قضايا وآراء

ثلاثة طرق طائفية للهجوم على الطائفية / جعفر المظفر

وقد نتصور أن بالإمكان تحقيق ذلك من خلال التنظير المقنع الذي يدور حول مساوئ الطائفية. ولكن حينما نصل إلى الحديث عن الحقائق على أرض الواقع وفي بطون التاريخ، ومنه المعاصر، فإن سهولة التنظير، ذلك الذي ينطلق من النوايا الطيبة ومن النقاء الأخلاقي والفكري، ستواجه حتما عقدا واقعية حقيقية يكون من شأنها أن تحول ذلك التنظير إلى مجرد لغو فارغ وغير مفيد لأنه لا يتعامل مع الحقائق التاريخية إلا من خلال لي عنقها لكي تدخل مجبرة في قالب النوايا الطيبة.

الواقع أننا نواجه هنا ثلاث وقفات خاطئة، الأولى هي تلك التي تنفخ في حجوم الكثير من الوقائع التي جرت خلال التاريخ المعاصر للدولة العراقية الحديثة، ومنذ تأسيسها في بداية العشرينات من القرن الماضي، على أمل أن تساعد وقفة من هذا النوع الطائفيين الحاليين لكي يشرعنوا وجودهم الطائفي كونه رد فعل على طائفية سابقة. إن أصحاب هذا التوجه، وإن هم إحتكموا إلى حقائق لا يمكن نكرانها بسهولة، إلا أنهم يقعون في خطأ توظيف تلك الأخطاء للوقوع في خطأ اكبر ألا وهو مأسسة الطائفية وتقنينها وتحويلها من حالة كونها حقائق جزئية متفرقة أوذات طابع إجتماعي وشخصي أو إستخدامي، أو حتى واقعة حقيقية سيئة ولا يمكن نكرانها إلى نظرية للحكم.

إن هؤلاء يعالجون الخطأ بخطأ أفدح والمشكلة بمشكلة أكبر ويحولون ما كان يمكن تجاوزه بوسائل صحيحة، وإن كانت صعبة، إلى ما لا يمكن تجاوزه إلا بخسائر فادحة جمة، قد يكون من بينها المواجهات المسلحة أو حتى تمزيق البلد إلى دويلات طوائف، إن لم تكن على الخريطة فهي في العقل والقلب والظمير، والمهيأة بفعل ذلك لأن تتحقق على الخريطة في أية لحظة، لا بل ان تحقيقها سيبدو حينها وكأنه الحل الشافي لمشاكل لم تعد هناك ثمة وسيلة غير هذه الوسيلة التي ستتحول حينها من مرض إلى علاج ودواء.

أما الطريق الثاني فهو الذي ينفي إلى حد "التصفير" وجود ممارسات طائفية سابقة ظنا أن ذلك مطلوب للتغلب على إطروحات الطائفيين الحالية، مما سيؤدي حتما، ومن خلال صياغات غير عادلة وغير مطلوبة، إلى تنقية العهود السابقة من شوائبها وآثامها الطائفية ولا يخدم في طبيعته التوجه الرامي إلى الإقتراب من الطائفية بشكل علمي وعادل ومتوازن لأجل وضع حلول تاريخية لها ولمشاكلها وتداعياتها دون محاباة إنتمائية لهذا النظام أو ذاك، أو لهذه الطائفة أو تلك.

هؤلاء القوم، وإن كانوا مصيبين في تشخيصهم لطبيعة الحكم الحالي، إلا أن طريقتهم لتأكيد ذلك إنما تعبر عن نفسها من خلال الهجوم على طائفية الآخرين، وليس على الطائفية بشكل عام، أو على طائفيتهم بالذات.

وبين هؤلاء من يجعل نفسه العدو الأول للطائفية أمامك لأنك من غير طائفته في حين أنه سيلعن سلسفيل أجدادك حالما تدير ظهرك منصرفا عنه ومنتشيا بإكتشافك أنك عثرت أخيرا على من يشاركك العداء الواعي للطائفية.

أما الخطأ الثالث فذلك الذي يكمن في النوايا الطيبة التي يعمل لها أصحابها ولكن على حساب الحقائق كما هي أو كما كانت عليه، والتي تدفعهم من واقع كراهيتهم الفكرية والعاطفية للطائفية وتقديرهم لمخاطرها وسعيهم الحثيث لإقصائها إلى الوقوع في نفس الخطأ الذي تقع فيه المجموعة الثانية، وإذا كانت المجموعة الثانية تنطلق من مواقع دفاعية فئوية هدفها الدفاع عن الأنظمة السابقة بأي ثمن لتحقيق هدفين متناوبين هما الهجوم على الحكام الحاليين من جهة والدفاع عن التجارب السابقة من جهة أخرى، وتنطلق وصولا لتحقيق ذلك من موقعة "التصفير"، فإن المجموعة الثالثة وإن إنطلقت من موقع "التخفيف" إلا أنها ستسلك دون أدنى شك طريقا خاطئا لتحقيق النوايا، فالناس في النهاية تبحث عن موقف صادق وليس عن ذلك الذي قد تبرره حسن النوايا والذي يتغافل عن ذكر الحقائق وتفسيرها بشكل مقنع.

من خلال هذه الطرق الخاطئة الثلاث نجد أن هناك من يضخم أخطاء وآثام الطائفيين السابقين لا من أجل تأسيس نظام خالي منها وإنما من أجل إقامة نظام طائفي سيخدم بالنهاية مصالح سياسييه وليس مصالح البلد. في المقابل سنجد أن هناك من ينفي عن الأنظمة السابقة كاملا أي إثم طائفي ليلتقي بذات النتيجة التي إنتهى إليها أصحاب الطريق الأول كونهم في الحقيقة يعملون من أجل تبديل حكم طائفي واضح للعيان بحكم آخر لا يخلو من ممارسات ونوايا هي طائفية مهما إختلفنا على طريقة تفسيرها.

وهؤلاء هم بالحقيقة ليسوا ضد الطائفية وإنما هم ضد طائفية الطائفة الأخرى.

وتبقى النوايا الطيبة لوحدها غير كافية مما يجعل الطريق الثالث مثقلا بالأخطاء التي تفسر الحالة وبالحلول التي تتأسس على خطأ التفسير.

أما الطريق الرابعة فهي التي تعطي لكل ذي حق حقه وتقترب من هذه الظاهرة الهدامة مسلحة بالنوايا الطيبة وبالعقل الطيب أيضا.

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2193 الخميس 26/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم