفوضة من جميع التيارات الإسلامية بدون استثناء ولأاعتقد الأمر سوى مناورة أذكى في منهجها من لغة القنابل والرصاص، بغرض الوصول إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات وبعدها يكون لكل مقام مقال)(22) .

وكأننا نستحضر قصة عبد الملك بن مروان الملقب بحمامة المسجد لطول مكوثه بالمسجد وكثرة تلاوته وتهدجه ليل نهار بآيات القرآن الكريم قبل أن ينصب خليفة ولكن عندما (يأتيه خبر انه أصبح الخليفة فيغلق القرآن ويقول له"هذا أخر العهد بك" ثم يقف في الناس خطيبا ليقول" والله لا يأمرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه")(26).

فما عسانا أن نقول وبماذا نحكم على قوى وتيارات من دين واحد انشطرت مذاهب وطوائف وتنكبت السيوف والرماح والسكاكين ليجز احده رأس الآخر من نفس الدين ونفس المذهب، ناهيك عن ما جرى بحق معتنقي الأديان الأخرى، متهما إياه بالكفر والخروج عن ملة الإسلام وان لنا بما حدث في عراقنا ما بعد الاحتلال لدليل لا يقبل الدحض حول ما حصل وعلى أيدي الجميع دون استثناء ونسوق لكم هذه المقولة لابن لادن ( إن التشيع دين لا يلتقي مع الإسلام إلا كما يلتقي اليهودي مع النصراني تحت اسم أهل الكتاب... لقد كانوا عبر التاريخ شجا في حلوق أهل الإسلام وخنجرا يطعنهم في الظهر..وهؤلاء القوم كفرهم أهل السلف")(23) فهل تعني مقاومة بعض رموز الشيعة لرموز الظلم والعدوان والانتصار للحق والثورة على الباطل طعنا في الظهر لأهل الإسلام إلا إذا اعتبر مسلم بن عقبة ألمري صاحب وقعة الحرة من أهل الإسلام هذا الذي أرسله (الخليفة) يزيد بن معاوية (لتأديب مدينة رسول الله يثرب ومن فيها من الصحابة والتابعين، فقتل من قتل في وقعة الحرة التي هي من كبرى مخازينا التاريخية، إذ استباح الجيش نساء المدينة أياما ثلاثة حبلت فيها ألف عذراء من سفاح، واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبنات الصحابة والصحابيات)(24).

نختم موضوعنا آملين أن نتمثل جميعا قول فولتير لرسو:-

( أنا لا اقر كلمة واحدة مما كتبت، ولكني سأقف حتى الموت مدافعا عن حريتك، مؤيدا حقك في إن تقول ما تريد).

 

.................

المصادر:

1-سيد القمني –أهل الدين..والديمقراطية ص116.

2- احمد القبنجي – الاسلام المدني –ص372.

3-محمد سبيلا –مجلة قضايا إسلامية معاصرة- العدد (30) شتاء 2005 ص221.

4- احمد القبنجي –الاسلام المدني- ص376.

5- احمد القبنجي- الاسلام المدني- ص297.

 6- سيد القمني –اهل الدين..والديمقراطية ص68.

7- نفس المصدرص69.

8-نفس المصدر ص116.

9- احمد القبنجي –الاسلام المدني – ص387.

10- طيب تزيني –الاسلام والعصر تحديات وافاق ص93 دار الفكر المعاصر.

11- احمد القبنجي – الاسلام المدني- ص391.

12- طيب تزيني –الاسلام والعصر- نحديات وافاق –دار الفكر المعاصر لبنان بيروت ص104.

13- نفس المصدر ص 119.

14- احمد القبنجي – الاسلام المدني- ص399.

15- نفس المصدر ص387.

16- الاسلام والعصر ص100.

17-نفس المصدر ص100-101.

18- طيب تزيني – الاسلام والعصر- ص159-160.

19- نفس المصدر ص167.

20- سيد القمني اهل الدين..والديمقراطية ص2005.

21- طيب تزيني – الاسلام والعصر – ص175.

22- سيد القمني – اهل الدين والديمقراطية – ص30.

23- نفس المصدر ص116..

24- نفس المصدر ص68.

25- توفيق السيف –نظرية السلطة في الفقه الشيعي ص53.

26- سيد القمني – اهل الدين والديمقراطية ص68- دار مصر المحروسة ط1 القاهرة 2005.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1201 الاحد 18/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم